الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في ثواب من قدم ولدًا]
قوله [ثلاثة من الولد] التنصيص بالعدد سكوت عن حكم ما دونه ماذا هو وحكم ما فوقه قد يعلم بدلالة النص ولا يكون التنصيص على عدد معين نفيًا للحكم عما دونه وهو المراد بما قال أهل الأصول من الأحناف أن مفهوم العدد غير معتبر عندنا ولذلك سأل في الرواية الآتية عن الاثنين ما بالهما فلو ثبت الحكم في الاثنين نفيًا بذلك النص المذكور فيه لفظ الثلاثة لم يسأل عنه الراوي لكونه من أهل اللسان، وقول عمر (1) فيه ولم نسأله عن (2) الواحد حكاية عن حاله وبيان على حسب علمه وإلا فقد رواه ابن مسعود في الواحد أيضًا كما سيأتي فهذه الرواية لم تبلغ عمر وقوله [إلا تحلة (3) القسم] كأنه استثناء منقطع فإن هذا
(1) هكذا في الأصل والظاهر اختلط فيه تقرير الحديثين المختلفين فإن قول عمر لم نسأله عن الواحد في باب ثناء الناس على الميت وحديث ابن مسعود فيمن قدم فرطًا ولم أجد في باب ثناء الناس على الميت أقل من اثنين وظاهر كلام العيني أنه لا يكتفي فيه أقل من اثنين لأنه من باب الشهادة وأقل ما يكفي في الشهادة الاثنان.
(2)
قال الزين بن المنير إنما لم يسأل عمر رضي الله عنه عن الواحد استبعادًا منه أن يكتفي في هذا المقام العظيم بأقل من النصاب. وقال أخوه في الحاشية: فيه إيماء إلى الاكتفاء بالتزكية بواحد، كذا قال، وفيه غموض قاله الحافظ.
(3)
قال أبو الطيب بفتح المثناة الفوقية وكسر المهملة وتشديد اللام أي قدر ما ينحل به القسم قال في النهاية أراد بالتحلة قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} وهو مثل في القليل المفرط في القلة واختلف في معنى الورود تحلة القسم فقيل المراد به الدخول وتصير بردًا وسلامًا على المؤمنين وقيل المرور على الصراط فعلى الأول الاستثناء متصل وعلى الثاني منقطع، وقيل إلا قدر ما يحل به الرجل يمينه وقيل بل المراد القلة من غير أن يكون هناك قسم والظاهر أن القلة كناية عن العدم، انتهى.
الورود ليس من مس النار في شيء، قوله [من قدم ثلاثة لم يبلغوا الحنث (1)] اشتراط العدد ليس احترازًا لما قدمنا نعم كونهم لم يبلغوا الحنث شرط ينتفي الحكم بانتفائه ووجه ذلك مع ما نشاهد من كثرة الحزن بفوات الكبير نسبة إلى فوت الولد الصغير أن حزن فوت الصغير إنما يكون لمجرد تعلق الأبوة والأمية الذي وضعه الله سبحانه في الآباء والأمهات، وحزنه على الكبير وإن كان كثيرًا فإنه مشوب بغرضه الدنياوي وحسرة على ما كان قد أمل منه وطمع أن يكون يفيده فوائد وليس ذلك لأن انتفاء الوصف يدل على انتفاء الحكم إذ ليس ذلك من أصولنا فكيف نسلم أن انتفاء الحكم صار لأجل انتفاء الوصف وإنما ألحق الشافعي الوصف بالشرط في ذلك وإنا لم نسلمه في الشرط أيضًا، فكيف بالوصف بل الحكم إنما انتفى ههنا لأن الوعد مشروط بتقدير الصغر فكان النص ساكتًا عن الكبير فلا يثبت الحكم فيه بالقياس سيما وليس الكبير بأولى من الصغير حتى يثبت الوعد فيه بدلالة النص نعم يشمله النصوص الأخر التي وعد فيها بالمثوبة على الهم والحزن ما كانا (2) وفيها
(1) بكسر المهملة وسكون النون آخره مثلثة الإثم والمراد سن التكليف وإنما خص الإثم بالذكر لأنه هو الذي يحصل بالبلوغ وأما الثواب فقد يحصل للصبي أيضًا، فهو من خواص البلوغ قال القرطبي إنما خصهم بذلك لأن الصغير حبه أشد والشفقة عليه أعظم ومقتضاه أن من بلغ الحنث لا يحصل لفاقده ما ذكر من الثواب وإن كان في فقده ثواب في الجملة وبذلك صرح كثير من العلماء وفرقوا بين البالغ وغيره، وقال الزين بن المنير يدخل الكبير في ذلك بطريق الفحوى لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ولا ريب أن التفجع على فقده أشد قاله أبو الطيب، قلت الظاهر التخصيص بالصغير لما صرح به جمع من المشايخ ووجه تخصيصه ما أفاده الشيخ فإنه وجه وجيه لا غبار عليه.
(2)
الضمير إلى الهم والحزن أي المثوبة على مقدارهما وضمير فيها كثرة إلى الروايات الواردة في المثوبة والأجر على الهم والحزن.
كثرة، وأيضًا لذلك التقييد وجه آخر أدق وألطف وهو أن ترتب الجزاء على ذلك الشرط لا يتصور ما لم يقيده بذلك القيد فإن الأولاد إذا بلغوا حنثًا وكلفوا تكاليف الإسلام وماتوا بعد ما تحملوها فإنهم مبتلون بأحوالهم وأهوالهم فليسوا بمطلقين عن إسار الهموم (1) فأنى يتيسر لهم أن يكونوا حصنًا حصينًا لغيرهم وأما ثواب ما أصاب الوالدين بفوات الأولاد الكبار فغير منفي بالاتفاق على قدر صبر الأبوين وحزنهما فالنفي ههنا ليس إلا راجعًا إلى تلك الجهة الخاصة والوعد الموعود.
قوله [سمعت جدي أبا أمي] أي لم يكن جدًا صحيحًا لي، قوله [لن يصابوا (2) بمثلي] دفع بذلك ما كان يتبادر إلى الذهن أن المؤمنين الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتشرفوا بزيارته لم يصابوا به ولم يشجنوا فكيف يكون فرطً لهم فقال إن المؤمن وإن لم يظهر منه فيما يبدو للناس وله محبته بي إلا أن كل مؤمن ففي قلبه حصة من حب الله وحب رسوله قد غلبت عليه شهواته وعلاقاته الدنيوية فلا يكاد يظهر بمقابلتها ولا ينتفي بذلك الانغمار أصل وجوده وسيجيء لذلك زيادة تفصيل في قوله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه مع أن الحزن للذين لم يأتوا بعد أكثر فإنهم يتشرفوا منه بزورة أيضًا، وقوله أنا فرط لأنه معصوم أيضًا وفارغ عن تخليص نفسه فلا هم له غير أمته المرحومة كما لم يكن للولد الذي لم يبلغ الحنث إلا هم تخليص والديه.
(1) قال المجد الإسار ككتاب ما يشديه جمعه أسر وفي المجمع الإسار بالكسر مصدر أسرته أسرًا وإسارًا وهو أيضًا الحبل.
(2)
أي لن يصل مصيبة إلى أمتي بمثل مصيبة موتى فإنها أشد عليهم من سائر المصائب أما بالنسبة إلى من رآه فالمصيبة ظاهرة وأما بالإضافة إلى من بعده فالمصيبة العظمى والمحنة الكبرى حيث ما كان لهم إلا مرارة الفقد من غير حلاوة الوجد ولذا يموته صلى الله عليه وسلم يتسلى عن موت كل محبوب وفقد كل مطلوب فإن كل مصاب به عنه عوض ولا عوض عنه صلى الله عليه وسلم.
[باب ما جاء في الشهداء (1) من هم] قوله [المطعون] قيل الطاعون كل مرض عام وقيل بل هي الخراجات التي تخرج في المغابن كالفخذ والإبط [المبطون] يشمل كل مرض من أمراض البطن والكبد والقلب والرأس كأنه مأخوذ من الباطن خلاف الظاهر وليس بمختص بأمراض البطن فقط.
قوله [فلا تخرجوا منها (2)] لئلا يتخرج الناس الذين أنتم واردون عليهم بظن منهم أنكم أتيتم من مكان مرض فلستم خالين منه ولئلا يتفرد المرض الذين مرضوا ههنا فيتوحشوا إذ ليس يبقى لهم إذًا من يخدمهم ويقوم بأمرهم أو لأن في الفرار منه أيام الفرار من المقدر مع أن المقدور واقع لا محالة فلا ينبغي أن يكل في أموره وما ينوبه من الأمراض والعلل إلا إلى الله سبحانه.
قوله [فلا تهبطوا (3) عليها] لقوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ويعلم من ذلك أن فيه أثرًا وإن كان بإذن الله تعالى وخلقه وتحت إرادته ولأن الوسوسة
(1) اعلم أن الشهيد في كتب القوم على ثلاثة أنواع شهيد في الدنيا والآخرة وشهيد في الدنيا لا الآخرة وعكسه وهو المراد ههنا ولخصت في الأوجز جملة من أطلق عليها اسم الشهادة فيما ظفرت من الكتب والروايات فبلغت إلى قريب من ستين فارجع إليه لو شئت التفصيل.
(2)
وفي الدر المختار إذا خرج من بلدة فيها الطاعون فإن علم أن كل شيء بقدر الله تعالى فلا بأس بأن يخرج ويدخل وإن كان عنده أنه لو خرج نجا ولو دخل ابتلى به كره له ذلك فلا يدخل ولا يخرج صيانة لاعتقاده وعليه حمل النهي في الحديث الشريف انتهى، قلت: وينبغي أيضًا أن يقيد بأن لا يفسد عقيدة غيره بخروجه.
(3)
قال أبو الطيب بفتح المثناة الفوقية وكسر الموحدة أي لا تنزلوا عليها لأنهم معذبون أو لأنه أسكن للنفس وأطيب للعيش، وقال القاضي: أنه تهورًا، انتهى.
بتعدية المرض (1) باقية بعد فنهاهم عن النزول ثمة سدًا لباب الوسوسة فإن الله هو الفاعل الحقيقي وتلك أسباب، قوله [من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه] هذا ظاهر إلا أن عائشة تلك الفقيهة المحسنة إلى أبناء المؤمنين الموفقة للتنقير في مسائل الدين لما علمت أن سبب الوصول إلى المحبوب محبوب لا محالة والموصل إلى المكروه مكروه لا محالة ولا ريب أن أكثر المؤمنين بل جلهم لا يحبون الموت فخافت أن يكونوا كرهوا لقاء الله فسألت عن ذلك وقالت يا رسول الله كلنا يكره الموت ولا سبب لكراهية الموت إلا كراهة ما هو موصل إليه فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بما حاصله أن كل مؤمن ففيه حصة من حب الله وحب رسوله بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه إلا أنه مغمور بما اكتنف الأناسي من الضرورات الإنسانية والشهوات الطبيعية الحيوانية ولا يضر ذلك في إيمانه فإن مقتضى البشرية لا يتخلف عن البشر وليس له غنى عن جميع ذلك مادام لابسًا حلة الجسمية والبشرية مأسورًا في أيدي الحوائج البهيمية الكدرية وأما إذا انقطعت حبائل وسائلها ونزع ما لبسه من قمصها وغلائلها فحينئذ يظهر من حظ الحب ما كان مكنونًا وينفك ما كان في أيدي الشهوات مرهونًا فلذلك ترى النبي صلى الله عليه وسلم جعل ملاك الأمر ما يظهر في الخاتمة وإن كان سبب ظهوره هو الذي كان له من قبل حاصلاً ولم يبين علامة يجدونها في أنفسهم الآن قبل التغرغر لئلا ييئسوا من رحمته سبحانه بل أحال الأمر على آخر وقت إذ لا التباس فيه أصلاً لأنه حينئذ يكون على ثقة من أنه لم يبق له إلى أحد ممن على الأرض حاجة فلا يبقى له اشتغال بأحد منهم ولا بشيء من أمورهم لأن تفكره فيهم إنما كان لأن ضروراته في تمدنه متعلقة بهم ولا ينافيه أيضًا ما يكون لأحد منهم تعلق بأحد من أولاده وأهله فإن حظًا من البشرية باق بعد.
[باب فيمن يقتل نفسه (2) لم يصل عليه] قوله [فقال بعضهم يصلي على
(1) وتقدم الكلام على العدوي قريبًا في باب ما جاء في كراهية النوح.
(2)
وفي الدر المختار هي (أي صلاة الجنازة) فرض على كل مسلم مات خلا بغاة وقطاع طريق إذا قتلوا في الحرب وكذا أهل عصبة ومكابر في مصر ليلاً بسلاح وخناق ومن قتل نفسه ولو عمدًا يغسل ويصلي عليه به يفتي وإن كان أعظم وزرًا من قاتل غيره ورجح الكمال قول الثاني (أي أبي يوسف) انتهى.