الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في الأنظار للمعسر]
إظلال العرش منبئ عن كون العرصة خارجًا عن ظل العرش ولا ضير فيه فإن سعة القدرة والعلم أكثر من ذلك بكثير فلا يردان السموات والأرض محاطة بالعرش فلا أحد يكون خارجًا من ظل العرش ولا يبعد أن يقال المراد بالظل نوع منه مختص لا يوجد لغيره وإن العرش وإن شمل كل مكان وجد ثمة فلا يستلزم أن يكون القائم تحت العرش مظللاً، كيف والشمس التي منها الحر والحرور تحت العرش لا يجدي كون أهل الحشر تحت العرش ما لم يظلهم الله تعالى بظل من رحمته ولو بشيء من جوانب العرش وجهاته وهو المراد في أمثال هذه الروايات، والله أعلم بالصواب، قوله [أو وضع له] سواء كان ضعة بعضه أو كله، قوله [فلم يوجد له من الخير شيء] أي من الخير الذي يوجب له انفتاح الغرفة إلى الجنة، ورفع الدرجات، وأما أصل الإيمان فغير منفي عنه، ومن ههنا يعلم أن الرجل إذا فعل خيرًا ولم ينوبه الثواب بل إنما كان لاعتياده كريم الأخلاق أو لمقتضى طبعه أن يرحم بني نوعه فإنه يثاب عليه إذ لو كان الرجل المذكور في الحديث ينوي بإنظاره ذلك أجر الآخرة لما قيل فلم يوجد له من الخير شيء وينبغي أن يعلم أن هذه المحاسبة له قد وقع في القبر على خلاف ما جرت به العادة من أنهم يحاسبون يوم القيامة لا قبله، وكثيرًا ما يعبر عن أحوال الحشر بلفظ المضي لتيقن وقوعها، يبعد أن يكون المذكور في الرواية جاريًا على تلك الطريقة أو يكون قد كشف عليه صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ الماضي لما أنه قد شاهده وعاينه وهذا كثير في الكتاب والسنة
أو يقال إن المراد بالمحاسبة هو النظر إليها والمقابلة بين سيئاته وحسناته والموازنة فيها من غير ميزان لا المحاسبة الحقيقية، ثم اعلم أن المذكور في أخبار أحوال القبر وأهوال الحشر إنما هو حال الكفرة الخلص أو المؤمنين الكمل، وأما ما يجده في القبر فساق الأمة وفجارها فقد طوى ذكرها في الأحاديث والذي يعلم بعد تتبعها أنهم يعذبون في قبورهم ومع ذلك فيراحون ويوعدهم لهم الخيرات ولا يقنطون فكان تعذيبهم كتعذيب الآباء والأمهات أولادهم أو كتعذيب الأطباء أو الجراحين المرضى والجرحى بإشرابهم أدوية كريهة الطعم وشق الجروح إلى غير ذلك فإن هؤلاء ما يقاسون كل ذلك لا ييئسون عن برئهم وصحتهم ولا يبغضون من عذبهم ويعلمون أنهم يغسلون بذلك التعذيب عن دنس الأوساخ التي ارتكبوها في الدنيا من منهياته تعالى، قوله [نحن أحق بذلك منه] لأنه أتى به مع كونه مفتقرًا متطمعًا إلى غير ذلك.
[باب ما جاء في مطل الغني (1) ظلم] بينه النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتلفوا حقوق الناس محتجين بما ورد في الأنظار من الأحاديث والأخبار، قوله [وقال إسحاق] ظاهر سوق المؤلف هذه العبارة مشير إلى فرق بينه أي بين توجيه الحديث على ما ذكره إسحاق وبين مذهب الأحناف (2) فإنه جوز الرجوع على المحيل إذا ظن
(1) من إضافة المصدر إلى فاعله كما هو المشهور وعليه الجمهور، وقيل إلى المفعول يعني يمطله لأنه غني وإذا كان في حق الغنى ففي حق الفقير أولى.
(2)
ومذهب الأحناف في ذلك ما في الهداية ونصه تصح الحوالة برضاء المحيل والمحتال والمحتال عليه، وإذا تمت الحوالة بريئى المحيل من الدين بالقبول، وقال زفر لا يبرأ اعتبارًا بالكفالة ولنا أن الحوالة النقل لغة، ثم لا يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوي حقه، وقال الشافعي لا يرجع وإن توى والتوى عند أبي حنيفة أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة له عليه أو يموت مفلسًا وقالا الثالث أن يحكم الحاكم بإفلاسه، وهذا بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده خلافًا لهما.