الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله [فلا عليه أن إلخ] وتمام الآية دال على الثاني وهو قوله تعالى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} إلخ كما أن أول الآية دال على الأمر الأول وهو تعليق الوجوب باستطاعة السبيل زادًا وراحلة قوله [الزاد والراحلة] تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة فحسب يفي أن أمن (1) الطريق ووجود المحرم للمرأة شرط لوجوب الأداء لا نفس الوجوب، لأن السكوت (2) في موضع البيان بيان فتجب الوصية بالحج لو لم يتيسر بهذين وكذلك من وجد الزاد والراحلة ولم يقدر على الركوب أو كان أعمى أو زمنًا وجب عليه الإيصاء بالحج عنه عند أبي يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله ورجحه في الفتح.
[باب ما جاء كم فرض الحج]
فرض ماض مجهول، والمراد كم مرة فرض الحج واحدة أو أكثر قوله [لما نزلت {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}][قالوا يا رسول الله إلخ] ليس المراد ترتب القول على نزول الآية ترتيب الأجزية على شروطها لأن نزول الآية كان قبل السؤال (3) بأعوام، بل المراد بعدية السؤال عن نزول الآية
(1) ففي الهداية: ولابد من أمن الطريق لأن الاستطاعة لا يثبت دونه ثم قيل: هو شرط الوجوب حتى لا يجب عليه الإيصاء وهو مروي عن أبي حنيفة وقيل هو شرط الأداء دون الوجوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة لا غير، انتهى.
(2)
يعني أنه صلى الله عليه وسلم لما لم يذكر في تفسير الاستطاعة إلا الزاد والراحلة كما يظهر من جوابه صلى الله عليه وسلم لمن سأل ما يوجب الحج علم أنهما تفسير الاستطاعة لا غيرهما لأن السكوت في موضع البيان بيان فعلم منه أن وجود المحرم وأمن الطريق وغيرهما ليست من شرائط الوجوب فتجنب الوصية إن لم تتيسر لأحد هذه الأمور التي هي شروط للأداء، وسيأتي شيء من الكلام على الحديث في التفسير.
(3)
فإن سورة آل عمران التي فيها الآية عدت في أوائل السور التي نزلت في المدينة المنورة.
أينما كانت فالمراد أنهم لما سمعوا في خطبته صلى الله عليه وسلم التي خطب بها الناس في حجة الوداع بيان وجوب الحج وكانوا قد قرأوا من قبل قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} فترددوا في أن الوجوب هل هو في العمر مرة أو في كل عام فسألوا عن النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجابهم بقوله لا ولو أجابهم بقوله نعم لوجب في كل عام ووجه الوجوب بقول صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه تعالى كان جعل (1) أمر الحج في تعيين مرات وجوبه في يده ووقفه على اختياره فما أوجبه وجب وقد يكون (2) للعبد مع مولاه وللخادم مع مخدومه وللولد مع والده وللمحكوم مع حاكمه شأن وتقرب ينسب فيه كل ما يصدر من هذا القبيل إليه وللواجب سبحانه شئون فتارة يحكم بقهره فلا يمكن لأحد من الأنبياء المرسلين ولا الملائكة المقربين إلا الخوف والخشية وتارة هو في أردية لطفه ورحمته فلا أحد من الطاغي والعاصي إلا وهو يرجو من نواله فيمكن أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فقال كنت حينئذ بحيث ما أوجبته وجب وما حرمته حرم فلو قلت نعم لوجب في كل عام والفرق بين الوجهين أن في الوجه الأول وكل إليه صلى الله عليه وسلم تعيين مرات وجوب الحج فحسب بخلاف الثاني فإنه عام لكل
(1) هذا عند من لم يقل باجتهاده صلى الله عليه وسلم، ولأهل الأصول في المسألة أربعة. أقوال نعم ولا والثالث كان له أن يجتهد في الحروب والآراء دون الأحكام والرابع الوقف كذا في ابن رسلان ووجهه شيخ مشايخنا الدهلوي نور الله مرقده في حجة الله بتوجيه لطيف فقال: سره أن الأمر الذي يعد لنزول وحي الله بتوقيت خاص هو إقبال القوم على ذلك وتلقى علومهم وهممهم له بالقبول وكون ذلك القدر هو الذي اشتهر بينهم وتداولوها ثم عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم وطلبه من الله فإذا اجتمعا لابد أن ينزل الوحي على حسبه، انتهى.
(2)
هذا هو الوجه الثاني الذي سيأتي الإشارة إليه في بيان الفرق بين الوجهين.
حكم ثم قد نشأ من جميع ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على السائل سؤاله ولم يرض به ولم يكن لذلك الإنكار وجه في الظاهر فوجه الإنكار بقوله (1) إذ كان الله تعالى انزل عليهم من قبل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} والفاء في قوله {فَأَنْزَلَ اللَّهُ} ليست لتعقيب النزول بالمسألة، لأن آية النهي عن المسألة كان نزولها قبل (2) السؤال الوارد في الحج بل الفاء للعلية أي إنما أنكر ذلك لأن الله تبارك وتعالى كان قد أنزل النهي عن المسألة أو يقال فيه حذف والمعنى فقد كان أنزل الله قبل هذا نهيًا عن السؤال فكان إنكاره صلى الله عليه وسلم على سؤاله مطابقًا لأمره سبحانه وتعالى لا يقال يمكن أن يستنبط من سؤالهم هذا اقتضاء الأمر (3) التكرار ولو
(1) ليس في الحديث لفظ إذ كان الله بل فيه فكان اله وعبره الشيخ بلفظة إذ إشارة إلى أن الفاء تعليلية كما سيصرح بها.
(2)
فإن صاحب الجمل ذكر نزول هذه السورة في منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية إلا قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فقد نزل في حجة الوداع وإلا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} فقد نزل في غزوة الفتح ثم لا يذهب عليك أن الأقوال في سب نزول آية النهي عن السؤال مختلفة ذكر الحافظ في الفتح خمسة أقوال والجمع سهل ليس هذا محل تفاصيله سيأتي إجمالها في كتاب التفسير.
(3)
هذا من مسائل الأصول بسطها أصحاب الفن ففي نور الأنوار وحواشيه أن الأمر لا يقتضي باعتبار الوجوب التكرار، كما ذهب إليه قوم منهم أبو إسحاق الأسفرائي من أصحاب الشافعي ولا يحتمله كما ذهب إليه الشافعي واستدل الأولون بهذا الحديث لأن أقرع بن حابس من أهل اللسان، ففهم التكرار ثم لما علم فيه حرجًا عظيمًا أشكل عليه، والجواب عن الحنفية أن الأقرع عرف سائر العبادات تتعلق بالأسباب كالصلاة بالمواقيت والصوم بالشهر ورأى أن الحج يتعلق بالوقت أي اليوم حتى لا يصح قبله ويفوت بفوته وهو متكرر ويتعلق بالبيت وهو غير متكرر فاشتبه عليه الأمر فسأله وليس سؤاله بفهمه التكرار من الأمر كما قلتم، انتهى بزيادة