الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك]
اعلم أن العرية (1) هي العطية وكانوا يعطون المفاليس أشجارًا ونخلات من حيطانهم ليأكلوا ثمارها ثم إن الأنصار ملاك البساتين كان من عادتهم توطن الحيطان في أيام إدراك الثمار يقيمون بها مع أهلهم فكانوا يتضررون بدخول هؤلاء المفاليس عليهم في أي وقت شاؤا وكان هؤلاء يتضررون بالذهاب إلى البساتين والإياب منها لثمرات ثمرات فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بتضرر الفريقين كليهما رخص المفاليس أن يبيعوا أرطابهم والأغنياء الملاك للبساتين أن يشتروا هذه الأرطاب بتمرات مثل كيلها خرصًا فقد تبين أن تسمية هذه المبادلة بيعًا مجاز لما أنها كانت هبة لم تتم لعدم القبض فعوضوا عن هبتهم هبة أخرى والخرص كان تطييبًا لقلوب المعرى لهم لما كانوا يترقبون وصول ذلك المقدار إليهم بعد الجذ وإيفاء لعدة من أعرى من الأغنياء فإنه إذا وعد بإعطاء حق ونوى أن يعطي ذلك المقدار فأولى له أن لا ينقص منه ويفي بوعده بتمامه، ثم تقييده بخمسة أوسق كما وقع في بعض الروايات مبني على أنهم كانوا يعرون كذلك ولو أعطوا أكثر منه رخص فيه وكذلك استبداله بالتمر لما أنهم لا يجدون إلا ذلك فلو استبدلوه بالأرطاب أو بالثمن لجاز لهم إلا أن ذلك لم يكن فلم يذكر هذا ما قال الإمام الهمام، وقال الآخرون أن العرية مزابنة إلا أن العرية يطلق على ما قل المبيع فيه من خمسة أوسق وهي جائزة مع حرمة المزابنة التي هي داخلة فيها لاستثناء النبي صلى الله عليه وسلم إياها عن الحرمة حين حرم المزابنة وأنت تعلم أن هذا خرق لعرف اللغة إذ ليس فيه معنى العارية والتزام لمفاسد كثيرة لا تحصى منها إبقاؤها على النخيل بعد الشراء فإن الرجل إذا اشترى ما على الشجر فليس له أن يترك على النخيل بعد ذلك ومنها ما في ذلك من شبهة الربا فإن الخرص فيه ثلاثة احتمالات، إما أن
(1) قال صاحب المجمع: هو فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصد أو بمعنى فاعلة من عرى يعرى إذا خلع ثوبه كأنها عريت من التحريم فعريت، انتهى.
يزيد ما على النخيل أو يزيد ما على الأرض أو تساويًا وهذا الثالث نادر جدًا، وفي الأولين يتحقق الربا لا محالة إلا أن يقال هذا محتمل عند الكل فأنا أيضًا (1) مقرون بجواز ذلك إذا لم يكن نسيئة، والثالث (2) أن معطي التمر، إما أن يعطيها قبل أن يجذ الرطاب أو بعده فإن كان الأول لزم ما قلنا (3) آنفًا من بيع الثمر بالتمر نسيئة وإن كان الثاني لزم بيع الكالي بالكالي، قوله [وهذا أصح من حديث] أي الذكر (4) بعنوان الاستثناء غير الأصح والأصح هو أن يذكر كما ذكره مالك، قوله [معنى هذا] أي وجه الجواز وهذا التفسير يغاير تفسيرنا المتقدم والفاعل على هذا في قوله قالوا لا نجد ما نشتري هم الذين ليس لهم بساتين واشتهوا أن يأكلوا الأرطاب وليس لهم الثمن ولا شيء آخر غير التمر ويمكن إرجاعه إلى
(1) يعني إذا تحقق المساواة كلية فنحن أيضًا مقرون بالجواز لكن الشرط منتف فإنه لا سبيل إلى العلم بالمساواة بالقطعية فآض الاحتمالات الثلاثة وهي شبهة الريا.
(2)
أي من المفاسد وتقدم المفسدان من قوله منها إبقاؤها إلخ ومن شبهة الربا.
(3)
لعله إشارة إلى قوله إبقاؤها على النخيل فإن في الإبقاء على النخيل ما يزيد بعد البيع يكون البيع فيه نسيئة على الظاهر، فتأمل.
(4)
قلت: وفسر الحافظ في الفتح كلام الترمذي بغير ما أفاده الشيخ فقال أخرج الترمذي من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت ولم يفصل حديث ابن عمر من حديث زيد بن ثابت وأشار الترمذي إلى أنه وهم فيه والصواب التفصيل يعني أن التصريح بالنهي عن المزابنة لم يرد في حديث زيد بن ثابت، وإنما رواه ابن عمر بغير واسطة وروى ابن عمر استثناء العرايا بواسطة زيد بن ثابت فإن كانت رواية ابن إسحاق محفوظة احتمل أن يكون ابن عمر حمل الحديث كله عن زيد بن ثابت وكان عنده بعضه بغير واسطة، انتهى.