الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسها إلى إجازته وإذنه، قوله [وقد قالت عائشة إلخ] ليس معنى قولها ما فهمه هؤلاء إنما معنى كونها امرأة أنه تستعمل استعمال النساء وتغني غناءهن.
[باب في الوليين يزوجان]
قوله [فهي للأول منهما] وهذا إذا كان الوليان قريبين أو يكون الأقرب غائبًا غيبة منقطعة وإلا فهو للأقرب منهما.
[باب في نكاح العبد]
بغير إذن سيده، قوله [أيما عبد تزوج بغير إذن سيده إلخ] والنكاح عندنا (1) متوقف وتسميته عاهرًا باعتبار وقوع وطياته في محل مشتبه أمره بين الفسخ والبقاء، وإلا فهو في حكم الفضولي، وقد ثبت أن تزويج الفضولي (2) فكان كذلك ههنا.
[باب في مهور النساء]
قوله [تزوجت على نعلين] لعلهما (3) كانتا ثمينتين أو كان المعجل من المهر ذلك لا أنه كل المهر لئلا يعارض كلية قوله عليه السلام لا مهر أقل من عشرة دراهم رواه البيهقي (4) وتكلم في داود وجوابه أن داود أخذ منه سفيان وشعبة فلا وجه للتكلم فيه، وقوله أرضيت من نفسك ومالك
(1) وبه قال مالك، وقال الشافعي وأحمد لا يصير العقد صحيحًا بالإجازة بعده، قاله أبو الطيب.
(2)
هكذا في الأصل، والظاهر أن فيه سقوطًا من الناسخ أي جائز.
(3)
على أن الحديث ضعيف، قال أبو حاتم الرازي عاصم منكر الحديث يقال ليس له حديث يعتمد عليه، فقال له ابنه ما أنكروا عليه فذكر أبو حاتم هذا الحديث، قاله ابن التركماني، وقال ابن الهمام الحديث وإن صححه الترمذي فليس بصحيح فإن فيه عاصم بن عبيد الله قال ابن الجوزي قال ابن معين ضعيف لا يحتج به، وقال بن حبان فاحش الخطأ فترك قاله أبو الطيب
(4)
قلت: ورواه أيضًا الدارقطني وروى بمعناه عدة روايات مرفوعة وموقوفة بسطت في البذل.
بنعلين المراد بمالها ما كانت تملكه بدلاً عن بضعتها، والمراد بالنفس هي بذاتها فالمعنى أقنعت أن تمليكه نفسك ومهرك المقدر لك ورضيت عنهما بنعلين، أو يكون ذلك إشارة إلى ما أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم أمر استحباب لا إيجاب أن لا يتصرفن في خالص أموالهن أيضًا، إلا بعد شورى من الأزواج واستيمار منهم فإنه لما جاز التصرف له في مالها وإن لم يكن إلا بعد إجازتها والعادة إذنهن للأزواج في التصرف فكأنه عبر بذلك اللفظ عن هذا، قوله [قالت نعم فأجازه] وإنما لم يذكر ههنا المؤجل (1) لأن الرغبة وفرط الاعتداد بالناجز دون النسية، قوله [فقالت إني وهبت نفسي لك] اختلفوا في قوله تعالى {مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أن الخلوص للنبي عليه الصلاة والسلام في أي شيء هو فقال الشافعي رحمه الله الخصوصية في انعقاد النكاح بلفظ الهبة، وقال الإمام إنما هو انعقاد النكاح بغير المهر.
قوله [فقال هل عندك من شيء تصدقها] لفظة عند الدالة على وجود في ملكه الآن مع قوله تصدقها أي تعطيه في صداقها يدل على أن الكلام في المهر المعجل لا مطلقة وإلا (2) فكيف يصح النفي بقوله ما عندي إلا إزاري، إذ كان له حينئذ أن يجيب بأني أحصل يا رسول الله مالاً وأيضًا لا يصح السؤال من كون الشيء عنده بالفعل رأسًا وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام إزارك إن أعطيتها جلست ولا
(1) قال أبو الطيب: الظاهر من الحديث أنها لما تزوجت على النعلين صح نكاحها وكان لها المطالبة بمهر مثلها فلما رضيت بالنعلين أسقطت حقها الزائد عليهما بعد العقد، وهذا مما لا خلاف في جوازه مع أنه يحتمل أن تينك النعلين تساوي عشرة ومع احتمال أنه المعجل، انتهى.
(2)
أي إن لم يكن السؤال عن المعجل بل عن المؤجل لا يصح النفي للقدرة على التحصيل، وما احتيج إلى السؤال عنده بالفعل وأيضًا لا يلزم إعطاء المؤجل بالفعل فكيف ينطبق جلست ولا إزار لك وغير ذلك.
إزار لك مصرح على أن الكلام في المعجل، لأنه لو لم يكن كذلك فظاهر أنه لا يلزم إعطاء الإزار بالفعل وفيه أنه إذا تعلق بها حق المرأة ليس لها استعماله فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم جلست ولا إزار لك لا لأن الأداء إلى المرأة المهر يجب على الرجل بالفعل فليسأل، والجواب أنه لا يتعلق حق المرأة بها ما لم يؤتها الإزار أو يعينها لها فإن المهر واجب شرعًا على ذمته، وليس له مزيد اختصاص بإزاره حتى يكون حقها متعلقًا به فيمنع عن استعماله والتصرف فيه، قوله [فالتمس شيئًا] هذا أيضًا قرينة على كون الكلام في المهر المعجل.
قوله [التمس ولو خاتمًا من حديد] استدل الشافعي بذلك على جواز التختم بالحديد وعلى جواز المهر أقل من عشرة دراهم إذ لا يبلغ خاتم الحديد عشرة دراهم والجواب عن التختم فإن خاتم الحديد مكروه عندنا أن حرمته لشبه بعبدة الأصنام فلو ذهبه أو فضضه (1) جاز فجاز أن يكون موجودًا في البيوت ويجوز أن يستصنع إلا أن لبسه لا يجوز إلا بعد ذلك فلا يتمشى الاستدلال، قوله [هل معك من القرآن شيء] كأنه رغب المرأة أن تعفو عنه ما لها من المهر المعجل. وتقنع بما سيؤتيها إذا يسره الله له ثم ما قال، [زوجنكما بما معك من القرآن] فالباء فيه للسببية وليست للعوض والمقابلة إذ كيف يصح المقابلة بما معك والحال أن كونه معه ليس شيئًا يعوض به وتقدير المضاف خلاف الظاهر حتى يقال إنه قال زوجنكها لتعليم (2) ما معك من القرآن ثم إنهم اختلفوا فيما بينهم على جواز
(1) صرح بذلك ابن عابدين فقال: لا بأس بأن يتخذ خاتم حديد قد لوى عليه فضه وألبس بفضة حتى لا يرى، تأثر خانية انتهى.
(2)
ولو سلم فهذا خاص بهذا الرجل كما جزم به الطحاوي والأبهري لما أخرجه سعيد بن منصور وابن السكن عن أبي النعمان الأزدي الصحابي قال زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن، وقال لا يكون لأحد بعدك مهرًا، قاله أبو الطيب.
أخذ الأجر على تعليم القرآن وعدم جوازه فجوزه الشافعية ومنعه الحنفية واحتج المانعون بقوله صلى الله عليه وسلم (1) اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على الآذان أجرًا وبأنه طاعة فلا يصح أخذ الأجرة عليه أو واجب (2) وهذا إذا كان محتاجًا إليه في صحة الصلاة ولا يصح الأجرة على ما وجب عليه عينًا وحجة المجوزين ما ورد من رواية في أن نفرًا من الصحابة نزلوا على قوم واستضافوهم فلم يضيفوهم فكان من أمرهم أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة حين لدغ سيدهم، وأنت تعلم ما في هذا الاستدلال من بون بعيد بين الأصل والفرع فإن الرقية بالفاتحة ليس داخلاً في شيء مما ذكر والقوم كانوا أهل فاقة، وأولئك لم يضيفوهم فكان لهم أن يأخذوا منهم كيف شاؤوا.
(1) وبقوله صلى الله عليه وسلم اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به رواه أحمد وإسحاق وابن أبي شيبة من رواية عبد الرحمن بن شبل وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وغيرهما، ورواه الضحاك بسنده عن أبي هريرة أخرجه ابن عدي وضعفه وعن سليمان بن يريدة عن أبيه رفعه من قرأ القرآن يتأكل به جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم أخرج البيهقي هذا الحديث في شعب الإيمان، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال علمت ناسًا من أهل الصفة القرآن فأهدى إلى رجل منهم قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أردت أن يطوقك الله طوقًا من نار فاقبلها، أخرجه أبو داود وابن ماجة وإسناده ضعيف، وأخرجه أبو داود والحاكم من وجه آخر أقوى وبمعناه أخرج ابن ماجة من حديث أبي بن كعب، وعن أبي الدرداء رفعه من أخذ قوسًا على تعليم القرآن قلد الله له قوسًا من نار أخرجه عثمان الدارمي كذا في الدراية، وبسط هذه الروايات وغيرها الزيلعي.
(2)
أي التعليم يكون واجبًا عليه بأن يكون المتعلم محتاجًا إليه في تصحيح الصلاة ولا يكون هناك معلم غيره، وهذا وإن كان داخلاً في الطاعة لكنه أفرده بالذكر لأن أخذ الأجرة مع وجوبه عليه أقبح.
قوله [وقد ذهب الشافعي إلى هذا الحديث] وأنت تعلم أنه لم يذهب إلى هذا الحديث بل إلى ما فهمه من ظاهر ألفاظه كيف ومقتضى الحديث أن لا يقدر التعليم، قوله [من ثنتى عشرة أوقية] من عادتهم ترك الكسر فلا ينافي رواية ثنتي عشرة ونصف، ودراهمه خمس مأة، قوله [أعتق صفية] وكانت (1) من بني هارون وكان أبوها وعمها عالمين، [وجعل عتقها (2) صداقها] هذا مجرد تطييب لقلبها أو هو حكم على الظاهر إذ كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح أي امرأة شاء من غير مهر فإنه لما لم يؤتها شيئًا وظن الراوي أن النكاح لا ينفك عن المهر فظن أنه أمهرها عتقها.
[والقول الأول أصح] لموافقته ظاهر الحديث، قلنا هذا يوافق باطنه، قوله [ثلاثة يعطون أجرهم مرتين] الظاهر أنهم يعطون أجرهم مرتين على مجموع الصنيع المذكور ههنا، وعلى هذا فقال بعضهم في تأديبه وعتقه ونكاحه أن الأجر على الإعتاق والتزويج والتأديب حق مستحق عليه وقال الآخرون كلامًا غير هذا أيضًا، والحق أنه يعطى على كل فعله أجرين، وذلك لأنه لا منة في الأجرين على الفعلين مع أن المقام يقتضي بيان الفضل ليرغب فيه، ولأن تكرار الأجر على تكرار
(1) وكانت من سبايا خيبر اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
قال النوي: الصحيح في معناه أنه أعتقها تبرعًا بلا عوض، ولا شرط ثم تزوجها برضاها بلا صداق، وقيل شرط عليها عند عتقها أن يتزوجها فلزمها الوفاء وقيل أعتقها وتزوجها على قيمتها وهي مجهولة والكل من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقال أحمد بظاهر الحديث وقال الجمهور لا يلزمها أن تتزوج به ولا يصح هذا الشرط وممن قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة، قاله أبو الطيب: وعلم منه أن ما حكى الترمذي من مذهب الشافعي لا يصح، قال الحافظ: ومن المستغربات قول الترمذي وهو قول الشافعي وأحمد، وكذا نقل ابن حزم عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح، انتهى.
الفعل ليس له اختصاص بهؤلاء الثلاثة فللعبد الذي أدى حق الله وحق مولاه أربعة أجور اثنان على تأدية حقوق المولى واثنان على تأدية حقوقه تعالى وعلى هذا فالحق في الإعتاق وأخويه ستة أجور على كل صنيعه أجران، والوجه في تكرير الأجر في هذه الأفعال ما فيها من التزاحم فإن حقوق المولى يمنع أداءها إتيان حقوقه تعالى على وجهها وبالعكس فإتمامه حقوقهما معًا بحيث لم يخل بشيء منهما يوجب زيادة الأجر وكذلك تأديبها مخل بخدمته وكذلك الإعتاق بل في الإخلال بالخدمة فوق التأديب والتزويج عار عليه والإيمان بالكتاب الأول ترك لأهوائه وحفظ (1) الكتاب من التحريف غير سهل أيضًا يعني كما أن الإيمان بالكتاب (2) الثاني بترك ما ألفه الكتاب الأول وأحكامه والعمل بما فيه ليس بسهل أيضًا بل ذلك أشد من الأول مع ما يلحقه في ذلك من المطاعن وغيرها والمشقة في تعلمه وفهمه وحفظه وتقييد الجارية بالوضيئة لما يعسر عليه إعتاقها لوضائتها، وقد تعلمت أيضا فغلا ثمنها ولما ذكر في الثالث ثلاثة أفعال، والمقام مقتض ذكر اثنين (3) فقط،
(1) وذلك لازم للعمل عليه فإنه إذا كان عمل على الكتاب الأول كان عليه إذ ذاك صيانته عن التحريف أيضًا فإن الإيمان على المحرف مشكل.
(2)
ولا يذهب عليك أن الحديث وقع في الترمذي بلفظ الكتاب الآخر، قال أبو الطيب: ظاهره يشمل الكتابين أي كتابين كانا لكن رواية البخاري رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كما في كتاب العلم وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي كما في كتاب النكاح تدل على أن المراد من أهل الكتاب الآخر الفرقان، وقال السيوطي: الآخر بكسر الخاء وهو القرآن انتهى، ثم قال أبو الطيب: أما الكتاب الأول فإما أن يراد به الإنجيل فقط على القول بأن النصرانية ناسخة لليهودية أو يراد به أعم من التوراة والإنجيل على تقدير عدم النسخ، انتهى.
(3)
أي على رأي من قال إن تكرار الأجر بتكرار الفعل، وأما على رأي الشيخ فالأجر مكرر على كل واحد من هذه الثلاثة كما سيصرح بذلك.
ليصح ترتب التكرار بتكرر الفعل احتيج إلى تعيين الفعلين من هذه الثلاثة، فقالوا النكاح حظه لنفسه، وموجب الأجرين العتق والتأديب، وقيل التأديب واجب عليه فلم يبق الموجب للأجرين إلا الباقيان، وفي كلا التوجيهين نظر، وهو إن إخلاء (1) النكاح، وكذا التأديب وإن كان واجبًا لا يعقل فإن الأجر في أكثر الواجبات أكثر منه في النوافل والفضل في النكاح مشهور، والبعض منهم جعل الإعتاق والتزوج واحدًا كما أن التأديب وإحسان التأديب واحد، وهذا أبعد من الأولين وذلك لأن العتق والنكاح ليس أحدهما من لوازم الآخر، فكيف يعدان واحدًا مع أن الوعد بتكرار الأجر ينبئ عن كثرة الامتنان وليس في التكرار كثير منه على مثل هذين الفعلين اللذين ليس كل منهما خاليًا عن مشقة وعليها يدور كثرة الأجر في مواضع فالصواب أن يعد كل من الأفعال (2) المذكورة ههنا من الإيمان بالكتاب الأول، ثم بالكتاب الثاني، والتأديب والعتق والتزويج وأداء حق الله وحق مواليه كل منها يعد فعلاً برأسه، وأما ما قيل في توجيه جعل الأفعال الثلاثة المذكورة ثاني اثنين بأن التأديب والإعتاق واحد والتزوج واحد فليس بسديد أيضًا لما ذكرنا من عدم العلاقة بينها وكذلك ما قيل من أن الأجر إنما هو على العتق والنكاح، وأما التأديب فإنه لأجل نفسه فإن أدبها يفيده في معيشته قلنا فكذلك النكاح مفيد له في معيشته فإن قلتم إن المراد به أن يؤتي الأجر على النكاح
(1) أي عن الأجر كما فعله القائلون بهذا إذ قالوا إنه حظ لنفسه.
(2)
هكذا أفاد الشيخ ههنا وهكذا في تقرير مولانا رضي الحسن المرحوم عن الشيخ الكنكوهي -برد الله مضجعه وقدس الله سره- وما أفاد والدي المرحوم نور الله مرقده عند تدريس مشكاة المصابيح أن مناط تكرار الأجر هو التزاحم فكل فعل يوجد فيه التزاحم يثني عليه الأجر فرجل أدى حق الله وحق مولاه يتحقق التزاحم في كل من فعليه فيثني الأجر على كل من فعليه ورجل تعلم الكتاب الأول والثاني فلا تزاحم فيه إلا عند الثاني إذ صار جاهلاً بعد ما كان عالمًا وصار مبتديًا بعد ما كان منتهيًا فيكرر أجره على هذا ورجل أدب أمته لا تزاحم فيه لكن الإعتاق بعد ما تأدبت وكذا التزوج بعده فهذان الفعلان على كل واحد منهما الأجران فتأمل.
إذا كان لوجه الله قلنا فكذلك التأديب لا شيء عليه إذا كان لأجل حظ نفسه ويثني الأجر عليه إذا كان لوجهه تبارك وتعالى هذا ما يخطر بالبال الكثير البلبال، والله المتعال أعلم بحقيقة الحال.
[باب في المحل والمحلل (1) له] قوله [وعن الحارث إلخ] يعني أن عامر الشعبي يأخذ بسندين عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله [لعن المحل والمحلل له] هذا ظاهر أن الزوجة تحل للزوج الأول وإلا لم يصح إطلاق المحل والمحلل له عليهما ولا حل من غير أن يصح الازدواج ثم استثنى الإمام منه ما تزوج الرجل ليحلها لوجه الله تعالى خالصًا لا لغرض قضاء الشهوة أيامًا معدودة إذ قد يضطر الرجل إلى امرأة معينة لحوائج
(1) قال ابن بطال: اختلفوا في عقد نكاح المحلل، فقال مالك لا يحلها إلا بنكاح رغبة فإن قصد التحليل لم يحلها سواء علم الزوجان بذلك أم لا ويفسخ قبل الدخول وبعده، وهو قول الأوزاعي وأحمد، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، النكاح جائز وله أن يقيم على نكاحه أولاً، وقال عروة والشعبي وغيرهما: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم بذلك الزوجان وهو مأجور بذلك وذهب الشافعي وأبو ثور إلى أن النكاح الذي يفسد هو الذي يعقد عليه في نفس عقد النكاح أنه إنما يتزوجها ليحلها ثم يطلقها ومن لم يشترط ذلك فهو عقد صحيح، وروى عن أبي حنيفة مثله وروى عنه أنه إذا نوى الثاني تحليلها للأول لم يحل له ذلك، وهو قول أبي يوسف ومحمد وروى عن أبي حنيفة أنه إن شرط في نفس العقد فالنكاح صحيح والشرط باطل فله أن يمسكها، وإن طلقها حلت للأول، كذا في العيني مختصرًا، قلت: وعلم من ذلك أن ما حكى الترمذي من موافقة الشافعي أحمد ليس بصحيح.
ومصالح لا تكاد توجد في غيرها ووجه اللعن (1) ما فيه من الوقاحة، ولما انتفت وآل الأمر إلى إعانة مسلم أرجو أن يخلص من اللعن، قوله [حديث على وجابر حديث معلول] ليس المراد بذلك هو الحديث المتقدم بإسناده المتقدم وذلك لأن المؤلف حكم عليه بالصحة حيث قال: وهو أصح، بل المراد بذلك أن الحديث المشهور بينهم بلفظ حديث علي وجابر معلول (2) بالسند الذي سيأتي ذكره بقوله، وروى عبد الله بن نمير هذا الحديث عن مجالد عن عامر عن جابر بن عبد الله عن علي وأنت تعلم ما فيه من الوهم فإنه جعل جابرًا آخذًا عن علي مع أنه ليس كذلك فإن رواية الصحابي عن مثله وإن كانت كثيرة إلا أن جابرًا ههنا رواها من غير واسطة أحد من الصحابة، قوله [ينبغي أن يرمي بهذا الباب من قول أصحاب الرأي] لفظة من زائدة، وهو مفعول لقوله يرمي وهذا إشارة إلى الذي (3) أسلفنا، قوله [حتى يتزوجها بنكاح جديد] لأن النكاح الذي نوى به
(1) وفي حاشية الترمذي عن اللمعات قوله لعن المحل إلخ، الأول باسم فاعل، والثاني بلفظ المفعول وإنما لعن الأول لأنه نكح على قصد الفراق والنكاح شرع للدوام وصار كالتيس المستعار على ما وقع في الحديث، ولعن الثاني لأنه صار سببًا لمثل هذا النكاح، والمراد إظهار خساستهما لأن الطبع السليم يتنفر عن فعلهما، وقيل المكروه اشتراط الزواج بالتحليل في القول لا في النية بل قد قيل إنه مأجور بالنية لقصد الإصلاح، انتهى.
(2)
احتاج الشيخ إلى هذا التوجيه لئلا يخالف كلامه الآتي لا سيما إذ صحح ابن السكن حديث علي اللهم إلا أن يقال إن الأصحية باعتبار مقابله وتصحيح ابن السكن ليس بحجه على المصنف.
(3)
ومبني على فهمه أن قول الحنفية مخالف للحديث، والحق بمعزل عنه قال الشوكاني في النيل: قال الشافعي وأبو ثور المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها ثم يطلقها فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشترط نوى ذلك أو لم ينوه، قال أبو ثور هو مأجور وعن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات قالوا وأما لعنه صلى الله عليه وسلم للمحال فلا ريب لأنه لم يرد كل محلل ومحلل له فإن الولي محلل لما كان حرامًا قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار والبائع أمته محلل للمشتري وطأها فإن قلنا العام إذا خص صار مجملاً فلا احتجاج بالحديث، وإن قلت: هو حجة فيما عدا محلل التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب العقد أو الذي أحل ما حرمه الله تعالى ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثًا فإنه محلل ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه، فإن الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعًا أنه لم يدخل في النص فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنة، وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل فضلاً عن أن يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى.