الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرامهم اغسلوه بماء وسدر فإن السدر مما لا يستعمله (1) المحرم لإزالته الشعث وقتله هوام الرأس وتليينه الشعر ففيه من الارتفاق ما لا يخفى، وأما ما فهموا (2) من قوله فإنه يبعث يوم القيامة يلبي أنه علة للنهي عن تخمير رأسه لكونه محرمًا فغير ظاهر ليس لهم على ذلك من دليل بل الفاء (3) تعقيبية ذكرها لإثبات فضيلته حسب والجملة بيان لفضيلته وفضل من مات في عمل صالح أنه يبعث في حاله التي مات عليها فكإنه حرضهم على ارتكاب الخيرات والاجتناب عن المعاصي، والسيئات فإن المرء لا يدري أنى تلتقمه الأجداث ومتى تغوله الدواهي والأحداث ومن المسلم بين الفريقين الناس يحشرون يوم القيامة فيما ماتوا فيه من الأحوال والأعمال وإذا كان كذلك لم يكن بعثه يوم القيامة ملبيًا متوقفًا على عدم التخمير فإنه يبعث ملبيًا في كل حاله، افترى رجلا مات في سجدته لا يبعث ساجدًا فهلا لنا أن لا نضجعه في قبره ضرورة أنه يبعث ساجدًا أفيترك على هيئته تلك ولم يقل به أحد فكذلك ههنا، وحاصله أن أحكام الدنيا لا تكاد تنقاس بالأحكام الأخروية فهذه القضية الشخصية لا تكاد ترفع عموم تلك القضية الكلية مع ما فيها من الاحتمالات التي لا تكاد تنكر.
[باب ما جاء في المحرم يحلق رأسه في الإحرام ما عليه]
ظاهر ألفاظ الباب يشتمل ما إذا حلق رأسه بعذر أو حلق رأسه بغير عذر إلا أن المراد ههنا الأول بقرينة الحديث (4) الذي أورده فيه وليس حكم القسمين واحدًا حتى يترك على
(1) هكذا قاله العيني لكنه لا يرد على الشافعية فإنهم أباحوا للمحرم الغسل بالسدر كما في شرح الإقناع.
(2)
كما مال إليه ابن دقيق العيد متعقبًا على قول ابن بزيزة.
(3)
يعني لمجرد الترتيب الذكري وإلا فالمقصود منه إظهار المدح لموته بهذا الحال فإنه يبعث ملبيًا لأن كل ابن آدم يبعث على ما يموت عليه لكن لا يلزم بهذا البعث تغير في أحكام الدنيا.
(4)
وبسط العيني في ذكر ما يستنبط من الحديث مع اختلاف العلماء في ذلك ولخصه الشيخ في البذل.
عموه، قوله [فقال أتؤذيك هوامك] هذا لا ينافي ما ورد في بعض الروايات من سؤال كعب بن عجرة عن هوام رأسه قبل أن يبتدئ النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها ويفتشه عن أخوالها فإن الروايات لما كانت بالمعاني وحاصل كل ذلك يؤول إلى معنى واحد اجتمعت الروايات كلها من غير ارتكاب تكلف مستغنى عنه وكانت إجازته للحلق (1) لكثرة ما كان يكابد منها فكان مضطرًا إليها، ولذلك (2) خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الثلاثة المذكورة من الصيام وغيره ولو حلق من غير عذر لتعين عليه الدم وبذلك يعلم أن إجازة الشرع بشيء ورفع الإثم عنه لا يستدعي ارتفاع الكفارة ودم الجناية عليه وعلى (3) هذا فمعنى قوله لا حرج في تقديم بعض المناسك على بعض وجوب الكفارة، ثم اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص له في الحلق لما لا يعلم امتداد أيام الإحرام إلى متى؟ ؟ ؟ وإلا فقد وقعت المصالحة بالكفار بعد ذلك بقليل.
(1) وهل شعور غير الرأس أيضًا في حكمه؟ قال العيني: قد أوجب العلماء الفدية بحلق سائر شعور البدن لأنها في معنى حلق الرأس إلا داود الظاهري فقال لا تجب الفدية إلا بحلق الرأس فقط، وحكى عن المحاملي أن في رواية لمالك لا تتعلق الفدية بشعر البدن كذا في البذل.
(2)
قال العيني: إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيب عامدًا من غير ضرورة فقد حكى ابن عبد البر في الاستذكار عن أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبي ثور أن عليه دمًا لا غير وإنه لا يخير إلا في الضرورة وقال مالك: بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها، وحكى زين الدين عن الشافعي وأصحابه المعروف عنهم وجوب الفدية كما جزم به الرافعي كذا في البذل.
(3)
تأييد من الحديث المذكور لمسلك الحنفية في الأحاديث المشهورة التي ورد فيها السؤال عن تقديم بعض الأفعال وتأخيرها وأجاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم بـ «افعل ولا حرج» .
[باب في الرخصة للرعاة أن يرموا يومًا إلخ] قوله [ورواية مالك رحمه الله أصح] لما أنه (1) يلزم على ظاهر عبارة ابن عيينة أن يكون أبو الداح روى هذا الحديث عن عدي مع أنه لم يروه إلا عن عاصم وإنما نسبه إلى جده من قال له ابن عدي وإنما هو ابن عاصم بن عدي.
قوله [ثم يجمعوا في يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما] وهذا
(1) ما أفاده الشيخ رحمه الله (*) أوجه مما فسر الزرقاني وجه الأصحية بوجه آخر فقال اختلف فيه على سفيان فعند أبي داود والترمذي عن سفيان عن عبد الله ومحمد بن أبي بكر عن أبيهما عن أبي البداح ورواه النسائي عن سفيان عن عبد الله وحده ورواه ابن ماجة عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبي البداح ولذا قال الترمذي رواية مالك أصح وأما زعم أن تصحيحه لقول مالك بن عاصم وقول سفيان بن عدي، والرد على الترمذي بأن النسبة إلى الجد سائغ فليس بشيء إذ هذا لا يخفى على الترمذي وكونه لم يذكر الاختلاف لا يدل على أنه لم يره، انتهى، قلت: هذا محتمل لكن ما نسب إلى الترمذي ليس في النسخ التي بأيدينا بل فيها عبد الله بن أبي بكر ابن محمد نعم ما عزا إلى أبي داود وابن ماجة يوجد فيها، وهذا يكفي للاختلاف لكن صنيع المحدثين عامتهم في ذكرهم الاختلاف بين روايتي سفيان ومالك يؤيد كلام الشيخ وكلام الحافظ كما لا يخفى.
(*) ويؤيده صنيع الحافظ في التلخيص إذ قال رواه الترمذي عن أبي البداح بن عدي عن أبيه ورواه مالك فقال عن أبي البداح ابن عاصم بن عدي وحديث مالك أصح وقال الحاكم: من قال عن أبي البداح بن عدي فقد نسبه إلى جده، انتهى، فهذا يدل على أن الاختلاف بينهما عند الحافظ أيضًا في نسبة أبي البداح إلى عاصم أو عدي.
يتصور على وجهين (1) يقيموا بعد يوم النخر حتى يرموا الحادي عشر فيذهبوا ثم يأتوا الثالث عشر فيرموا رمي الثاني عشر، والثالث عشر في الثالث عشر والثاني أن يذهبوا بعد رمي النحر حتى يأتوا في الثاني عشر فيرموا رمي الحادي عشر والثاني عشر ثم يقيموا ثمة حتى يرموا الثالث عشر رمى هذا اليوم.
قوله [قال هالك ظننت أنه قلل في (2) أول منهما ثم يرمون يوم النفر]
(1) هكذا فسر الحديث بهذين الاحتمالين أكثر شراح الحديث كالشوكاني وغيره وههنا احتمال ثالث وهو أن يرموا الحادي عشر له وللثاني عشر يجمع تقديم لكنهم لم يختاروه لأن الجمهور أنكروا جمع التقديم قال الطيبي: رخص لهم أن يرموا يوم العيد جمرة العقبة فقط ثم لا يرموا في الغد بل يرموا بعد الغد رمي اليومين الفضاء والأداء، ولم يجوز الشافعي ومالك أن يقدموا الرمي في الغد قال القاري وهو كذلك عند أئمتنا، انتهى.
(2)
اختلفت الروايات في هذا اللفظ كما في مسند أحمد، وفي رواية له قال مالك: ظننت أنه في الآخر منهما وعلى هذا فلا مخالفة بينه وبين تفسير الموطأ ولا يحتاج إلى توجيه الشيخ وأما على لفظ الترمذي فيحتاج إلى التوجيه ويمكن أيضًا أن يوجه أن ما في الترمذي رأى شيخه وما في مسند أحمد والموطأ رأى الإمام مالك بنفسه فتأمل، وكتب مولانا محمد حسن المكي عن القطب الكنكوهي في تقريره على الترمذي أن قوله في أول منهما بيان لليوم المتروك لا ليوم الرمي. ولفظه أما قول مالك في بيان معنى الحديث ظننت إلخ، فلا يجوز أن يكون [في أول منهما] تفسيرًا لقوله [في أحدهما] ويكون قوله [ثم يرمون يوم النفر] خارجًا عن تفسيره وإلا يلزم تقديم الرمي على يومه، وهذا لا يجوز عند أحد من الأئمة الأربعة بل قوله في أول منهما مع قوله ثم يرمون يوم النفر بمجموعهما تفسير لقوله فيرمون في أحدهما فقوله في أول منهما متعلق بالترك المستفاد من قوله في أحدهما لأن المستفاد منه أمر أن الرمي في يوم والترك في يوم فلما تعين الرمي في تفسير مالك ليوم النفر أي الثاني عشر تعين ترك الرمي لليوم الأول أي الحادي عشر فكان قوله في أول منهما متعلق بالترك وحاصل المعنى [ظننت أنه قال] يتركونه [في أول منهما ثم يرمون يوم النفر الأول]، انتهى مختصرًا.
هذا ما نقله المؤلف من مقولة مالك رحمه الله، وقد بين مالك رحمه الله ظنه هذا في موطأه (1) بأوضح من هذا وأبين، فينبغي أن يحمل ما عزاه المؤلف إليه على ما هو مصرح به، فيقال في توجيهه أن أول أفعل تفضيل ومن صلة له وليس بتبعيضية فلا يكون مصداق الأول داخلاً فيما دخل عليه من الجارة وهو ضمير التثنية فيكون المراد بالأول حينئذ يوم النحر وبالنفر النفر الأول وهو الثاني عشر من ذي الحجة فيكون المعنى أنهم يرمون في يوم النحر، ثم يرمون في النفر الأول رمي يومين رمي الحادي عشر الذي تقدم والثاني عشر الذي هو موجود، أو يقال في توجيهه أن لفظة من تبعيضية وعلى هذا فلا يعتبر في الأول معنى التفضيل وأول داخل في مدخول من ولا ذكر ههنا لرمي يوم النحر لكونه في وقته لا محالة فإنما هو ذكر لرمي ما بعد يوم النحر، فمصداق أول منهما هو اليوم الحادي عشر فيرموا فيه ثم يروحوا إلى مراعيهم حتى إذا أتى يوم النفر الثاني وهو اليوم الثالث عشر من
(1) ولفظه قال مالك وتفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في رمي الجمار فيما نرى والله أعلم أنهم يرمون يوم النحر فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد، وذلك يوم النفر الأول يرمون لليوم الذي مضى ثم يرمون ليومهم ذلك لأنه لا يقضي أحد شيئًا حتى يجب عليه فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك فإن بدالهم النفر فقد فرغوا وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا، انتهى لفظه.