الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجر الصلاة] هذه الصلاة نافلة (1) ولا بأس لو اكتفى على الفريضة لكنه ليس بالأولى وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم نافلة قبيل الضحوة الكبرى وكان قد صلى الفجر ثم جلس منتظرًا فلما طلعت الشمس اغتسل وأحرم.
[باب ما جاء في إفراد الحج]
اختلفوا في أن أي الأقسام الثلاثة من الحج (2) أولى، قال مالك رحمه الله: الأفضل التمتع لأن له ذكرًا في القرآن وقال
(1) اختلفوا في ذلك، قال ابن القيم لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر، وقال ابن حجر في شرح المنهاج: يصلي ركعتين ينوي بهما سنة الإحرام للأتباع متفق عليه يقرأ سرًا ليلاً ونهارًا، انتهى، وقال القاري في شرح النقاية: صلى شفعًا أي الركعتين عند إحرامه لرواية أبي داود عن ابن عباس فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب.
(2)
أي مع الاتفاق على جواز الكل، وهذا التفصيل الذي أشار إليه الشيخ مأخوذ من الهداية، واختلفت نقلة المذاهب في بيان الأفضل من الإنساك الثلاثة عند الأئمة الأربعة ولعل سبب الاختلاف اختلاف الروايات عنهم فقد قال النووي اختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل فقال الشافعي ومالك وكثيرون أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القرآن، وقال أحمد وآخرون أفضلها التمتع، وقال أبو حنيفة وآخرون أفضلها القرآن، وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي، انتهى، فعلم أن الشافعي رحمه الله فيه ثلاثة أقوال، وما حكى النووي من الترتيب بين الثلاثة هو كذلك، في فروع الشافعية: لكنهم اشترطوا الأفضلية، الإفراد أن يعتمر في هذه السنة كما صرح بذلك شارح الإقناع وشارح المنهاج وإن لم يعتمر في هذه السنة فهما أفضل من الإفراد، أما مختار فروع المالكية ففي الأنوار الساطعة: أفضلها الإفراد ثم القرآن وهكذا في الشرح الكبير للدردير ولفظه ندب إفراد على قران وتمتع بأن يحرم بالحج مفردًا ثم إذا فرغ منه أحرم بالعمرة ثم يلي الإفراد في الفضل قران، انتهى، قال الدسوقي ظاهره أن الإفراد لا يكون أفضل إلا أذا أحرم بالعمرة بعد فراغه من الحج وهو قول ضعيف والمعتمد أن الإفراد أفضل ولو لم يعتمر بعد، انتهى، وأما في فروع الحنابلة فالأفضل التمتع ثم الإفراد ثم القرآن، كذا في نيل المآرب والروض المربع وغيرهما، وأما عند الحنفية فالأفضل القران ثم التمتع ثم الإفراد.
الشافعي رحمه الله: الأفضل الإفراد لأن فيه زيادة السفر والحلق والإكثار من التلبية، وقلنا الأفضل هو القرآن لأن حجته (1) عليه الصلاة والسلام كان قرآنا وله ذكر في القرآن وهو قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فإن معناه على رواية ابن مسعود وعلي بن أبي طالب وتفسيرهما أن يحرم بهما (2) من دويرة أهله ولقائل أن يقول لا يفهم من هذه الآية إشارة إلى القرآن إنما المذكور ههنا لفظ الواو وهو لمطلق الجمع فلا يفهم منه المقارنة حتى يصح قولهم إن للقرآن ذكرًا في القرآن فالذي يثبت من الآية أن أتموا الحج إذا حججتم والعمرة إذا اعتمرتم
(1) قال ابن القيم: وإنما قلنا أنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنًا لبضعة وعشرين حديثًا صحيحة صريحة في ذلك ثم بسط طرقها وألفاظها، وأجاب عن الروايات التي ورد فيها خلاف ذلك.
(2)
قال صاحب الهداية مجيبًا لمن قال التمتع أفضل لأن له ذكرًا في القرآن فقال وللقرآن ذكر في القرآن لأن المراد من قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أن يحرم بهما من دويرة أهله على ما روينا من قبل وقال قبل ذلك وإتمامها أن يحرم بهما من دويرة أهله كذا قاله علي وابن مسعود، قال الحافظ في الدراية أما حديث على فأخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن سلمة قال سأل على فذكره موقوفًا، وأخرجه البيهقي وقال روى عن أبي هريرة مرفوعًا وأما حديث ابن مسعود فلم أجده، انتهى.
بأن تحرموا من دويرة أهلكم لكل واحد منهما، وأما أن هذين يكونان معًا فلا، فلا يفهم من القرآن أفضلية القرآن، والجواب أن مذهب على معلوم أنه كان يرجح القرآن كما ثبت من روايات الصحاح (1) فوجب حمل كلامه في تفسير الآية عليه فكان للقرآن ذكر في القرآن حسب تفسيره وفهمه كما أن للتمتع ذكرًا على ما فهمه مالك لا حقيقة لأن المراد في الآية ليس هو التمتع الاصطلاحي الذي اختاره مالك رحمه الله بل أعم منه ومن القرآن وهو الترفق بأداء النسكين في سفر سواء كان بدون تخلل التحلل بينهما أو به، ثم إنه وقع بين الرواة من الاختلاف في كون حجته عليه السلام إفرادًا أو قرآنًا أو كونه نوى العمرة ثم أدخل فيها الحجج إنما سبب ذلك ما خالف النبي صلى الله عليه وسلم في ألفاظ تلبيته فقال تارة لبيك بحجة فسمعها قوم وقال تارة لبيك بحجة وعمرة فسمعها قوم وقال مرة لبيك بعمرة وسمعها قوم، فقال كل منهم بكون حجته على حسب ما سمعها في تلبيته صلى الله عليه وسلم وإنما اخترنا رواية (2) أنس على رواية من هو أوثق رواية لكونه أقدم وأكثر للنبي صلى الله عليه وسلم صحبته مع أن رواية النبي صلى الله عليه وسلم قال لبيك بحجة، ومن قال أنه قال لبيك بعمرة لا يضرنا فإنا لانقر أن للقانون أن يذكرهما معًا وإنما له أن ينوي الحجة قبل الفراغ عن أكثر
(1) فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهما يعسفان في المتعة فقال له على ما تريد أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عثمان دعنا عنك فلما رأى ذلك على أهل بهما جميعًا، قال صاحب التنقيح: ليس هذا الحديث لمن قال بالتمتع وإنما هو لمن قال بالقرآن فإن عليًا رضي الله عنه أهل بالحج والعمرة جميعًا قاله الزيلعي.
(2)
أخرجها الشيخان وغيرهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة يقول لبيك عمرة وحجة، قال ابن الجوزي في التحقيق مجيبًا عنه أن أنسًا رضي الله عنه كان حينئذٍ صبيًا فلعله لم يفهم الحال وغلطه صابح التنقيع فقال بل كان بالغًا بالإجماع بل كان له نحو من عشرين سنة قاله الزيلعي.
أفعال العمرة فيحتمل أنه نوى العمرة أولاً (1) فقال لبيك بعمرة ثم وقع في قلبه أن يحج أيضًا فقال لبيك لأنه كان ناويًا للعمرة من قبل لم يحتج لا إلى ذكر الحج فحسب.
قوله [وهما يذكران التمتع] بالعمرة (2) بانضمامه إلى الحج بإفساد الحج وتصييرها عمرة، فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله لأنه تعالى يقول في كتابه {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وهذا الفسخ ينافي الإتمام فقال سعد بئس ما قلت يا ابن أخي ليس غرض سعد بهذا الإنكار عليه في الذي (3) انكره من المسألة وإنما هما متفقان على أن فسخ الحج وجعله عمرة لا يجوز لأنه قد نسخ وإنما أنكر سعد على الضحاك مبادرته إلى سوء الأدب في الذين صنعوا ذلك فكأنه قال بئس ما قلت من نسبة الجهل إلى الذين فعلوا ذلك، كيف وقد فعله الأجلة من الصحابة رضي الله عنه وقد فعل بمحضر من النبي صلى الله عليه وسلم وبعد تأكيد منه في ذلك وعلى هذا فقول سعد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مجازًا لكونه سبب فعلهم وآمرًا لهم وراضيًا لهم فعله وكارهًا توقفهم فيه ومنكرًا عليهم بتطأهم في ذلك، وقصة هذه الحجة بينها مسلم والبخاري رحمهما الله بحيث يتضح منه جميع ذلك فليطالع (4)
(1) وإليه مال الطحاوي إذ قال فقد يجوز أن يكون ذلك الحج المفرد بعد عمرة قد كانت تقدمت منه مفردة فيكون قد أحرم بعمرة مفردة على ما في حديث القاسم ومحمد بن عبد الرحمن عن عروة (الذي أخرجه الطحاوي) ثم أحرم بعد ذلك بحجة حتى تتفق هذه الآثار، انتهى، كذا في البذل.
(2)
أي هما يذكران متعة الفسخ التي نسخت.
(3)
يعني ليس غرض سعد بهذا النكير إنكار المسألة فإنهما متفقان في أصل المسألة يعني في منع فسخ الحج إلى العمرة وإنما النكير على إطلاق لفظ جهل في حق من فعل.
(4)
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وفيه قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهللين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا يا رسول الله أي الحل قال حل كله وفي رواية أخرى فكبر ذلك عندهم وفي أخرى فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقالوا افعلوا ما أمرتكم فلولا أتى سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكم، الحديث.
ثمة، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: لو أني استقبلت من أمري ما استديرت لما سقت الهدى ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة، فعلم بذلك أن إسناد صنعها مجاز وإسناد صنعناها حقيقة وقول الضحاك فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك اعتذار منه في نسبة الجهل إلى من فعل ذلك وبيان للمنشأ الذي قاده إلى ذلك القول فإن نهى عمر رضي الله عنه لا يمكن أن يكون على خلاف مراد الشارع كيف وقد تأيد نهيه بكلامه تعالى فرد عليه سعد بأنا إذا صنعنا والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وقد أمرنا به فكيف يتمشى علينا نهي عمر رضي الله عنه حتى يجوز لك نسبة الجهل إلى هؤلاء، وحاصل المناظرة على هذا التقرير الذي قدمنا أنهما اتفقا على أن متعة الفسخ منسوخة إلا أن الضحاك نسب مرتكبها إلى الجهل فأنكر عليه سعد هذه النسبة لا غير، وأنه وإن لم يكن مرادًا له غير أن التلفظ باللفظ الموهم ليس بمستحسن أيضًا، إذ يلزم على هذا نسبة الجهل إلى جناب الصحابة رضي الله عنهم بل يلزم سوء الأدب في حضرة الرسالة، فعلم أن في المسائل الخلافية لا يجوز رد أقوال المخالفين إذا كانوا مستدلين بالآيات أو الروايات بحيث يلزم تنقيص في شأنهم أو تحقير ولا يجوز أن يتلفظ بما ليسوا من أهله بل يرد قولهم بألفاظ غير بذيئة، ويمكن توجيه المناظرة بأن سعدًا (1) كان يرى نسخ متعة الفسخ كما أن الضحاك كان
(1) ليس لهذا الكلام غرض في المناظرة بل ذكره توطية وتمهيدًا، وحاصل المناظرة على هذا التقرير أنهما كانا متفقين في نسخ متعة الفسخ ولم يكونا يذكران ذلك بل كانت مذاكرتهما في المتعة المشروعة التي هي عام للتمتع والقرآن الاصطلاحين التي هي مقابلة الإفراد.
يرى ذلك وقول محمد بن عبد الله وهما يذكران التمتع يريد بالتمتع معنى عامًا يشمل القرآن والتمتع الاصطلاحيين وهو الإتيان بهما في سفر سواء كان بتخلل التحلل بينهما أو بغير تخلله، فقال الضحا بن قيس: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله لأنه ليس أولى نسبة إلى الإفراد، وقد قال تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وإتمامهما أن يأتي بهما في سفرين على ما فسره بعضهم وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن ذلك نهى تنزيه لا تحريم لكون الإفراد أفضل عنده من القرآن والتمتع، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي وقول سعد هذا إما لأنه كان يرى فضلاً للتمتع على الإفراد مستدلاً بفعله صلى الله عليه وسلم أو لأن ترك ما هو أولى ليس مما يجوز نسبة الجهل إلى مرتكبه كما فعله الضحاك بن قيس، كيف وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا إسناد صنع وصنعنا كلاهما حقيقتان، لأن أكثر أصحابه صلى الله عليه وسلم (إنما المراد ههنا الكثرة في نفسه لا نظرًا إلى الجانب الآخر) كان معهم هدى فلم يكونوا حلوا، منهم أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه.
قوله [وهو يسأل ابن عمر رضي الله عنه عن التمتع بالعمرة إلى الحج] هذه ليست بمتعة فسخ إنما هي التمتع العام للقرآن والمتعة الاصطلاحيين ولعله أراد أن ينظر ماذا يجيب ابن عمر في مقابلة أبيه وقد كان ابن عمر رأى وعلم ما علهي بناء نهى عمر وأنه نهى تنزيه إلا أنه أراد أن لا يناظر بجاهل من أهل الشام، فاستخلص منه نفسه بأسهل تقرير فلله دره.
قوله [وأول من نهى عنه معاوية] لعل معاوية (1) شدد في أمر النهي عنه وإلا فالنهي عنه كان من زمن عمر، قوله [وقال بعضهم لا يصوم أيام
(1) وقال أبو الطيب ويمكن الجمع بينهما بأن نهي معاوية كان نهي تحريم ونهي عمر وعثمان نهي تنزيه.