الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معروفًا وإذا صار معروفًا عند قوم فالمعروف كالمشروط، قوله [حلوان الكاهن] الحلوان هو الشيء الحالي وحرمته على معنى معصيته الإخبار عن الغيب وهو كذب فيكون معصية ويدخل فيه ما كان مثله في الأخذ على ما لا يجوز ارتكابه، قوله [فرخص بعضهم في ثمن كلب الصيد] فمذهب الشافعي حرمته مطلقًا، ومذهب ذلك البعض حرمة ثمن الكلب غير الصيد ومذهب الإمام جوازه مطلقًا لما مر (1) من أن حرمة ثمنها كانت لما أمر بقتل الكلاب ونهى عن اقتنائها فلما رخص في اقتنائها انتسخت حرمة ثمنها، أو النهي تنزيهي كثمن الهرة (2).
[باب ما جاء في كسب الحجام]
قال بعضهم كسبه خبيث وحرام بعد، وقال الآخرون بل انتسخت حرمته لما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وآتاه على ذلك صاعين ولو كان حرامًا لما فعل، وقد كلم مواليه فوضعوا عنه وكان كسبه من ذلك ولو كان حرامًا لما رخصهم في أكل خراجه مطلقًا، وقد يثبت بلفظ وضعوا من خراجه أنهم كانوا يأكلون خراجه الحاصل بالحجامة قبلاً وبعدًا وهذا جواب عما يقال آتاه النبي صلى الله عليه وسلم ما أتى من غير اشتراط ويمكن توجيه الحديث بحيث لا يفتقر إلى
(1) في أبواب النكاح مفصلاً.
(2)
قال الشوكاني، في الحديث دليل على تحريم بيع الهر، وبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر بن زيد، وذهب الجمهور إلى جواز بيعه، وأجابوا عن الحديث بالضعف وقد عرفت دفع ذلك، وقيل يحمل على كراهة التنزيه ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي، انتهى.
القول بالنسخ، وهو أن الكسب في قوله عليه السلام كسب الحجام خبيث ليس بمعنى المال المكتسب، وإنما هو المعنى المصدري المعبر عنه بالحرفة فكان المعنى أن هذه الحرفة دنيئة لتلطخ فيه الدماء لا باعتبار ما يحصل فيه من المال ولذلك لم ينه أبا طيبة عن الاشتغال بها لكونه عبدًا فكانت هذه الخباثة خباثة مقابلة بالنظافة واللطافة والشرافة لا خباثة تقابل الحلة والطهارة، والقرينة على ما قلنا قول ابن محيصة في حديث الباب فلم يزل يسأله ويستأذنه أفترى صحابيًا أو غيره من المسلمين يصر على الشارع عليه السلام في تحليل ما حرمه على أمته فلم يكن بد من أن يقال إن محيصة لما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الكسب المسئول عنه علم بقرائن خارجة موجودة ثمة أو بما سمعه منه قبل هذا أن نهيه عليه السلام عنه ليس إلا لأنه لا يناسب حالي وإن كان حلالاً حاصله فلما أصر عليه رخصه في شيء يسير منه بقدر ما يطعم رقيقه أو يعلفه ناضحه منعًا له عن الاشتغال بذلك لسائر اليوم إذ العادة أن المرء لا يأخذه سآمة عن تحصيل المال لنفسه ولأهله فلا يقنع بيسير ولا بكثير، وأما العبيد (1) والاماء وكذلك الدواب فلا يسعى لهم إلا بما يفتقرون إليه فحسب فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن آخر أمره لو قلت ذلك يكون الترك فأمره بارتكابه بذلك الشرط لتلك الفائدة مع أنه لا يمكن أن يكون المال الحاصل بكسب الحجامة حلالاً للعبد حرامًا للمولى.
قوله [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور] إن كان المراد التنزه عن ثمنيهما فالأمر ظاهر وإن كان التحريم في الكلب والتنزيه في السنور فإرادة المعنيين معًا بلفظ واحد مشكل، والجواب أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنهما منفردًا كلاً منهما عن الآخر فكان أحدهما تنزيهًا والآخر تحريمًا، ثم لما رواهما الراوي أوردهما معًا للاشتراك في اللفظ لا غير مع أنه يصح على عموم المجاز بإرادة معنى أعم من
(1) حكى الشوكاني في النيل تحريم كسب الحجام عن بعض أصحاب الحديث وحكى القارئ في شرح الشمائل عن أحمد التفريق بين الحر والعبد.
التنزيه والتحريم، والجواب عن ثمن الكلب ما مر أن حرمته منسوخة، قوله [نهى عن أكل الهر وثمنه] والجواب عن استعمال اللفظ في معنييه ما سبق آنفًا.
[ولا يصح إسناده أيضًا] كأنه يشير إلى تضعيف استثناء كلب الصيد لمخالفته مذهبه، والجواب أن تعدد الطرق جابر لضعفه، قوله [وثمنهن حرام] أي ما كان منه على غنائها فإن المأخذ منظور إليه في الحكم على المشتق ولا يحرم الثمن إذا باعها من غير نظر إلى وصف غنائها، قوله [من فرق بين والدة وولدها] ثم استنبط المجتهدون (1) -شكر الله سعيهم- أن المحرم قرابة مطلقة لا خصوص الولاء وإلا أنه يشترط كونها موجبة لحرمة الازدواج وإن موجب الترحم هو الصغر فلا بأس بتفريق الكبيرين لأنه لم يدخل تحت قوله من لم يرحم صغيرنا، ولما ثبت من تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين مارية أم ولد النبي صلى الله عليه وسلم وأختها (2) أم عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وقوله [وهب لي غلامين] قد ثبت بالرواية أنهما كانا صغيرين (3).
(1) قال الشوكاني: في أحاديث الباب دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين أما بين الوالدة والولد فحكى أنه إجماع، واختلف في انعقاد البيع فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد، وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي ينعقد، وأما بقية القرابة فذهبت الحنفية إلى أنه يحرم، وقال الشافعي لا يحرم، انتهى.
(2)
بياض في الأصل، ولعله وقع تردد في اسمها وفي الهداية قد صح أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين مارية وسيرين وكانتا أمتين أختين، انتهى، قلت: وفي شروح الهداية مارية هي أم إبراهيم أم ولده صلى الله عليه وسلم وسيرين وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت وهي أم عبد الرحمن بن حسان، انتهى.
(3)
كما ذكره صاحب الهداية إلا أن الحافظين الزيلعي وابن حجر لم يذكرا فيما خرجاه من الروايات لفظ الصغيرين، ولم يتعقبا صاحب الهداية أيضًا فتأمل.