الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المديون شيئًا ولم يقبض فإنه لم يدخل بعد في ضمان المشتري فكان ملكه غير تام حتى لو هلك (1) بتعدي البائع أو من غير صنعه هلك من مال البائع فلا يمكن أن يقال إنه تبدلت صفته هل هي باقية بعينها فالمراد حينئذ بقوله وجد عنده، وجد أنه في ملكه لا في يده وقبضته، وهذا للتكلف إنما يحتاج إليه في تصحيح المذهب حيث ورد قوله صلى الله عليه وسلم بلفظ من باع فإنه نص في إرادة المبيع ولا يمكن تأويله بالعارية وغيرها، والقرينة على الذي بينا من المراد ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم أدار الأمر في بعض الروايات على أخذ البائع شيئًا من الثمن فإنه من البين أن بقاءه على الصفة الظاهرة لا يضره إعطاء شيء من الثمن ولا إعطاء كله فكيف أراد هؤلاء بقاء المبيع على الصورة الظاهرة بلفظ بعينها فليس القصد به إلا إلى أن البيع يتم به تمامًا ليس في عدم قبض شيء منه فعلم أن المدار تمام البيع لا غير سواء كان بالقبض أو بقبض الثمن أو غيره مع أن أداء الثمن قليله وكثيره غير مؤثر في بقاء المبيع على حاله فأفهم وتشكر.
[باب في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر يبيعها له
(2)] قوله وأنه
(1) قال ابن الهمام: وما لم يسلم المبيع فهو في ضمان البائع في جميع زمان حبسه فلو هلك في يد البائع بفعله أو بفعل المبيع بنفسه بأن كان حيوانًا فقتل نفسه أو بأمر سماوي بطل البيع إلى آخر ما بسطه من الهلاك بفعل الأجنبي أو المشتري فأرجع إليه لو شئت للتفصيل.
(2)
ومسلك الحنفية في ذلك ما في الدر المختار، أمر المسلم ببيع خمر أو خنزير أو شرائهما ذميًا، صح ذلك عند الإمام مع أشد كراهته وقالا لا يصح وهو الأظهر، قال ابن عابدين أي يبطل.
ليتم كأنه التمس بهذا عذره في إراقة الخمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكد في مال اليتيم بما لا مزيد عليه [فقال أهريقوه] استدلوا على مرامهم بهذا الأمر فإنه لو كان مخلص لملله سوى الإضاعة لما أمر بإضاعته، ونحن نقول الأمر كذلك إلا أنكم اشتبه عليكم الفرق بين الفعل الحرام والكسب الحرام فإن فعله هذا حرام من غير شك إلا أن حرمة المال المكتسب ببيع الذمي خمر المسلم غير ميرهنة ولا لازمة، ألا ترى أن من سلخ الميتة ودبغ جلدها فإنه يطير بالدباغ إجماعًا بيننا وبينهم مع أن أصله حرام فإن قالوا إن السلخ غير حرام قلنا للقاء الملح والتشميش كذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بتخليلها سدًا لذرائع الفتنة واستقراءًا للرغية عنها في قلوبهم وللنفرة فإنه لو رخصهم وقلوبهم معتادة بها وألسنتهم ملتذة لاحتال أكثرهم لا سيما المنافقين منهم في ادخارها، وإذا ظهر الأمر قالوا أخذناه للتخليل، قوله [كرهو أن يكون المسلم (1) إلخ] هذا غير لازم فإن من أسلم اليوم وفي بيته خمر فأي حرج عليه لو خلله أو أمر ذميًا ببيعه.
قوله [أد الأمانة إلى من ائتمنك] أي عامل بك بالأمانة حين وضعت عنده أمانتك أو المعنى من اعتقدك أمينًا حين وضع لديك أمانة [ولا تخن من خانك] ظاهره (2) مفيد لمن قال لا يأخذ حقه ممن تليه متى ظفر به لكن النظر الغائر
(1) وبظاهر الحديث قال أحمد، وقال الشافعي لا يجوز التخليل بعلاج من ملح وخل وغيرهما، ولا يخل الخل، وإن خللها بالنقل من موضع إلى موضع أي إلى موضع الشمس فللشافعي قولان أصحهما تطهيره وعند أبي حنيفة الخمر إذا تخللت بنفسها أو خللها صاحبها بعلاج فالتخليل جائز والخل حلال وعن مالك ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت، كذا في البذل.
(2)
قال الخطابي هذا الحديث يعد مخالفًا في الظاهر حديث هند (أي امرأة أبي سفيان) وليس بينهما في الحقيقة خلاف وذلك لأن الخائن هو الذي يأخذ ما ليس له أخذه ظلمًا فأما من كان مأذونًا في أخذ حقه من مال خصمه فليس بخائن، والمعنى لا تخن من خانك بأن تقابله بخيانة مثل خيانته وكان مالك يقول إذا أودع رجل رجلاً ألف درهم فجحده ثم أودعه الجاحد ألفًا لم يجز له أن يجحده قال ابن القاسم أظنه ذهب إلى هذا الحديث، وقال أصحاب الرأي يسعه أن يأخذ ألفًا قصاصًا عن حقه ولو كان بدله حنطة أو شعير لم يجز له ذلك فإن هذا بيع، وقال الشافعي يسعه أن يأخذ عن حقه في الوجهين لحديث هند، وقال الحافظ استدل بحديث هند على أن من له عند غيره حق وهو عاجز عن استيفائه جاز له أن يأخذ من ماله بقدر حقه بغير الإذن، وهو قول الشافعي وجماعة وتسمى مسألة الظفر، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه إلا إذا تعذر جنس حقه وعن أبي حنيفة المنع وعنه يأخذ جنس حقه ولا يأخذ من غير الجنس إلا أحد النقدين بدل الآخر وعن مالك ثلاث روايات كهذه الآراء وعن أحمد المنع مطلقًا، هكذا في البذل.
يثبت مذهب الإمام بما لا شبهة فيه وبيانه أن من أخذ منك مائة فأنت بأخذ المائة غير جان عليه، كيف وقد قال الله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} وأجمعوا على أن تسمية الجزاء سيئة اعتبار للمشاكلة، فكان المراد بقوله صلى الله عليه وسلم هذا أن لا تأخذ فوق حقك فإنه يكون خائنة، وأما إذا أخذت مثل حقك فهو ليس في شيء من الخيانة ويؤيد قوله لامرأة أبي سفيان حين شكت إليه بخل زوجها خذي ما يكفيك وبينك بالمعروف بقى الاختلاف في أنه هل يأخذ حقه من عين جنسه أم له أن يأخذ من غيره، قال الإمام ليس له إلا الأخذ من عين جنس حقه لأن الأخذ من غيره لا يتصور إلا بعد اقتضاء البيع أي تقدير البيع اقتصاءًا، وليس إليه ذلك لعدم ولايته، وقال صاحباه له الأخذ من الثمنين لأنهما في الحكم كواحد،