الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنه لما أخذ رطبًا قدر صاع ووعد أن يعطيه صاعًا من التمر بعد زمان فلا ريب في أنه يصل إليه أكثر من المقدار الذي أعطاه، وكذلك من أخذ تمرًا ليعطيه صاعًا من الرطب، فإن لآخذ التمر فضل مقدار ليس لصاحبه ذلك ولا كذلك في النقد، وإذا كان يدًا بيد، فان للحاضر العاجل من المزية ما ليس لغيره فاحتمل في النقد ما لا يحتمل في النسيئة.
[باب في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها]
هذا إذا كان مقصوده الثمرة الصالحة، وأما إذا قصد غير الصالحة كما هو الآن أي وقت البيع فلا كراهة إلا أنه ليس (1) له أن يتركه على الشجر، وذلك لأن المشتري لعله قصد به منفعة غير الأكل، قوله [كرهوا بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها] أي إذا كان المبيع هي الثمار لا كما هو الآن، وإن كان المبيع هو الذي ليس بصالح لأكل الأناسي وقصده المشتري كذلك فلا كراهة حينئذ إلا أنه يؤمر بجذاذه الآن ولا ياباه لفظ الحديث بل فيه إشارة إلى ذلك إذ المنهي بيع العنب والحب وإنه لم يبع الحب ولا العنب وإنما باع غيرهما.
(1) صرح بهذا التفصيل محمد في موطأه وفي هامشه لا خلاف للعلماء في جواز بيع الثمار بعد بدو الصلاح واختلفوا في تفسيره، فعندنا هو أن يأمن العاهة والفساد، وعند الشافعي ظهور الصلاح بظهور النضج ومبادئ الحلاوة والبيع بشرط القطع قبل بدو الصلاح يجوز فيما ينتفع به اتفاقً وبشرط الترك لا يجوز بالاتفاق وإذا اشتراها قبل بدو الصلاح مطلقًا من غير اشتراط الترك ولا القطع، فقال الشافعي وأحمد: مبطل وهو قول لمالك ووافق في قوله الثاني أبا حنيفة في جواز البيع، والبيع بعد بدو الصلاح على ثلاثة أوجه ثم بسطهما وزاد في الإرشاد الرضى عمن اشترى بالبيع الفاسد فهو جائز على قول الكرخي إذا لحق البيع الصحيح الفاسد فصحيح.
[باب في النهي عن بيع حبل (1) الحبلة] يحتمل وجهين أن يكون حبل الحبلة مبيعًا والبيع على هذا باطل أو مضروبًا به الأجل لأداء الثمن وعلى هذا التقدير فاسد والفرق بين الفاسد والباطل غير خفي، فإن الباطل غير المشروع بأصله ووصفه كبيع المعدوم والفاسد المشروع بأصله دون وصفه كالبيع على أن يؤتى الثمن حين تنتج نتاج ناقته، والإضافة (2) على الأول إضافة المصدر إلى مفعوله وعلى الثاني بأدنى ملابسة، فإن البيع الذي ضرب فيه أجل لأداء الثمن فله نسبة إلى ذلك الأجل أيضًا، ثم لا يخفى عليك أن الكراهة على المعنى الثاني إنما هي إذًا أدخل هذا الأجل المجهول في الثمن كما بينا من قبل.
قوله [وبيع الحصاة] هذا البيع وأمثاله، وإن كانت داخلة في بيع الغرر لما أنه لا يبقى فيه للمشتري خيار عيب ولا رؤية ولا له اختيار في رده،
(1) بفتح الباء والحاء فيهما، ورواه بعضهم بسكون الباء، قال عياض: وهو غلط والصواب الفتح، والأول مصدر حبلت المرأة والحبل مختص بالآدميات ويقال في غيرهن من الحيوانات الحمل، قال أبو عبيد: لا يقال لشيء من الحيوانات حبل إلا ما جاء في هذا الحديث والحبلة جمع حابل، كظلمة وظالم، وقيل: الهاء لمبالغة واختلفوا في المراد بحبل الحبلة والمنهي عنه، فقيل: هو البيع بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة ويلد ولدها، وهذا تفسير ابن عمر ومالك والشافعي وغيرهم، وقيل: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال، وبه قال أبو عبيد وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه، وقال ابن التين، ومحصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين: وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين فصارت أربعة أقوال، كذا في التعليق الممجد، قلت: وحبل الحبلة صريح في جنين الجنين فلا وجه للجنين الأول ولا لولادة الأم.
(2)
أي في بيع حبل الحبلة على كونه مبيعًا.
ولا يمكن له أيضًا أن ينقص من الثمن إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفردها بالذكر لأغراض ومنافع لا تلغى، منها الرد صريحًا على شيوعها بينهم، قوله [بيع السمك في الماء] وأنت تعلم أن الغرر في بيعه في الماء (1) إنما يتحقق إذا كان في تحصيله كلفة، وأما إذا أحرزه في بركته الصغيرة بحيث يمكنه أخذها ولا تعب فيه فلا يكره لعدم الغرر حينئذ، وكذلك الحكم في بيع الطير في الهواء، فإن الرجل إذا باع طيرًا، ولكنه يعود إلى المرسل كما دعاه لا يفسد البيع ههنا لعدم الغرر لكون المبيع مقدور التسليم إلا أنه يجب عليه تسليم الطير إلى المشتري، قوله [ومعنى بيع الحصاة أن، إلخ] كان أحدهم إذا نبذ الحصاة تحقق البيع حتمًا وإن لم يرض الآخر، وعلة النهي أنه لم يعلم تراضي أحد الطرفين فيه وهو المناط مع أن فيه ردًا لخيار الرؤية والعيب وأنت تعلم أن المشتري لا يرضى بالمعيب، وكذلك إذا اشتراه ولم يره كان له الخيار في رده إلا أن نبذ الحصاة منعه عنه، فكان فيه غررًا وإفراده بالذكر بعد دخوله في بيع الغرر لمزيد الاهتمام بشأنه لشيوعه فيما بينهم، قوله [أن يقول البائع، إلخ] وإنما قدر الشرط تعميمًا للحكم فيما لا عرف، وأما إذا كان كما كان لهم فلا يحتاج إلى تلك المقالة بل الأمر كذلك وإن لم يقولوا.
(1) قال العيني: قال شيخنا: ما حكى الترمذي عن الشافعي من أن بيع السمك في الماء من بيوع الغرر هو فيما إذا كان السمك في ماء كثير بحيث لا يمكن تحصيله منه، وكذا إذا كان يمكن تحصيله ولكن بمشقة شديدة، وأما إذا كان في ماء يسير بحيث يمكن تحصيله منه، وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه بلا مشقة، فإنه يصح لأنه مقدور على تحصيله وتسليمه وهذا كله إذا كان مرئيًا في الماء القليل بأن يكون الماء صافيًا، فأما إذا لم يكن مرئيًا فإنه لا يصح بلا خلاف، كما قاله النووي والرافعي.