الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله [رفع القلم، إلخ] ليس المراد بذلك نفي اعتبار الفعل عن هؤلاء، كيف وقد أقر بضمان الأموال وقت إتلاف هؤلاء شيئًا غيرنا أيضًا، فلم يكن المرفوع إلا الإثم، وأما ما أقر به فقهاؤنا من أنه لا يقع طلاق النائم (1)، فمخصوص بالرواية مع أن (2)، قوله [من ستر على مسلم] يعم ستر عورته وسوءته.
[باب ما جاء في التلقين في الحد]
ليس في الحديث تلقين فأجاب بعضهم بأن المؤلف اكتفى بالإشارة إليه بذكر ماعز، فإن في الحديث الطويل المختصر منه هذا الحديث ذكرًا للتلقين والحق في الجواب أن قوله صلى الله عليه وسلم أحق ما بلغني عنك إشارة (3)
(1) ليس مراد الشيخ تخصيص النائم باعتبار أخويه، الصبي والمجنون، بل المراد تخصيص الطلاق باعتبار الأحكام الآخر، وذكر النائم بطريق المثال.
(2)
بياض في الأصل بعد ذلك وفي تقرير مولانا رضي الحسن المرحوم ما حاصله أن النائم ليس فيه صلاحية لإيقاع الطلاق إذ ذاك، وقال القارئ في شرح النقاية، والطلاق من نائم أي لا يقع لأنه لا اختيار له أصلاً، فصار كالمجنون، وفي الخلاصة، النائم إذا طلق امرأته في المنام، فلما استيقظ قال لامرأته طلقتك في النوم لا يقع لأنه إخبار لم يقصد به الإنشاء، وكذا لو قال أجزت ذلك الصلاة لعدم ثبوته في حقيقة الحال، وإنما هو في عالم الخيال، انتهى.
(3)
وإليه أشار الطبي كما حكاه عنه في البذل بعد لفظ الحديث أحق ما بلغني عنك، هذا بظاهره مخالف للرواية المشتهرة الدالة على أن ماعزًا بنفسه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل وأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لما أقر أربع مرات فسأله عن حاله لكن أجاب الطيبي عنه بأنه لا يبعد أن يقال إنه بلغه حديث ماعز، فلما حضر بين يديه فاستنطقه لينكر ما نسب إليه لدرء الحد، فلما أقر أعرض عنه، إلى آخر ما رواه الرواة، انتهى.
إليه فكان النبي صلى الله عليه وسلم حين أجمل الأمر فذكر بما الموصولة كان الجواب له أن يقول لا شيء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقولون بأقاويل لا أصل لها وذلك لأن كلمة ما لا يهامها يمكن صدقها على كل شيء، فكان له مساغ الإنكار بحملها على غير تلك الوقعة فلا يلزم الكذب ولم يجب الحد، قوله [فهلا تركتموه] ليس المراد بذلك أنه إذا فر يترك بل الفرار منه لما كان دلالة على الرجوع يؤتي به عند الإمام فإذا رجع عنده عن إقراره ترك (1)[ولم يصل عليه] تفظيعًا لأمر الزناء ثم صلى بعد ذلك على المحدودين لما حصل المرام.
قوله [ولم يقل فإن اعترفت أربع مرات] لما كان اعتراف الزناء هو الاعتراف الرباعي لم يحتج إلى التصريح بالعدد لعلم الصحابة بذلك لما عرفوه في وقعة ماعز، فقد صرحت الروايات بإقرار ماعز أربع مرات في أربعة مجالس من مجلس المقر (2)، وكان ماعز يذهب كل مرة ثم يعود من حيث شاء الله، ولا يشترط
(1) استدل بالحديث على أنه يقبل من المقر الرجوع عن الإقرار ويسقط منه الحد، وإلى ذلك ذهب أحمد والشافعية والحنفية، وهو قول لمالك ورواية عنه وقول الشافعي أنه لا يقبل منه الرجوع عن الإقرار بعد كماله كغيره من الإقرارات قال الأولون: ويترك إذا هرب لعله يرجع، هكذا في البذل وما حكى فيه صاحب الهداية من خلاف الشافعي تعقبه ابن الهمام إذ قال والمسطور في كتبهم أنه لو رجع قبل الحد أو بعد ما أقيم عليه بعضه سقط.
(2)
إشارة إلى رد ما يرد على الحنفية من أنهم قالوا أن يكون الإقرار في أربعة مجالس وههنا لم يتبدل مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وحاصل الدفع أن التعدد يحتاج إليه لمجالس المقر لا لمجالس القاضي، وهو ههنا حاصل فإنه صلى الله عليه وسلم يعرض عنه في كل مرة ويدفعه عن محضر منه صلى الله عليه وسلم، قال صاحب الهداية: والإقرار أن يقر البالغ العاقل أربع مرات، في أربعة مجالس من مجالس المقر، كلما أقر رده القاضي، وبسطه ابن الهمام، واستدل لذلك بما في رواية مسلم عن أبي بريدة أن ماعزًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فرده، ثم أتاه الثانية من الغد فرده، الحديث، وبما أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما عن أبي بكر قال أتى ماعز النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف وأنا عنده مرة فرده، ثم جاء فاعترف عنده الثانية فرده، ثم جاء فاعترف عنده الثالثة فرده فقلت له إن اعترفت الرابعة رجمك قال فأعترف الرابعة فحبسه، الحديث، وبغير ذلك من الروايات.
تبدل مجالس القاضي حتى يعترض باتحاد مجلسه صلى الله عليه وسلم.
قوله [أهمتهم شأن المرأة، إلخ] وكان ابتداء أمرها الخيانة، فكانت تستعير أموالاً ثم تنكرها وكثيرًا ما استعارتها فقالت أرسلني فلان يستعير منكم هذا الشيء فذهبت به، إلى غير ذلك من الخيانات والغرر ثم سرقت، ولا يذهب عليك التفرقة بين الدرء وأنه قبل الثبوت وبين الشفاعة وهي بعد ثبوت موجب الحد كالزنا، والأول لا يخل بالزجر المقصود من شرعية الحدود بخلاف الثاني، قوله [لو أن فاطمة بنت محمد، إلخ] استحبوا أن يعوذها (1) إذا ذكر هذه اللفظة.
قوله [فيقول قائل لا نجد الرجم، إلخ] فإن الحكم المخالف للطبيعة كثيرًا ما يتكلف في دفعه واقتفاء التأويلات على عكسه، كيف، وههنا كان لهم أن يقولوا إن الرجم يخالف قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} وهذا خبر واحد، فلا يعارض الكتاب فبين أن الخبر ليس كخبر الواحد وإنما هو قطعي الحكم، كيف لا وهو آية من آيات الكتاب اتفقت أمة جمة على تلقيها، غاية ما في الباب أن تلاوتها منسوخة، فلما كانت كذلك يخص بها عموم آية الجلد.
(1) أي فليقل بعد ذلك أعاذها الله منه.
قوله [أو كان حمل] ليس المراد بذلك أنه بانفراده (1) موجب للحد بل إذا وجد مع أحد قرينيه من البينة والاعتراف، والجواب بأنه منسوخ لا يصح أفترى النسخ يجري بعد عمر حتى يصح ومن أجاب بأنه منسوخ إنما عنى به أن ذلك كان أولاً ثم نسخ إلا أن عمر لما لم يبلغه النسخ قال ذلك فلا يعمل بقوله ذلك لكونه منسوخًا قبله لا أنه منسوخ بعده، قوله [أن أزيد في كتاب الله] ليس يريد أن أكتبه حيث تكتب آيات الكتاب لأنه حرام فكيف يكتفي بالكراهة فيه، وإنما يعني أن اكتبه في حواشي المصاحف حتى ينظر إليه من يقرأ المصحف إلا أن الأمر بتجريد القرآن يمنعني عن ذلك لئلا ينجر الأمر بالآخرة إلى إدخاله فيه، قوله [لما قضيت بيننا بكتاب الله] وهي بمعنى إلا كقوله تعالى:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} وكان السبب في ذكره ذلك أن الرجم ليس في كتاب الله فلا ترجم زوجته إذًا.
قوله [وكان أفقه منه] وذلك أنه لم يحصر الحكم بإيراد حرف الاستثناء كما فعله صاحبه مع أن سرده القضية شاهد على أنه رأي حكم الرسول أيضًا حكم الله وهو الرجم على المرأة وتغريب ابنه، فإنه غير مذكور في الكتاب أيضًا، قوله (2)[وكان أفقه منه] حيث علم أن كل ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عين حكمه تعالى سواء ذكر في كتاب أو لم يذكر ولعل فقاهته معلومة لهم من قرائن خارجية،
(1) والمسألة خلافية فقال مالك ومن معه أن المرأة تحد إذا وجدت حاملاً ولا زوج لها ولا سيد ولم تذكر شبهة ولا عرفنا إكراهها وذهب الجمهور إلى أن مجرد الحمل لا يثبت به بل لا بد من الاعتراف أو البينة، كذا في البذل.
(2)
ذكر في الأصل على هذا القول تقريران، أحدهما: في الحاشية، والثاني: في المتن، وكان في مزجهما بنسق واحد تغيير الكلام الشيخ فاستحسنت ذكرهما مستقلاً وأبقيتهما على حالهما.
قوله [فزعموا أن علي ابني جلد مائة وتغريب عام] وكانوا فهموا (1) أن ذلك تشريع ولم يكن إلا تعزيرًا، قوله [أغد يا أنيس. إلخ] لا يقال كيف أمر بالتفتيش عنه، وقد أمر بالستر والدرء ما أمكن قلنا قد كانت القصة قد اشتهرت حتى لا يمكن أن تستر وتعرفت بحيث لم تبق لها صلاحية أن تنكر فلم يبق بعد اشتهارها إلا اعتراف المرأة فلو لم تعترف مع ما جرى من الشهرة وغيرها لكانت تترك من غير شيء.
قوله [هكذا روى مالك بن أنس، إلخ] حاصل (2) كلامه في الإسناد أن حديث الباب المذكور من قبل إنما يروى من أبي هريرة وزيد بن خالد وليس فيه شبل ورواية بيع الأمة بضفير مروية بإسنادين عن أبي هريرة وزيد بن خالد كالحديث الأول وعن شبل عن عبد الله بن مالك الأويسي فرواية سفيان كلا الحديثين بلفظ عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل غلط بل لا ينبغي أن يذكر الشبل في أول الحديثين مطلقًا، وأما في الثاني وهو حديث بيع الأمة، فالصحيح أن رواية أبي هريرة وزيد بن خالد على حدة وليس فيها ذكر شبل كما ذكر، وأما الإسناد
(1) وسيأتي قريبًا أن التغريب تعزير عند الحنفية خلافًا للأئمة الثلاثة.
(2)
قال العيني بعد ذكر الحديث هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث جعل شبلا مع أبي هريرة وزيد فاخطأ وأدخل إسناد حديث في آخر ولم يتم حديث شبل، انتهى، وقال الحافظ في ترجمة شبل من تهذيبه روى عن عبد الله بن مالك الأوسي حديث الوليدة وعنه عبيد الله بن عبد الله كذا رواه أصحاب الزهري عنه وخالفهم ابن عيينة فروى عن الزهري عن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل جميعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث العسيف ولم يتابع عليه رواه النسائي والترمذي وابن ماجة، قال النسائي: الصواب الأول وحديث ابن عيينة خطأ، وروى البخاري حديث ابن عيينة فأسقط منه شبلاً، انتهى.
المذكور فيه شبل فليس فيه ذكر لأبي هريرة وزيد بن خالد، وإنما هو عن شبل عن عبد الله بن مالك الأويسي فغلطه من وجهين ذكر شبل في الأول وليس بصحيح ذكره فيه مطلقًا، وذكره في الثاني حيث لا يصح أن يذكر ثمة لأنه تابعي وقد ذكره في جنب الصحابة وأثبت له حضور مجلسه صلى الله عليه وسلم.
قوله [فبيعوها ولو بضفير] والبيع ليس من ضرورة إخفاء العيب عن المشتري حتى يلزم المكروه بل في لفظ الضفير إشارة إليه فإن تقليل ثمنها إنما هو لأجل ما ظهر من عيبها عند المشتري نعم يمكن أن يتوهم أن البيع ماذا يفيد فيها فإن الزناء لما كان إعادة لها كانت عند المشتري مثلها عند البائع مع ما لزم للبائع من المخالفة الظاهرة بقوله صلى الله عليه وسلم وأن تكره لأخيك ما تكره لنفسك والجواب أن لتبدل الأيدي أثرًا في تنقل الأحوال لا سيما في أمثال تلك الخصال فكم من امرأة هي منقادة لفحول الرجال، ومخالفة الرواية مقيدة بما إذا لم يرتضه الآخر، وأما فيما نحن فيه فقد رضى المشتري لنفسه بما لم يرض به البائع لنفسه، قوله [الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم] هذا الحكم (1) قد نسخ قبل أن يعمل به كما أن حديث النفي المذكور بعد ذلك منسوخ (2) أيضًا.
قوله [يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها] كأنه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يصل (3) على ماعز، فليس على مرجوم صلاته فلذلك سأل الفرق، فقال
(1) أي عند الجمهور قال الحازمي: ذهب أحمد وإسحاق وداؤد وابن المنذر إلى أن الزاني المحصن بجلد ثم يرجم، وقال الجمهور وهي رواية عن أحمد أيضًا لا يجمع بينهما وذكروا أن حديث عبادة منسوخ والناسخ ما ثبت في قصة ماعز أن النبي صلى الله عليه وسلم رجمه ولم يذكر ثم بسط في وجه كونها متراخية، حكاه عنه الشيخ في البذل.
(2)
أي عند الحنفية وخالف الجمهور فقالوا إن النفي داخل في الحد كما سيأتي.
(3)
وفي البذل اختلف في الصلاة عليه ففي بعض الروايات أنه لم يصل عليه وفي بعضها صلى عليه فأما أن يقال أن المثبت مقدم على النافي، وأما أن يقال في وجه الجمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر الصلاة عليه. وقال صلوا على صاحبكم ثم بعد ذلك إما بالوحي وإما بالاجتهاد صلى عليه، واختلفت الأئمة في الصلاة على المحدود فكرهه مالك، وقال أحمد لا يصلي الإمام وأهل الفضل، وقال أبو حنيفة والشافعي يصلي عليه وعلى كل من أهل لا إله إلا الله من أهل القبلة وإن كان فاسقًا أو محدودًا وهو رواية عن أحمد، انتهى.
النبي صلى الله عليه وسلم إن الصلاة لما كانت حقًا على كل بر وفاجر فأي سبب للصلاة أن تنتفي عنهما سيما وقد ثبتت توبتهما فلم يبقيا فاسقين، وأما وجه الفرق فقد بيناه أنه لما كان أول قصة وقعت ترك الصلاة عليه ثم تنشأ ههنا السؤال عن دليل التوبة ما هو فقال وهل وجدت شيئًا أفضل من أن جادت بنفسها ويمكن تقرير الكلام بحيث يثبت به مرام الإمام أن عمر لما كان قد علم منه صلى الله عليه وسلم أن الحدود لا تكون كفارات، ولا شك أن الزنا وأمثاله من الكبائر استغرب صلاته صلى الله عليه وسلم عليها مع أنهما جهرا الفسق فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الإثم قد ارتفع بالتوبة وهل توبة أعظم من التوبة التي بعثت على بذل المهجة، وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلق انتفاء الإثم إلا بالتوبة ولم يذكر الكفارة وتعميم التوبة (1) بحيث يشمل الكفارة وجعل الكفارات والحدود من أفراد التوبة حتى يلزم مغفرة السيئات بالحدود والكفارات كما يلزم بالمتاب إلى رب البرمات خرق لإطلاق اللغة فمن البين أن من قامت عليه البينة بالزنا وغيره وأقيمت عليه الحد لثبوت فعله ذاك فإنه لم يوجد منه فعل حتى يسلم غفرانه وإنما
(1) إشارة إلى مسألة أخرى خلافية من أن الحدود كفارات لأهلها أم لا ويؤيد الثاني قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية ففيها عذاب الآخرة. مع الخزي في الدنيا ولذا احتاج صاحب الجمل إلى تأويل الآية.
هو مجبور في جميع ما أتى به وجرى عليه، نعم يكفر عنه بقدر ما تأذى واحتمل الكلفة في الحد.
قوله [رجم يهوديًا ويهودية] وكان تعزيرًا لشيوع الفحشاء فيما بينهم وإلا فالإحصان (1) منتف ههنا فلم يبق إلا الجلد وقد ورد في الرواية من (2) أشرك بالله فليس بمحصن، قوله [إذا ترافعوا إلى حكام المسلمين] هذا غير منكر لكن الرجم ههنا لم يكن إلا للتعزير لاشتراط الإسلام في الإحصان.
قوله [إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب إلخ] هذا (3) غير منكر والإنكار إنما هو من دخوله في التشريع لئلا يلزم الزيادة على قوله تعالى {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} ويجوز كل ذلك تعزيرًا مع أنه ثبت أن عمر تركه للمصلحة في الترك ولو كان ذلك تشريعًا لما وسعه أن يترك.
(1) قال ابن رشد في البداية اتفقوا على أن الإحصان من شرط الرجم واختلفوا في شروطه فقال مالك البلوغ والإسلام والحرية والوطؤ في عقد صحيح وحالة جائز فيها الوطؤ والوطؤ المحظور عنده الوطؤ في الحيض أو الصيام، ووافق أبو حنيفة مالكًا في هذه الشروط إلا في الوطئ المحظور واشترط في الحرية أن تكون من الطرفين ولم يشترط الشافعي الإسلام لحديث الباب، انتهى.
(2)
ذكر الحديث بهذا اللفظ صاحب الهداية، وذكر تخريجه الزيلعي بعدة طرق.
(3)
اختلفوا في النفي وهو التغريب فقالت الأئمة الثلاثة بأنه داخل في الحد وقالت الحنفية أنه تعزير على رأي الإمام، وبسط الكلام على ذلك في البذل فأرجع إليه لو شئت واستدل ابن الهمام بما في البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد بأن العطف يقتضي المغايرة بين النفي والحد فتأمل.
قوله [فهو كفارة له] استدل بذلك من قال بكون الحدود كفارات للمحدود عليه وأنت تعلم أن هذا غير ثابت بل الثابت أن ذلك الحد يكون كفارة لخطاياه وهذا مسلم، وأما تكفير ذلك الإثم الخاص فلا يثبت، وأما إذا لم تكن له ذنوب آخر فيكفر من هذا الإثم على قدر ذلك التعب الذي تحمله مع أن في إقامة الحدود على الكفار وأهل الشرك حجة على أنها ليست بمكفرات، قوله [أقيموا الحدود] مجاز (1) كما في الروايات الآتية في قولهم: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإسناد الإقامة إليهم مجاز كما أن نسبة الضرب إليه صلى الله عليه وسلم كذلك ووجه ذلك أن إقامة الحدود موكولة إلى الإمام بالرواية الصحيحة (2).
قوله [من أحصن منهم] ليس المراد بالإحصان هو معناه المصطلح عليه بل المراد النكاح أراد بإطلاق الكل جزءًا من مفهومه، قوله [ضرب الحد بنعلين] أربعين فكانت ثمانين، قوله [فإن عاد في الرابعة فاقتلوه] قالوا هذا الأمر قد نسخ قبل ان يعمل به ولا حاجة إليه بل الإباحة (3) كانت على سبيل التعزير وهي
(1) عندنا باعتبار التسبيب، وقال الشافعي ومالك وأحمد يقيمه المولى بنفسه وعن مالك إلا في الأمة المزوجة واستثنى الشافعي من المولى أن يكون ذميًا أو مكاتبًا أو امرأة وهل يجري ذلك على العموم حتى لو كان قتلاً بسبب الردة أو قطع الطريق أو قطعًا للسرقة ففيه خلاف عندهم قاله ابن الهمام.
(2)
لعله أشار إلى ما في الهداية أربع إلى الولاة وعد منها الحدود وهو مروي عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير موقوفًا ومرفوعًا والكلام في طرقها منجبر بعدتها.
(3)
وعلى هذا فلا يحتاج إلى نكارة الرواية كما فعله النسائي ولا إلى تخصيص الحكم بذلك الرجل كما قاله غيره ولا إلى ما قاله المنذري أن إجماع الأمة على أنه لا يقتل كما حكى هذه الأقوال وغيرها الشيخ في البذل.
باقية بعد؛ قوله [لا يحل دم امرئ] المراد بذلك الحل وجوبه أو جوازه تشريعًا لا مطلق الجواز فلا ينافي القتل تعزيرًا حيث يثبت أو يعمم بحيث يشمل الغير والتعميم ممكن في مفارقة الجماعة.
[باب في كم يقطع السارق] أخذنا (1) بالأمر المتيقن درءًا للحدود واحتياطًا في أمره مع أن رواية العشر رواية فقيه (2) قوله [فعلقت في عنقه] التعليق جائز حيث استحسن الإمام، قوله [لا قطع في ثمر] ولا كثر، وكذلك كل ما يسرع إليه الفساد.
قوله [لا تقطع الأيدي في الغزو] يحتمل معنيين أن لا تقطع في سرقة مال الغزو وهي الغنيمة فالنهي مؤبد ووجه النهي شبهة الشركة للسارق في ذلك المال ويحتمل أن يكون معناه لا يقام الحد حين ثبت لخوف الفتنة بلحوقه بالأعداء فهو مقيد إلى وقت العود إلى دار الإسلام وعلى هذا فالنفي على الاستحباب لا أنه لا يجوز إقامة الحدود (3) هناك.
قوله [لا جلدته مئة] تعزيرًا (4) لا حدًا لأن شبهة حل الفعل درأت
(1) اختلفوا فيما تقطع فيه اليد فقالوا بثلاثة دراهم أو ربع دينار وقلنا بعشرة دراهم والمسألة خلافية شهيرة حتى ذكروا فيها عشرين مذهبًا كذا في البذل.
(2)
فقد روى عن ابن مسعود مرفوعًا وهو مذهب عمر وعثمان وعلي وغيرهم كما في البذل.
(3)
فإن أهل الفروع صرحوا بجواز إقامتها في المعسكر.
(4)
وبذلك جزم ابن القيم، فقال بعد ذكر شيء من توثيق الحديث والقياس وقواعد الشرع تقتضي القول بموجب هذه الحكومة فإن إحلال الزوجة شبهة توجب سقوط الحد ولا تسقط التعزير فكانت المأته تعزيرًا فإذا لم تكن أحلتها كان زنًا لا شبهة فيه ففيه الرجم، انتهى.
عنه الحد إلا أنه واجب التعزير لجهله بمسائل الشرع مع تمكنه عليها وإن لم تكن أحلتها له حتى يثبت له الشبهة فلا شبهة أنه يرجم حدًا لإحصانه ولا يلزم بذلك أنها لو لم تحل له لا يجب عليه الرجم بل الأمر منوط على ظنه فإن ظن الحرمة رجم وإلا لا يحد ويعزر وما يلزم من زيادة التعزير على الحد فمدفوع بأن ذلك لعله جائز عند النعمان ولا حاجة بعد تقريرنا هذا إلى ما أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة غير مرضية منها ما قال المؤلف إن الاضطراب أخرجه عن حد العمل ومنها ما قال بعضهم إنها نسخت قبل العمل، كيف والنعمان قضى به بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما لا يفيد ذكرها والأمر بقتل من وقع على ذات حرمة أو كان ساحرًا وغيرهما عند الاستحلال ظاهر وإن لم يكن مستحلاً فمبني على التعزير وكذلك في اللوطي لأحد عليه عندنا وعمل القتل تعزير.
[باب (1) في المرأة إذا استكرهت على الزنا] قوله [فلما أمر به ليرجم]
(1) لم يذكر الشيخ شيئًا من الكلام على الحديث الأول، وذكر في الإرشاد الرضى أن التسمية بالمهر فيه مجاز والمراد به العقر فلو حد المكره لا يجب عليه العقر وإن لم يحد يجب العقر، قلت: صرح بذلك محمد في موطاه إذ قال إذا استكرهت المرأة فلا حد عليها وعلى من استكرهها الحد فإذا وجب عليه الحد بطل الصداق ولا يجب الحد والصداق في جماع واحد فإن درئ عنه الحد بشبهة وجب عليه الصداق، وهو قول أبي حنيفة وإبراهيم النخعي والعامة من فقهائنا انتهى، ثم ذكر في الإرشاد الرضى فعلم بذلك أن ما أخذته الزانية يبدل الزنا لا يجوز وما أخذته بسبب الزناء جائز لأن ما تعطي به هذه المرأة ليس بعوض الزناء بل بسببه، ثم ذكر ههنا مسألة وقع التنازع فيها في زمانه وهي أن في موضع من مضافات ((بلند شهر)) نبي نصراني مسجدًا لأهل الإسلام وبنت امرأة كانت في بيت رجل بغير نكاح مسجدًا آخر فأفتوا بعدم جواز الصلاة فيهما معًا وأفتى الشيخ بجوازها فيهما معًا، أما في الأول فلان النصراني بناها محتسبًا والضابط أن صدقة الكافر إن كانت عبادة عندنا وعندهم فجائز وإن لم تكن عبادة عندنا ولا عندهم فلا يجوز وإن كانت مختلفة بأن لم تكن عبادة عندنا وكانت عندهم أو بالعكس فمختلفة عند الحنفية، وأما المسجد الثاني فوجه الجواز أن المرأة ما تأخذ من هذا الرجل هو ليس في عوض الزنا بل بسببه فافترقا فتأمل، ودليل الأول صلاته صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام بعدما بناه الكفار، ودليل الثاني فعل حاطب بن أبي بلتعة بكفار أهل مكة أن يربوا أهله لما أنه يخبرهم بأخباره صلى الله عليه وسلم فتأمل، انتهى.
هذا بظاهره مشكل (1) فإن أمر الرجم بمجرد قول المرأة من غير اعتراف منه أو شهود منها لا يكاد يسلم ولعل الراوي عبر عن مقاربة الحكم على حسب ظنه بالحكم ووجه المقاربة ما أفاده الأستاذ أدام الله علوه ومجده وأفاض على العالمين
(1) والحديث أخرجه الذهبي في تذكرة الحفاظ بنحو ما أخرجه أبو داؤد ثم قال هذا حديث منكر جدًا على نظافة إسناده صححه الترمذي انتهى، ثم لا يذهب عليك أن ما في سياق الترمذي من قوله وقال للرجل الذي وقع عليها أرجموه، وقال لقد ناب توبة إلخ، هكذا في جميع نسخ الترمذي الهندية والمصرية وفيه تصحيف ظاهر عندي من الناسخ أو الراوي فإنه لا تعلق لقوله لقد تاب بأمر الرجم والأوجه ما في سياق أبي داؤد من قوله فقالوا للرجل الذي وقع عليها أرجمه، فقال لقد تاب توبة إلخ، ويوافقه سياق الذهبي في التذكرة بلفظ فقالوا أنرجمه فقال لقد تاب توبة إلخ ويؤيده أيضًا ما في مسند أحمد فقيل يا نبي الله ألا ترجمه فقال لقد تاب توبة إلخ.
بره ورفده أن الرجل البرئ حين غلبت الدهشة عليه أقر بحيث (1) لا يكاد يعرف ماذا يقول وكيف يخلص نفسه فلم يكن يقول إلا أني أذنبت فتب علي علمًا كاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالرجم وهذا على حسب ظنهم لما رأوا ما جرى هنالك وإلا فشأن النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من أن يقر على خطأ تكلم الرجل المرتكب له وعلى هذا فلا يبعد حمل الأمر على حقيقته وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ وإن كان يخطئ في الحكم.
قوله [فاقتلوه واقتلوا] البهيمة لئلا يتحدث (2) الناس بذلك فتشيع الفاحشة
(1) غير واضح.
(2)
قال صاحب الهداية، من وطئ بهيمة فلا حد عليه لأنه ليس في معنى الزنا في كونه جناية وفي وجود الداعي لأن الطبع السليم ينفر عنه، والحامل عليها نهاية السفه أو فرط الشبق إلا أنه يعزر والذي يروي أنه تذبح البهيمة وتحرق فذلك لقطع التحدث به وليس بواجب قال صاحب العناية وما روى أن من أتى بهيمة فاقتلوه شاذ ولو ثبت فتأويله مستحل ذلك الفعل، وقال ابن الهمام بعد الكلام على تضعيف الحديث، وضعفه أبو داؤد بطريق آخر وهو أنه روى عن ابن عباس موقوفًا عليه ليس على الذي أتى البهيمة حد وهو الذي روى عنه الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما ومحال أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل ثم يخالفه وكذا أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي هذا أصح من الأول، انتهى.
هكذا في هامش الأصل، بقلم الوالد المرحوم نور الله مرقده فأبقيته كما هي تتميمًا وتكميلاً، هكذا في الأصل ويحتمل أن يكون تسليم كمردونكا.
فيهم وينبعثوا بذلك على ارتكاب ما ارتكبه وقتل الفاعل تعزير حيث رأى الإمام ذلك، قوله [حد الساحر ضربة بالسيف] هذا (1) إذا ثبت أنه يقتل الناس بسحره وإلا فلا، قوله [لا يجلد فوق عشر جلدات إلخ] هذا يخالف ما ثبت في الحديث السابق من أن القائل للآخر يا مخنث يضرب عشرين وكذا من قال لمسلم يا يهودي فلا وجه (2) للجمع إلا حمل الحديث العشريني على عمومه والعشري يخص بزمان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كيف وقد ثبت أنهم عزروا فوق عشر جلدات ووجه الخصوصية ما هم عليه من التنبه عن الغفلة بأدنى تنبيه وتعزير بل وكانوا لا يحتاجون إلى أدناه أيضًا بل يقلعون عن الجريمة ويتندمون عليها من أنفسهم خوفًا من عقابه تعالى ببركة صحبته صلى الله عليه وسلم بخلاف سائر الناس فإنهم ليسوا بذلك المثابة فاحتاجوا إلى تنبيه أكثر من تنبيههم.
(1) وحكى ابن عابدين عن الفتح السحر الحرام بلا خلاف بين أهل العلم واعتقاد إباحته كفر وعن أصحابنا ومالك وأحمد يكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد الحرمة أولاً ويقتل وفيه حديث مرفوع: حد الساحر ضربة بالسيف وعند الشافعي لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته ويجب أن لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر والعراف وعدمه، أما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد انتهى، وحاصله أنه اختار إنه لا يكفر إلا إذا اعتقد بكفر أو به جزم في النهر وتبعه الشارح وأنه يقتل مطلقًا أن عرف تعاطيه له إلى آخر ما بسطه الشامي.
(2)
ولا مانع من ذلك الجمع إذ التعزير مبني على رأي الإمام يحد بقدر ما يرى وحكى ابن الهمام عن قاضيخان المخنث من الألفاظ التي يحد قائلها.