الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في الصرف]
قوله [وقد روى عن ابن عباس، إلخ] فإنه كان يقول أولاً لا ربا إلا في النسيئة لما كان سمع من صحابي كذلك وهو حديث أسامة لا ربا إلا في النسيئة، ثم لما بينه أبو سعيد بتفصيل أتم رجع ابن عباس عن قوله وجمع بين حديثي لا ربا إلا في النسيئة، وحديث أبي سعيد بحمل أحدهما على ما إذا اختلف الجنسان فكأنه مخصوص به فلا ربا حينئذ إلا في النسيئة ويصح التفاضل فلا ربا عند اختلاف جنسي العوضين مع كونهما كيلا (1) ووزنًا إلا في النسيئة وهذا معنى حديث أسامة، وأما إذا اتحد العوضان جنسًا فالربا حينئذ متحقق في التفاضل إذا كان يدًا بيد وفي النسيئة ولو مثلاً بمثل، وبذلك يعلم أن المفر عند اختلاف الأحاديث هو الجمع بحمل أحدها على عموم نوعي أو خصوص وقعة أو مثل ذلك، وقال الشافعي: لما كان حديث أسامة مجملاً وحديث أبي سعيد مفصلاً وجب العمل على حديث أبي سعيد (2) وحمل رواية أسامة عليه، قوله [لا بأس بالقيمة] أي لا يضر (3) المعاوضة إذا كان المبدل مساويًا للمبدل منه
(1) هكذا في الأصل والظاهر بلفظ مع كونهما كيليين وزنيين.
(2)
قال الحافظ اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: منسوخ، لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقيل: المعنى لا ربا الأغلظ الشديد التحريم فالقصد نفي الأكمل لا نفي الأصل، وأيضًا فنفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق، انتهى، وما حكى الشيخ من توجيه الشافعية حكاه النووي عنه.
(3)
ظاهر كلام الشيخ أن التساوي بين المبدل والمبدل منه باعتبار القيمة شرط لصحة التبادل وهو ظاهر ألفاظ الحديث إذ لفظ الترمذي لا بأس بالقيمة ولفظ أبي داؤد لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ونحو ذلك لفظ النسائي، لكن كلام عامة الشراح مخالف لكلام الشيخ، ففي البذل قال الخطابي: اشترط أن لا يفترقا وبينهما شيء لأن اقتضاء الدراهم من الدنانير صرف وعقد الصرف لا يصح إلا بالتقابض، وقد اختلف الناس في اقتضاء الدراهم من الدنانير، فذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه، ومنع من ذلك أبو سلمة وأبو شبرمة وكان ابن أبي ليلى يكره ذلك إلا بسعر يومه ولا يعتبر غيره السعر ولم يبالوا كان ذلك بأغلى أو أرخص من سعر اليوم، انتهى، قلت: ما قال الخطابي لا يعتبر غيره السعر يخالفه ما قاله الشوكاني إذ حكى عن أحمد التقييد بسعر اليوم، وعن أبي حنيفة والشافعي عدمه، وفي هامش أبي داؤد عن فتح الودود عن التقييد بسعر اليوم على طريق الاستحباب والظاهر عندي كما يخطر في البال إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، إن محمل الحديث عند الشراح غير ما حمله عليه الشيخ، فإن محمله عندهم هو عقد الصرف، كما صرحوا به في كلامهم وفي عقد الصرف لا بد من التقابض في المجلس، لكن لا يشترط التساوي لاختلاف الجنس وحينئذ فلا بد من القول بأن التقييد استحباب، وعلى هذا ففي حديث ابن عمر بيعتان الأولى بيع الإبل بعشرة دراهم، والثانية بيعة الدراهم بالدنانير، ومحمل الحديث عند الشيخ الاستبدال من ثمن المبيع، فإنهم صرحوا بأن النقود لو استوت مالية ورواجًا يخير المشتري بين أن يؤدي أيهما شاء، قال ابن عابدين بعد البحث في ذلك: ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش، فإن القروش في الأصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية، ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقروش فمنها ما يساوي عشرة قروش ومنها أقل ومنها أكثر، فإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد إما من القرش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة من ريال أو ذهب ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشًا بل هي أو ما يساويها من أنواع العملة المتساوية في الرواج المختلفة في المالية، انتهى، فمؤدي الحديث على هذا استبدال نقد الثمن آخر إذا كان متساويين في المالية والرواج، وإلى هذا المحمل أشار القارئ إذ حكى عن ابن الهمام أنه قال الدراهم والدنانير لا يتعين حتى لو أراه درهمًا ثم حبسه وأعطى درهمًا آخر جاز إذا كانا متحدي المالية، = انتهى، فهذا وإن كان في متحدي الجنس لكن ذكره هذا الكلام تحت حديث الباب إشارة إلى ما اختاره الشيخ من الاستبدال في مختلفي الجنس بشرط تسوية المالية والرواج، فتأمل.
قيمة والعبرة في القيمة لوقت الأخذ لا وقت العقد، قوله [أونا ذهبك] والمراد به الإيتاء.
قوله [بعد أن تؤبر] وهذا قيد عند الشافعي ومالك، فإن اشترى قبل التأبير كانت ثمرتها للمشتري عند هؤلاء، وقلنا نحن: إن التقييد به إنما خرج بناء على العادة أن البيع لا يكون قبل التأبير، فلو باعها قبله كانت الثمرة للبائع أيضًا (1)، وذلك لأن اتصالها ليس باتصال قرار، قوله [فماله للبائع] وهو ظاهر إذ العبد لم يملكه والإضافة إليه لكونه عنده واشتراط كونه للمشتري إذا كان المال
(1) ففي الهداية ومن باع نخلاً أو شجرًا فيه ثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع، قال ابن الهمام: ولا فرق بين المؤبرة وغير المؤبرة في كونها للبائع إلا بالشرط، وعند الشافعي ومالك وأحمد يشترط في ثمر النخل التأبير، فإن لم تكن أيرت فهي للمشتري لحديث البخاري من باع نخلاً بعد أن يوبر، فثمرتها للبائع، الحديث، وحاصله الاستدلال بمفهوم الصفة وأهل المذهب ينفون حجيته، وقد روى محمد في شفعة الأصل مرفوعًا من اشترى أرضًا فيها نخل، فالثمرة للبائع، الحديث من غير فرق بين المؤبر وغيره.
معلومًا، وأما إذا كان مجهولاً وأدخله في العقد (1) فيفسد البيع لجهالة المبيع ما هو، قوله [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختار] التفرق (2) ههنا هو التفرق بالأقوال ونظيره في الاستعمال (3)، قوله تعالى:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} والقرينة عليه قوله أو يختارا لأن تمام الصفقة لما توقف على الافتراق الحسي بينهما لم يكن لتمامه عند التخيير والاختيار معنى، كما ذكروه في معنى الاختيار فأفهم، واختلفوا في معنى قوله أو يختارا فبين كل منهم حسب ما فهمه منه أو طابق مذهبه والمراد بالخيار فيه إن كان خيار الشرط فهو عطف على لم يتفرقا وكلمة
(1) ففي التعليق الممجد عن شرح مسند الإمام لا بد أن يكون المال معلومًا عند الشافعي وأبي حنيفة للاحتراز عن الغرر وظاهر مذهب المالكية والحنابلة والظاهرية الإطلاق، انتهى.
(2)
اختلف الأئمة في خيار المجلس أثبته الشافعية والحنابلة ونفاه الحنفية والمالكية قال ابن رشد لا خلاف فيما أحسب أن الإيجاب والقبول المؤثرين في اللزوم لا يتراخى أحدهما عن الثاني حتى يفترق المجلس أعني متى قال البائع قد بعت سلعتي بكذا وكذا فسكت المشتري ولم يقبل البيع حتى افترقا، ثم أتى بعد ذلك، فقال: قد قبلت أنه لا يلزم ذلك البائع، واختلفوا متى يكون اللزوم، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابها وطائفة من أهل المدينة: إن البيع يلزم في المجلس بالقول وإن لم يفترقا، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداؤد: البيع لازم بالافتراق من المجلس وإنهما مهما لم يفترقا فليس يلزم البيع ولا ينعقد، انتهى.
(3)
قال ابن الهمام وإسناد التفريق إلى الناس مرادًا به تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف، قال الله تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)} وقال صلى الله عليه وسلم: افترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة، الحديث، انتهى.
أو بمعنى إلى أن أو إلا أن وإن كان بمعنى الاختيار والرضاء، كما فسره المؤلف بعد ذلك، فهو عطف على يتفرقا وداخل تحت النفي ووجه إرادة التفرق بالأقوال لا بالأبدان، إن سائر العقود تمامها بالإيجاب والقبول فكيف يفرق بينها وبين البيوع، فأما أن يقال بزيادة أركان عقد البيع ويثبت له سوى الإيجاب والقبول ركن ولا قائل به، أو يسلم أن لا انتظار بعدهما في إتمام العقد فلا معنى للحديث إلا ما قلنا: ولو سلم ما أرادوا من أن المراد التفرق (1) بالأبدان فهذا الأمر استحباب، قوله [وهو أعلم بمعنى الرواية] هذا غير مسلم، فإن فهم الراوي (2) ليس بحجة لقوله صلى الله عليه وسلم فرب مبلغ أوعى له من سامع والجواب (3) عما يقال أن
(1) والأوجه عندي أنه إذا أريد به التفرق بالأبدان، فالمعنى أنه لا يجوز القبول بالإيجاب بعد تفرق الأبدان، بل يبطل الإيجاب بتفرق المجلس، ثم رأيت الطحاوي حكى هذا المعنى عن عيسى بن إبان والإمام أبي يوسف، فلله الحمد.
(2)
وله نظائر كثيرة، فقد ردت عائشة فهم ابن عمر في عذاب الميت ببكاء الحي، ورد عمر فهم فاطمة بنت قيس في نفقة المبتوتة، ورد ابن عباس فهم أبي هريرة في الوضوء مما مست النار، هكذا أفاده في تقريره مولانا رضي الحسن المرحوم مع زيادة الأمثلة.
(3)
وأجاب عنه الطحاوي بأن فعل ابن عمر يجوز أن يكون لما أشكلت الفرقة في الحديث ما هي هل الفرقة بالأبدان على ما ذكروه أو الفرقة بالأبدان على ما قال عيسى بن أبان أو الفرقة بالأقوال على ما قال محمد ولم يحضره دليل يدله أنه بأحدها أولى منه بما سواه ففارقه احتياطًا، ويحتمل أيضًا أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم بذلك وهو يرى أن البيع يتم بغيره فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه، وقد روى عنه ما يدل أن رأيه في الفرقة كان بخلاف ما ذهب إليه من ذهب إلى أن البيع يتم بها، ثم ذكر بسنده عنه أنه قال ما أدركت الصفقة حيًا فهو من مال المبتاع قال: فهذا ابن عمر كان يذهب فيما أدركت الصفقة حيًا فهلك بعدها أنه من مال المشتري، فدل ذلك أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك، انتهى.
ابن عمر مع صلاحه كما كان كيف كان يسارع في إبطال حق صاحبه ولا يمتثل أمرًا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الاستحباب هو أنه كان يسارع في ذلك حيث رأى ضرر صاحبه في فسخ العقد لا لضرر نفسه، قوله [كيف أرد هذا] أي مذهب أصحاب التفرق (1) بالأبدان.
قوله [ولا يحل له أن، إلخ] استدلوا بذلك على أن المراد بالفرقة الفرقة بالأبدان لا الفرقة بالأقوال إذ لو كان الفرقة بالأقوال لما افتقر في إبطال خيار صاحبه في رد البيع إلى المفارقة مع أنه صلى الله عليه وسلم مصرح بأن المفارقة تبطل حقه في الفسخ فكان له حق الفسخ قبل المفارقة، والجواب أما أولاً فبأن الاستدلال بهذه الرواية مصادرة على المطلوب وهو عين المتنازع فيه فلا يتم الاحتجاج به فأنا نقول معناه لا يحل له أن يفصل الأمر بالقبول ويوجب البيع بالمسارعة في القول ليبطل به حق صاحبه في الرد بل الذي له أن يتأنى في قبول إيجاب صاحبه ليكون على رؤية من أمره ويمكن له أن يرجع عن إيجابه، فأما إذا تم القولان فليس لأحدهما حق الرجوع، وأما ثانيًا بعد تسليم أن الفرقة المذكورة فيها هي فرقة الأبدان فنقول أمره صلى الله عليه وسلم هذا مبني على أن المجلس لما كان جامعًا للمتفرقات كان كل واحد من العاقدين أقرب إلى قبول الفسخ والإقالة إن أراد صاحبه ذلك وإن كان العقد قد تم فإنه إذا استقاله وهو في مجلسه ذلك الذي عاقدا فيه البيع، فإنه يحمله الحياء على قبوله منه لما أنه لا يلحقه ضرر في ذلك حيث (2) لم يفت له مشتري هذا الشيء
(1) أي مع صحة الحديث فيه لكن لمن ينكره أن يقول إن الحديث مع صحته لا يثبت ما فهمتموه.
(2)
هكذا في الأصل والظاهر أنه من الأفعال ومقتضى سياق العبارة أنه سقط منه حرف أو حذف.