الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقل من تصرف النساء في أموال الأزواج فبين ما إليه احتياج الناس أكثر والابتلاء به غير قليل ولا أندر ولكن الإذن قد يكون بصريح القول منه وقد يكون دلالة كما قد علم بإنفاقها ولم يمنعها أو يكون طبعه يميل إلى الإنفاق في سبيل الله ويأمر به زوجه ويبين ما قدر الله له من الثواب في ذلك ثم لما كان مركوزًا في النفوس إنهم لا يثبتون للطعام خصوصًا المطبوخ منه ما للنقدين والفلوس من المنزلة سأل سائل عن غن إنفاق الطعام ظنًا منه، إن ذلك لعله لا يمنع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أفضل أموالنا، لأن كل ما سواه من الدراهم والدنانير فإنما هو تبع وغير مقصود بالذات إنما الاحتياج إليه في تحصيل الأطعمة والأشربة والألبسة، وهذا الإنفاق غير مختص بالإعطاء بل إنفاقها على نفسها فوق ما يصلح له من النفقة أو يرضاها لما زوجها ويجيزها داخل في ذلك.
[قوله إذا تصدقت المرأة] هذا إذا كان بإجازته وقوله مثل ذلك الأجر المماثلة في كونهما أجرًا وأما في المقدار فلا.
[قوله بطيب نفس] أي غير منقبضة بها نفسها ولا كارهة إياها، وقوله غير مفسدة بأن تعطى أكثر مما أمر به زوجها أو غير من يرضى الإنفاق عليه إلى غير ذلك من مفاسد النساء وهي غير قليلة.
[باب ما جاء في صدقة الفطر قوله صاعًا من طعام]
المتبادر منه (1) البر
(1) اختلفت الأئمة والفقهاء في الواجب من صدقة الفطر في الحنطة، فقالت الأئمة الثلاثة: صاع منها كغيرها لحديث الباب، وقالت الحنفية: الواجب نصف صاع منها وهو مذهب الخلفاء الراشدين الأربعة وابن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن الزبير وابن عباس ومعاوية وأسماء وجماعة من التابعين ذكرت أسمائهم في الأوجز ورواية عن مالك قال ابن المنذر لا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر في المدينة إذ ذاك إلا الشيء اليسير فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف الصاع منه يقوم مقام صاع شعير وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم ثم أسند عن عثمان وعلي وجماعة من الصحابة أنهم رأوا نصف صاع من قمح، وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية، وقال ابن القيم: فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار مرسلة ومسندة يقوي بعضها بعضًا، ثم ذكر الآثار المذكورة وقال في آخرها وكان شيخنا (أي ابن تيمية) يقوي هذا المذهب كذا في الأوجز.
لأنه غلب استعماله فيه ويمكن أن يكون المراد منه المطبوخ من غير البر أو غير المطبوخ منه لما أن البر لم يكن عندهم حينئذٍ حتى يحمل عليه والحاجة إلى الجواب إنما هو إذا حمل لفظ الطعام على البر والجواب أنه لم يرد إنا كنا تخرج في الواقع وبالفعل وإنما قال ذلك ظنًا منه وتخمينًا فإن كل ما عندهم من أنواع الأطعمة كانوا يخرجون منه صاعًا فلو كان البر عندهم لما خالف سائر الأطعمة في ذلك الحكم ولم يبلغه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الحنطة حيث قال مدان من قمح أو المعنى على تقدير وجود الحنطة عندهم حينئذ أنهم كانوا يخرجون منه صاعًا وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما بين لهم مقدار الواجب يحمل ما زاد منه على التطوع فهل ترى النبي صلى الله عليه وسلم يمنعهم عن تطوعهم، وقد أمرهم الله تعالى بالإنفاق في سبيله في عدة مواضع من كتابه، وأما قول معاوية رضي الله عنه إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر فإنما كان احتياطًا منه في نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ورد في ذلك من الوعيد لكن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه لما لم يقف على كونه حديثًا بل فهمه فهم معاوية رضي الله عنهما لم ير أن يترك ما فعله واختاره وثابر عليه في زمانه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر يرأى صحابي هو مثله في كونهما قد استفادا ما استفادا من العلوم من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الناس أخذوا بقول معاوية ذلك الذي قال لهم لكونهم صادفوه من مجتهد يكفيهم كونه من رأيه أيضًا فكيف وقد علموا أنه
من (1) النبي صلى الله عليه وسلم.
[قوله اقط (2)] هذه الزيادة مع ملاحظة ما هو المقصود من الإعطاء يجوز أن الإيتاء من كل صنف من أصناف الأطعمة، مثل الأرز والأرزن وغير ذلك فإن صاعًا من ذلك كله يغني الفقير عن قوت يومه وإن كان فقهاؤنا حصروا ذلك في الأربعة المذكورة قبل احتياطًا.
[قوله من المسلمين (3)] هذا عند الشافعي رحمه الله مقيد للحديث المطلق
(1) وقد ورد في ذلك عدة روايات بسطت في البذل والأوجز وتقدم ما قال ابن القيم أن بعضها يقوي بعضًا، وقال الشوكاني: هذه الأحاديث بمجموعها تنهض للتخصيص.
(2)
بفتح الهمزة وكسر القاف لبن فيه زبدة، وفي البذل: وضبط بتثليث الهمزة وسكون القاف يقال له في الهندية بنير، قلت: واختلفت نقلة المذاهب في بيان مسالك الأئمة في ذلك جدًا كما بسطت في الأوجز، وأما عندنا الحنفية ففي البدائع: تعتبر فيه القيمة ولا يجزئ إلا باعتبار القيمة لأنه غير منصوص عليه بوجه يوثق به، انتهى.
(3)
اعلم أولاً أن الأئمة بعد اتفاقهم على أن الرجل يجب عليه صدقة الفطر من عبده المسلم اختلفوا هل يجب من عبده الكافر أم لا؟ فقالت الأئمة الثلاثة لا تجب للقيد في حديث الباب، وقال الحنفية: تجب وبه قال الثوري وابن المبارك وإسحاق وعطاء ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل العلم، وأجابوا عن حديث الباب بأن الروايات التي وردت في هذا الباب مطلقًا تجري على إطلاقها لعدم التزاحم في الأسباب وبأن الزيادة في حديث الباب مختلفة حتى قال ابن بزيزة إنها زيادة مضطربة بلا شك من جهة الإسناد والمعنى وبأن ابن عمر رضي الله عنه الراوي لحديث الباب مذهبه الإخراج عن عبده الكافر وبأنا مؤولة عندكم أيضًا فإنكم توجبون على الكافر من عبده المسلم وبغير ذلك كما بسطت في الأوجز، وسيأتي عن الترمذي في كتاب العلل أن الإمام مالكًا تفرد بزيادة من المسلمين.