الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله [دعوني أدعهم] الدعوة واجبة إن لم تبلغهم وإن بلغتهم فهي مسنونة وهذه الدعوة تحتمل أن تكون واجبة والآخريان تكونان مسنونتين والظاهر أنهم كانوا قد بلغتهم الدعوة قبل ذلك والدعوات الثلاث في أيام الثلاثة من سلمان كانت على سبيل السنة، قوله [إنما أنا رجل منكم فارسي إلخ] كانت العرب لا يعدون العجم شيئًا وكانت الأقوام يعلمون ذلك (1) من العرب بل وكانوا يسلمون ذلك منهم لما يرون لهم من الفضل والقوة فالذي أراده سلمان أن الإسلام قد ساوى بين العرب والعجم كما تروني أمرت عليهم وإني فارسي كأنه رغب بذلك نفوسهم إلى أموال الدنيا وأمرتها.
قوله [عن يد وأنتم صاغرون] أي لا يجئ (2) رسولنا لأخذها بل تؤدونها بأيديكم أذلاء وهذا أي الذل في حضورهم بأنفسهم، قوله [وإن أبيتم نابذناكم على سواء] أي نحن نرمي إليكم كل عهد وحلف يكون بيننا وبينكم ونعلمكم
(1) إشارة إلى ما تقدم من أنهم لا يعدون العجم شيئًا يعني زعمهم ذلك كان معروفًا بين الناس بل مقبولاً عند الأنام كافة لما أنهم يعدون العرب أفضل منهم.
(2)
ففي الدر المختار ولا تقبل من الذمي لو بعثها على يد نائبه في الأصح بل يكلف أن يأتي بنفسه فيعطيها قائمًا والقابض منه قاعد هداية، قال ابن عابدين قوله في الأصح أي من الروايات لأن قبولها من النائب يفوت المأمور به من إذلاله عند الاعطاء، قال تعالى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قوله والقابض منه قاعد وتكون يد المؤدي أسفل ويد القابض أعلى، انتهى.
أنا تجاربكم حتى لا تكونوا على غرة، وهذا معنى كونهما على سواء فإن هذا الفريق يعلم من عزم صاحبه ما يعلمه ذلك فكانا مساويين في العلم والحزم، [وقال الشافعي إلخ] عبارته ناظرة إلى سنية الدعوة واستحبابها بناء على ما شاع من أمر الإسلام وذاع فكأنه بنى على الظاهر وهو بلوغ الدعوة اياهم فلم يبق إلا الاستحباب ومع ذلك فلو تحقق أن قومًا لم تبلغهم الدعوة لا يجوز الشافعي أيضًا قتالهم قبل الدعوة، ومعنى قوله إلا أن يعجلوا أن الأعداء إذا سارعوا إلينا ولم يمهلونا حتى نبلغهم سقطت الدعوة، قوله [فإن لم يفعل] يعني أن الذي كان ينبغي له كان الأول وهو التبليغ، وأما لو لم يبلغ فما بلغهم من قبل يغني عن دعوته.
قوله [محمد] خبر متبدأ محذوف [وافق] فعل [محمد] فاعله [والله] قسم [الخميس] مفعوله والموافقة في الإتيان والمعنى أتى محمد معه قوله [أقام بعرصتهم ثلاثًا] ليحرز الغنائم وليكون الملك آمنًا ولكون القيام أهيب في عين العدو ودليلاً على استقرار أمره صلى الله عليه وسلم وتقرر مملكته، قوله [أعطيت جوامع الكلم] القرآن أو الحديث ونصرت بالرعب هذا الرعب مغاير (1) رعب السلاطين على رعاياهم كما يظهر بالرجوع إلى التواريخ.
[وجعلت لي الأرض مسجدًا (2)] وكان الأمم الأولون لا يمكنهم الصلاة
(1) يؤيده ما في البخاري برواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، الحديث، قال الحافظ زاد أبو أمامة بقذف في قلوب أعدائي أخرجه أحمد وقوله مسيرة شهر مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر فالظاهر اختصاصه به مطلقًا وإنما جعل الغاية شهرًا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، انتهى.
(2)
قال الحافظ: أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبني للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التيمي قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وجعلت لغيري مسجدًا ولم تجعل له طهورًا لأن عيسى يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة كذا قال، وسبقه إلى ذلك الدودي، وقيل إنما أبيح لهم فيما يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فثبت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب وفيه ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه، انتهى.
إلا في مساجد معدة للصلاة ثم هذه المذكورات سبعة فأما أن يعد جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا مجموعهما شيئًا واحدًا فإن نعمة الأرض وهي الطهارة واحدة ظهرت بوجهين جواز الصلاة وحصول الطهارة أو يقال من النبي صلى الله عليه وسلم علينا بإفادة ما لم يكن وعده في قوله بست فضلاً منه ومنة ومفهوم (1) العدد لا ينفي الزيادة
(1) ولذا لا يشكل بما ورد في الروايات غير ذلك من الخصائص، قال العيني بعد ذكر الروايات المختلفة في العدد فإن قلت: بين هذه الروايات تعارض قلت: قال القرطبي لا يظن هذا تعارض وإنما هذا من توهم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر وليس كذلك فإن من قال عندي خمسة دنانير مثلاً لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها ويجوز أن يكون الرب سبحانه وتعالى أعلمه بثلاث ثم بخمس ثم بسبع انتهى، وقال أيضًا قد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن الذي أختص به نبينا صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء عليهم السلام ستون خصلة، انتهى.
حتى يستشكل بما زاد على الست مع أن قوله ختم بي النبيون ليس مستقلاً بالإفادة وإنما وقع بمنزلة التعليل لقوله عليه السلام أرسلت إلى الخلق كافة أو لنتيجة له وذلك لأنه لما لم يكن بعده بني أرسل إلى كافتهم وكذلك العكس فأفهم.
[وأرسلت إلى الخلق كافة] وكان الأولون من الأنبياء لم يرسلوا (1) قصدًا إلا إلى أقوام مخصوصين ولو بلغوا إلى غيرهم كانوا مثابًا وكذلك النائبون من هذه الأنبياء ليس عليهم إلا إرشاد أمتهم فلا يسئل عنهم هل بلغوا إلى أقوام آخر أم لا، وهذا على خلاف أمر رسالته صلى الله عليه وسلم فإنها كانت إلى كافة الخلق أجمعين يبلغهم بنفسه النفيسة أو بنوابه ويسئل عن تبلغيهم يوم القيامة، قوله [قسم في النفل للفرس بسهمين وللرجل بسهم] النفل يطلق في معان الغنيمة والصفي وما يعطيه الإمام زائدًا على السهم والمراد ههنا هو الأول، وما أجاب به (2) بعضهم من أن الفرس بمعنى الفارس فتوجيه القول بما لا يرضى به قائله فإن ابن عمر قد
(1) وبهذا اندفع ما يرد على الحديث من أن نوحًا عليه السلام كان مبعوثًا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنًا معه، وقد كان مرسلاً إليهم وكذلك ما استدل بعضهم لعموم بكونه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثًا إليهم لما هلكوا لقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وقد بسط شراح البخاري في الأجوبة عن ذلك، ولا يرد على تقرير الشيخ فلا علينا أن لا نذكرها.
(2)
كما بسطه في البذل، وتوضيح الخلاف في المسألة أنهم اختلفوا في سهمان الغنيمة، فقالت الأئمة الثلاثة وصاحبها أبي حنيفة للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم، وقال الإمام ومن معه من السلف للفارس سهمان واحتج بقسمة سهام خيبر وحمل ما ورد في نحو حديث الباب على التنفيل الزائد من الإمام.