الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسعيه وعدوه وسائر حركاته من الصعود والهبوط، وأما الميت فليس له فاقة إلى شيء من ذلك ولا هو مرجو منه إحدى هذه الفعلات فيكون الزيادة في القميص إسرافًا لعدم الاحتياج إليه ولا يمكن الاستدلال على نقض ما ذكرنا بإلباسه صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله بن أبي بن سلول وقد كان فيه كل شيء مما يفتقر إليه الحي في حياته ومما يكون في قمص الأحياء وذلك لأن كلا منا في إعداد القميص له قصد فأما إذا وجد هناك قميص واحتيج إلى إلباسه إياه كما احتيج ههنا لإدخال (1) البركة عليه لم يحتج إلى نقض تركيبه مع أن المقصود هناك لما كان التبرك بلباسه كانت الزيادة مفيدة ما كانت، لا النقص، ولا ننكر أن يرتكب مثل هذا في غير هذا أيضًا وأيضًا ففي إدخال يد الميت في كم القميص مشقة به فلا يتكلف إلا لضرورة داعية له كما كانت ثمة لا مطلقًا والله أعلم بالصواب.
[باب النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب]
قوله [فجاء المغيرة بن شعبة] وكان أميرًا عليهم فلما سمع بذلك أراد أن ينصحهم فقال ما بال النوح في الإسلام كأنه عاب عليهم فعل ذلك وهم مسلمون وغيرهم بارتكاب أمر الجاهلية بعد ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، قوله [من نيح عليه عذب مانيح عليه] يحتمل أن يكون معناه (2) مادام نيح عليه أو يكون المعنى بما نيح
(1) لا يقال إن إعطاءه صلى الله عليه وسلم القميص لم يكن للبركة بل لتطييب القلب لأن ذلك لا ينافي التبرك وأيضًا فسؤال ابنه القميص كان للتبرك وقبله النبي صلى الله عليه وسلم وأيضًا النبي صلى الله عليه وسلم لما منعه عمر رضي الله عنه عن الصلاة عليه لم يقبله بل قال لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها كما ذكر هذه الروايات وما في معناها الحافظ في تفسير البراءة.
(2)
قال أبو الطيب من شرطية وعذب جواب الشرط وما في قوله ما نيح عليه ظرفية قاله في فتح الباري وقال العيني ما للمدة أي عذب مدة النوح ولا يقال ما ظرفية، قلت والحق إنها مصدرية والمصدر مضاف إليه للفظ مدة وتسمى باعتبار المجموعة مصدرية حينية، انتهى.
عليه وعلى الوجهين فهو غير جار على عمومه إنما المراد (1) بمن هذه من كان كافرًا أو يكون قد وصى بالنوح أو كان الميت يرضى بالنوح في حين حياته وأما إذا لم يكن شيء من هذه الأمور وكان الميت مؤمنًا ينهاهم عنه في حياته ولم يوص به وقت مماته أو خاف عنهم ذلك فنهاهم وصاياه فليس عليه من نوحهم شيء ويصدق حينئذ قوله تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ظاهرًا لا شبهة فيه إذ الميت حينئذ إما أن يكون كافرًا فتعذيبهم بنوحهم إنما ذلك تعذيب بالكفر الذي اكتسبه وصار نوحهم عليه سببًا لزيادة في العذاب وأنت تعلم أن عموم قوله تعالى {وَلا تَزِرُ} الآية شامل للكافر والمسلم فزيادة العذاب على الكافر بنوحيهم فرار على ما منه الفرار إلا أن يصار في دفعه إلى أحد الوجوه الباقية من الوصية وغيرها وفيه أنه غير مخاطب بالشرائع فكيف يعذب على عدم امتثالها وإنما تعذيبه على أعظم الجنايات والجواب أن عدم كونهم مخاطبين إنما هو في حق الأحكام الأخروية (2) بالامتثال. وأما في حق المؤاخذة عليها في الآخرة فهم مخاطبون بها باتفاق بيننا وبين الشافعي أو يقال ليس المراد بذلك ما فيهم بل المراد أنه مع كونه معذبًا على كفره يقال له ما ينوحه به إلا حياء تبكيتًا له وتهكماته وهذا لزيادة في العذاب ولا تنكر أو أوصاهم بذلك فتعذيبه على وصيته لا على نوحهم أو يقال لما كان سببًا لوقوعهم في الإثم فعذب على حد قوله عليه السلام من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها إلى آخره، وكذلك إذا كان راضيًا به في حياته فإنه أمرهم بلسان حاله أن ينوحوا عليه لكن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عمم الصنيعة ههنا ردعًا للعوام عن النوح مطلقًا وإن كان المعذب بنوحهم هو بعض أفراد من نيح عليه لا جميعهم. قوله [لن يدعهن الناس] ليس المراد أنه لن يدعها أحد منهم إنما المراد أنها لا تترك كلية حتى لا يرتكبها أحد بل
(1) اختلفوا في معاني أحاديث عذاب الميت ببكاء أهله عليه على أربعة عشر قولاً بسطت في الأوجز فارجع إليه لو شئت تفصيل مسالك العلماء في ذلك.
(2)
هكذا في الأصل والصواب على الظاهر «الدنيوية» .
يبقى منها بقية في الناس، قوله [والعدوي] الظاهر من النظر في الأحاديث التي وردت في أمثال هذه المواضع أن العرب كانت تزعم للعدوي تأثيرًا في نفسه من غير افتقار إلى مؤثر سواه فنفي النبي صلى الله عليه وسلم عن العدوي كل نوع من التأثير، وإن كان لأمثال هذه مدخل في مسبباتها وإن كان بإذن منه سبحانه فقولهم إنه سبحانه وضع للنجوم وغيرها. تأثيرًا بحيث تعطل بعد ذلك أي لم يبق له قدرة على الإيجاد والإعدام سبحانه وتعالى هذا شرك وكفر كما أن القول بأن لها تأثيرًا في نفسها من غير أن يضعه الله سبحانه فيها، وكذا القول بأنه تعالى يضع فيها تأثيرًا ثم لا يؤثر سبحانه بل التأثير إنما يكون لها، وفي هذا الوجه له خيار على الخلاف إن شاء ولا كذلك في الوجه الأول وكذا الاعتقاد بأن التأثير منه سبحانه إلا أن التخلف لا يمكن عما هو ظاهر حالها وأما أنها ليس لها دخل لا بكونها سببًا ولا أمارة فلم يذهب إلى ذلك إلا شرذمة من أهل الظاهر والذي ينبغي أن يعتقد عليه القلب أنه تعالى هو المؤثر الحقيقي يفعل ما يشاء حيث شاء وإنما أمثال هذه أمارات جرت عادته سبحانه وتعالى أنه يفعل بعد إظهارها ولو شاء لم يفعل مع ظهور الأمارات أيضًا كما أنه وضع في الأدوية أفعالاً وخواص وقد تتخلف (1) عن موجبها كذلك نعتقد في العدوي وتأثيرات النجوم وأمطار الأنواء أنه تعالى وضع فيها أثرًا من غير أن يكون لها تأثير في إبدائه فأمرها ليس إلا كأمر الأمطار إذا تنشأت سحابة فالظاهر منها أنها تمطر ومع ذلك فلسنا بالأمطار مستيقنين إلا أن يشاء الله رب العالمين، قوله [الميت يعذب ببكاء أهله عليه] هذا القول كالأول في أن المراد بالميت بعض أفراده كما سبق وبالبكاء البكاء (2) المخصوص وهو البكاء المنهي عنه الذي بينه في جواب عبد الرحمن كما سيأتي عن قريب إلا أنه صلى الله عليه وسلم تركه على العموم اتكالاً على ما بينه في موضع آخر واعتمادًا على الفهم أو ليردع
(1) قال الشاه ولي الله في حجة الله: والحق أن سببية هذه الأسباب إنما تتم إذا لم ينعقد قضاء الله على خلافه لأنه إذا انعقد أتمه الله من غير أن ينخرم النظام، انتهى.
(2)
وقد تقدم في الباب السابق أن للعلماء في هذا البكاء أربعة عشر قولاً بسطت في الأوجز.
بذلك عن جميع أنواع البكاء وقد فهم منه بعض الصحابة رضي الله عنهم العموم فخصصوا بذلك قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وكان الحديث لسامعه من في النبي صلى الله عليه وسلم قطعيًا فلا ضير في نسخ الآية مع أن أكثر العلماء على جواز نسخ الآية بخبر الواحد ولذلك العموم عقد له بابًا على حدة أو للفرق بين النوحة والبكاء فكان من إرادته الإشارة إلى أن النوحة حرام مطلقًا وفي البكاء تفصيل واختلاف. قوله [وقد كره قوم من أهل العلم] مقتضى نهي هؤلاء (1) هو العموم، قوله [ولكنه نسى أو أخطأ] علم بذلك أن فهم الراوي غير معتبر وبتأويل عائشة رضي الله عنها وتمسكها بالآية أن خبر الواحد يجب أن يجمع بالآية وإلا ترك بمقابلتها قوله [إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها] تعني أنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إنها مبتلاة فيما هي مبتلاة فيها وهؤلاء يبكون عليها أي على فواتها ولا يعلمون بحالها فيشغلون بها عن بكائهم إلا أن ابن عمر فهم منه أنها تعذب ببكائهم عليها وفيه أن تأويل عائشة رضي الله عنها بظاهره مناف لما مر من تأويل أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه أنه لو كان كافرًا عذب وهذه مع كونها كافرة فقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن تعذب ببكاء أهلا عليها فكيف التفصي عنه، والجواب أن عائشة رضي الله عنها لم تبلغها الرواية المثبتة لعذاب الميت ببكاء أهله، وأما الرواية التي كانت بلغتها فلم يكن فيها تعرض بما نحن فيه فوجب لنا الجمع بين الرواية والآية كما جمعت عائشة بين الآية والتي بلغتها من الرواية:
قوله [قال ولكن نهيت] يعني أن الذي أردت بقولي لم تفهموه أنتم، وبذلك يعلم أن العام كثيرًا ما يراد به الخاص اتكالاً على الفهم أو على ما بين في
(1) وهو الأول من الأقوال المذكورة فيه قال الحافظ: ومنهم من حمله على ظاهره وهو بين من قصة عمر مع صهيب كما أخرجه البخاري وممن أخذ بظاهره أيضًا عبد الله بن عمر فروى عبد الرزاق أنه مشهد جنازة رافع بن خديج فقال لأهله إن رافعًا شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب وأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه كذا في الأوجز.
موضع آخر، وإسناد الحمق إلى الصوت مجاز لكونه دالاً على الحق فكأنه هو الأحمق. قوله [صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب] هذا إخراج على ما هو الغالب وإلا فالصوت المنهي عنه منهي عنه وإن لم يكن معه شق جيب وخمش خد.
قوله [ورنة (1) شيطان] هذه هي النياحة والفرق بينهما ظاهر فإن الأول من أهل الميت والثاني من النائحة [باب المشي أمام الجنازة] بينه صاحب الحاشية بما لا يحتاج إلى زيادة (2) عليه قوله [قال ابن المبارك وأرى ابن جريج
(1) قال أبو الطيب بفتح الراء وتشديد النون صوت مع بكاء فيه فيه ترجع كالقلقلة واللقلقلة قال النووي في الخلاصة: المراد به الغناء والمزامير: قال وكذا جاء مبينًا في رواية البيهقي قال العراق ويحتمل أن المراد به رنة النوح لا رنة الغناء ونسب إلى الشيطان لأنه ورد في الحديث أول من ناح إبليس وتكون رواية الترمذي قد ورد فيها أحد الصوتين فقط واختصر الآخر، ويؤيده أن في رواية البيهقي: إني لم أنه عن البكاء إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجه وشق جيوب كذا في قوت المغتدي، قال أبو الطيب: فالحاصل أن الرنة على ما بينه النووي من أنه صوت الغناء هو الصوت الثاني وعلى ما ذهب إليه العراقي هو الصوت الأول والعطف لمغايرة اللفظ والثاني غير مذكور ههنا اختصارًا، انتهى، قلت وقد عرفت بذلك أن تفسير الشيخ موافق لتفسير العراقي فتأمل.
(2)
ذكر في الأوجز في الباب خمسة مذاهب الأول التخير بدون الترجيح وبه قال الثوري وإليه ميل البخاري الثاني أن المشي أمامها أفضل للماشي وخلفها للراكب، وبه قال أحمد وهو المرجح من ثلاث روايات لمالك، والثالث ترجيح قدامها مطلقًا وبه قال الشافعي: والرابع ترجيح خلفها مطلقًا وبه قالت الحنفية والأوزاعي، والخامس إن كان في الجنازة نساء مشى أمامها وإلا خلفها، وهو قول النخعي.
أرى ههنا مجهول بمعنى أظن وأراد بذلك تقليل عدد من وصله بتقليل ابن جريج فإنه لما أخذه عن ابن عيينة لم يكن راويًا مستقلاً يروي الحديث متصلاً بل صار في حكم أحد من تلامذة سفيان بن عيينة قوله [إنما هو سفيان بن عيينة] أراد بذلك الرد لمن توهم أنه سفيان الثوري فكان المتوهم توهم بذلك رجحان الوصل على الانقطاع والإرسال لرواية سفيان الثوري هذا الحديث متصلاً فقال: إنما هو إلخ.
قوله [قيل ليحيى] يحيى هذا يحيى (1) إمام بني تيم الله وهو هو، حيث وثقه المؤلف مع أن قلة الرواية عنه لا يقدح فيه. [باب كراهية الركوب خلف الجنازة] قوله [إن ملائكة الله على أقدامهم] إلخ، فإن قيل إن الملائكة لما لم يخل عنهم بقعة في شيء من الأزمنة كان التأدب معهم مما يتعذر عادة، قلنا فرق بين كونهم ووجودهم عندنا وبين كونهم مشتغلين بما نحن مشتغلون به، فلما شاركونا في أمر ديننا وحملوا جنازة أخينا كانوا أخلق بالتأدب منهم في شغلهم غير ذلك مع أن التعذر إنما هو في تأدبهم مطلقًا لا في هذا الوقت لقلة وقوع حضور الجنازة.
(1) فسره الشيخ بابن سعيد لأنه هو إمام الجرح والتعديل وكثيرًا ما يستشهد الترمذي بقوله لكن الظاهر أن المراد به ههنا هو يحيى ابن عبد الله الجابر الراوي عنه فقد قال الحافظ في تهذيبه، قال ابن عيينة قلت: ليحى الجابر امتحنه من أبو ماجد قال شيخ
طرأ علينا من البصرة، وقد روى غير حديث منكر وقال البخاري قال الحميدي عن ابن عيينة قلت ليحيى الجابر من أبو ماجد قال طير طرأ علينا وهو منكر الحديث، انتهى، وحكى أبو الطيب عن بعض العلماء جهالة عند المتأخرين لا تستلزم جهالته عند المجتهدين المتقدمين وقد تأيد بعمل بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم كما قال المصنف قلت: ولو سلم فهي مؤيدة بروايات كثيرة في الباب بسطت في الأوجز يؤيد بعضها بعضًا فارجع إليه.