الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في كراهة مهر البغي]
قوله [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب (1)] وهذا التحريم كان إذا أمر بقتل الكلاب وحرم الانتفاع بها فإذا استثنى كلب الماشية والصيد وغيره جاز بيعه، قوله [ومهر البغي (2)] وفي ذلك إشكال على الحنفية، فقد قال في المستصفى وحاشية الجلبي وغيرهما بجوازه واعترض عليه قوم بأنه يخالف الرواية بما لا خفاء فيه فلا يقبل وأنت تعلم أن الذي يرده الرواية ما إذا وقع العقد على الزنا فإن الإمر إذا نيط على مشتق كان المبدأ علة له، ولا يمكن أن يجترئ أحد على القول بأن المرأة إذا كانت تزني فكل ما حصلته من الأجرة
(1) قال أبو الطيب ظاهره التحريم وقالوا تحريم الثمن يقتضي عدم جواز البيع، وقد قال به الشافعي وروى عن مالك وبه قال أبو حنيفة وصاحباه: يجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها لأنه حيوان منتفع به حراسة واصطيادًا حتى قال سحنون: أبيعه وأحج به وحملوا الحديث على غير المأذون في اتخاذه لحديث النسائي عن جابر نهى صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد لكنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين، قال ابن الملك: هو محمول عندنا على ما كان في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم حين أمر بقتله وكان الانتفاع به يومئذ محرمًا ثم رخص في الانتفاع به حتى روى أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهمًا وقضى في كلب ماشية بكبش، انتهى، قلت: حديث النسائي قال الحافظ: رجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته، انتهى.
(2)
بفتح الموحدة وكسر المعجمة وشدة التحتية فعيل أو فعول بمعنى الفاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث من بغت المرأة بغاء بالكسر إذا زنت قاله أبو الطيب.
على أي عمل كان فهو حرام فليس معنى الحديث إلا الحكم بالحرمة على ما تأخذه (1) الزانية على نفس ارتكاب الزنا ولا شك في حرمته ولا قائل بكونه طيبًا والذي حكم صاحب المستصفى وغيره بحلته إنما هو المأخوذ على غير الزنا من سائر الأمور وصورته أن يستأجرها على الخبز مثلاً ويشترط مع ذلك أن يزني معها فالأجرة المأخوذة عليه مختلف فيها حلله الإمام نظرًا إلى صحة العقد أصالة والفساد بعارض الشرط فلا يؤثر في تحريم ما أخذه أجرة على أصل العمل المعقود عليه وهو الخبز فيما نحن فيه، والصاحبان ذهبا إلى حرمته نظرًا إلى الفساد، وإن كان غير داخل في صلب العقد، ثم الواجب في مثل ذلك عند الفريقين أجر المثل لفساد الإجارة فلا يجب المسمى والفرق أن أجر المثل الحاصل على الخبز حلال عند الإمام حرام عندهما فمعنى (2) قول المستصفى إن كان بأجرة صح وإلا لا، أن الزناء إذا كان هو
(1) ويؤيد ذلك ما في أبي داود من حديث رافع بن رفاعة نهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها، وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل ومن حديث رافع بن خديج قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو.
(2)
والحاصل أنهم قرعوا هذه المسألة على الإجارة الفاسدة فلا يمكن أن يراد بكلامهم الإجارة على الزنا لأنها باطلة قطعًا بل المراد الإجارة على غير الزنا كطبخ الخبز مثلاً بشرط أن يزني بها أيضًا، فهذا إجارة فاسدة لفساد الشرط ويوضح ذلك أنهم كلهم بنوا كلامهم على الإجارة الفاسدة، ففي شرح الوقاية: الشرط يفسدها (أي الإجارة) والمراد شرط يفسد البيع (وفيها أجر المثل لا يزاد على المسمى) وفي حاشية الجلبي قوله فيها أجر المثل أي يجب أجره حتى إن ما أخذت الزانية إن كان بعقد الإجارة فحلال عند الإمام الأعظم لأن أجر المثل طيب وإن كان السبب حرامًا، وحرام عندهما، وإن كان بغير عقد فحرام اتفاقًا لأنها أخذته بغير حق، انتهى، فقوله حتى إن ما أخذته صريح في أن المسألة متفرعة على الإجارة الفاسدة وفي الدر المختار الفاسد من العقود ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه والباطل ما ليس مشروعًا أصلاً لا بأصله ولا بوصفه وحكم الفاسد وجوب أجر المثل بالاستعمال لو كان المسمى معلومًا بخلاف الباطل فإنه لا أجر فيه بالاستعمال قال ابن عابدين قوله وجوب أجر المثل أي أجر شخص مماثل له في ذلك العمل وفي غرر الأفكار عن المحيط ما أخذته الزانية، إن كان بعقد الإجارة فحلال عند أبي حنيفة لأن أجر المثل في الإجارة الفاسدة طيب، وإن كان الكسب حرامًا، وحرام عندهما، وإن كان بغير عقد فحرام اتفاقًا، انتهى، فقوله لأن أجر المثل في الإجارة الفاسدة أصرح دليل على أن المسألة في الإجارة الفاسدة لا الباطلة وأصرح من ذلك كله أنهم عدوا مهر البغي من السحت كما في كتاب الحظر من الشامي.
المعقود عليه بنفسه لم تصح الإجارة وكانت باطلة ولا يتناول لفظ الإجارة الباطل منها فلا يمكن أن يراد بقوله إن كان بأجرة هو الاستيجار على أصل فعل الزنا فلم يبق في متناول اللفظ إلا الإجارة الصحيحة والفاسدة وكلاهما يمكن إرادته ههنا فإن أريد بقوله: إن كان بأجرة هي الصحيحة منها كان المعنى أنه إذا استأجرها على شيء من العمل إجارة صحيحة ثم زنى بها لا تكون الأجرة حرامًا لأنها لم تأخذ على الحرام الذي ارتكبته غير أن هذه الصورة لا تصلح للخلاف الواقع بينه وبينهما فلم يبق إلا إرادة الإجارة الفاسدة التي لا يجب فيها المسمى بل الواجب فيه أجر المثل كما ذكرنا قريبًا والله أعلم، قوله [وحلوان (1) الكاهن] هو ما يأخذ الكاهن على كهانته وأصله الشيء الحالي ثم استعمل في كل ما يأخذه حلوًا أولاً
(1) بضم الهاء المهملة وسكون اللام ما يعطاه على كهانته قال أبو عبيد أصله من الحلاوة شبه ما يعطي الكاهن بشيء حلو لأخذه إياه سهلاً دون كلفة.