الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاعتكاف
قوله [كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله] هذا إما أن يكون تغليبًا واعتبارًا للأكثر، أو لأنه لما لم يعتكف في رمضان قضاه فكان الأمر كأنه لم يفت فصح استغراقها الحكم والاعتكاف سنة مؤكدة إلا أنه على الكفاية دون أن يسن لكل أحد وتأكده بدوامه صلى الله عليه وسلم عليه وثبوت قضائه إذ لم يعتكف ومداومة الصحابة عليه.
قوله [كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل في معتكفه] استدل بهذا من (1) قال بابتداء الاعتكاف من الفجر كما قال المولى المؤلف والجواب أنه لم يرد بالمعتكف المسجد، حتى يصح ما ذهبتم إليه إذ لا خفاء في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفرائض الخمس في المسجد لا غير فكيف يرتب الدخول في المعتكف على الفراغ
(1) اعلم أن الاعتكاف على ثلاثة أنواع: النفل والمنذور والسنة المؤكدة واختلفوا فيها باعتبار تجديد الوقت اختلافًا كثيرًا بسطت في الأوجز، والمقصود ههنا في الرواية القسم الثالث وهي السنة المؤكدة والجمهور ومنهم الأئمة الأربعة على أن يدخل قبيل الغروب من آخر العشر الثاني قال أبو الطيب تحت قوله صلى الفجر ثم دخل معتكفه احتج به من يقول يبدأ الاعتكاف من أول النهار وبه قال الأوزاعي والنووي والليث في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد يدخل فيه قبيل الغروب إذا أراد اعتكاف شهر أو عشر وتأولوا الحديث على أنه دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، انتهى، قلت: وهكذا حكى النووي عن المنادي فما حكى الترمذي من مذهب الإمام أحمد لو صح يكون رواية له كما مال إليه أبو الطيب.
عن الصلاة كما قال صلى الفجر ثم دخل في معتكفه فليس المراد بالمعتكف ههنا إلا ما كان يضرب له من نحو قبة وغيرها فلا يثبت بذلك إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل في موضع خلوته الذي عينه للفراغ والعبادة إلا بعد صلاة الفجر وأما إن ابتداء اعتكافه ودخوله في المسجد كان من أي وقت فلم يفهم من هذا الحديث مع أن العشرة لا تتم ما لم تنضم إليها الليلة، والمسنون اعتكاف العشرة لا التسعة وبعض العاشر ولا يتوهم انتقاضه بكون الشهر تسعًا وعشرين لأن انتقاض يوم وليلة ليس بصنعه وإنما المعتكف كان على عزم من إتمام العشرة لو لم يستهل عليه فالعبرة للنية والقصد ولا كذلك بنقص الليلة التي فيها الكلام.
[باب في ليلة القدر (1) قوله يجاور] أي المسجد ويكون في جوار ربه.
قوله [والفلتا بن عاصم] هذا غلط والصحيح والفلتان (2) بن عاصم.
[قال الشافعي رحمه الله هذا عندي والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما
(1) اعلم أولاً أنهم اختلفوا في وجه التسمية بذلك فقيل بمعنى التعظيم لكونها ذات قدر عظيم أو لأن كل عمل يعمل فيها يكون ذا قدر أو لأنه ينزل فيها ثلاثة ملائكة أولى قدر وعظمة، وقيل بمعنى التضييق لإخفائها أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة، وقيل بمعنى القدر بفتح الدال أي القضاء وثانيًا أنها مختصة بهذه الأمة وثالثًا أنهم اختلفوا في سبب هذه العطية ورابعًا اختلفوا في تعيين هذه الليلة على أقاويل تبلغ إلى قريب من خمسين قولاً بسطت هذه المباحث كلها في الأوجز.
(2)
ضبطه أبو الطيب بفتح الفاء واللام المفتوحة وبالتاء المثناة من فوق ثم ألف ثم نون، انتهى، وفي الإصعابة بفتحتين قلت: وأهل الرجال كلهم ذكروه بالنون في آخره فما في النسخ الأحمدية من حذف النون من الكتابة تحريف من الناسخ كما أفاده الشيخ رحمه الله وهو كذلك بزيادة النون على الصواب في النسخة المجتبائية والمصرية وغيرهما.
يسأل عنه] هذا الجواب جار فيما ورد فيه لفظ التمسوا وتحروا ونحو ذلك وأما ما ورد من أنها ليلة إحدى وعشرين وغيرها فلا يجري فيه ذلك الجواب إذ هذا إخبار ابتداءًا منه صلى الله عليه وسلم، وحاصل جوابه أنه صلى الله عليه وسلم لما سأل أنلتمس الليلة في إحدى وعشرين لم يرد أن يردهم عما أرادوا من إحياءها فلو أجابهم بقوله إنها ليست فيها لما قاموا فيها فقال نعم وكذلك في أخواتها الأخر فهذا الجواب لا يجري في الروايات الأخر التي ورد فيها لفظ أنها ليلة كذا وإن كان لما حكم على ليلة بكونها ليلة القدر ولو بعد السؤال علم بذلك كون تلك الليلة ليلة القدر بقوله إنها ليلة سبع وعشرين، فهذا الكلام ظاهر في كونها ليلة القدر، ولا يمكن إرادة أنه إنما قال ذلك ليرغب في قيامها مع عدم الجزم بكونها ليلة القدر، فالجواب (1) إنها دائرة فأجاب كلا منهم حسب ما كانت في ذلك العام أو يقال أراد أن المرء حين أحيى الليل كله ظنًا منه أنها ليلة القدر ورجاءًا لتحصيل ثواب طاعة ألف شهر فاحتسب (2) أن يعطيه الله هذه المثوبة وإن لم تكن الليلة التي أحياها ليلة القدر فالمراد أنها ليلة كذا أي أنها لكم في الثواب إذا أنتم أحييتموها واشتغلتم بالطاعة فيها ليلة القدر لا ليلة القدر الحقيقية، وعلى هذا ينبغي أن يحمل جواب الإمام الشافعي رحمه الله حتى يتم على سائر الروايات المختلفة الواردة في بيان ليلة القدر ووجه مناسبة إيراد هذه الأبواب وأبواب الاعتكاف في أبواب الصوم مستغنية عن البيان.
قوله [إني علمت أبا المنذر] لما كان في هذا الاستفهام نوع من الاستبعاد المشعر بكون السائل مستبطنًا إنكار علم أبي تبعيتها صح إيراد بلى في قول أبي.
قوله [إنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس إلخ] لما بين النبي صلى الله عليه وسلم لهم تلك
(1) أشار إلى الجواب المرجح عند الشيخ في الجمع بين الروايات المختلفة في ذلك الباب بعد الكلام على الجواب المذكور قبل ذلك.
(2)
الظاهر أن الفاء زائدة والفعل ببناء المجهول خبر لقوله أن المرأ.
العلامة وجربها أبي عامًا أو عامين ولم يكن من مذهبه أنها تدور، استقر رأيه على أنها ليلة سبع وعشرين وكان حلفه على مقتضى ظنه وظن أن ابن مسعود كيف ينكر العلم بتعيينها مع أنه علم تلك العلامة ولعل مذهب ابن مسعود أنها تدور فلذلك لم يفصل فيه بشيء ومما ينبغي التنبيه عليه أن ليلة القدر ليست ساعة معينة كما اشتهر بين العوام كونها ساعة ترجى فيها الإجابة وتأيد ذلك بما نقله عن بعض الصلحاء من ظهور بركاتها وأنوارها لهم ساعة منها ولم يبق ذلك كل الليلة والجواب أن ظهورها لهم في ساعة لا يقتضي انحصارها في تلك الساعة وإنما هي عامة الليل غاية الأمر أنها تتفاوت مراتب فضلها بحسب أول الليل وأوسطه وآخره كما في سائر ليالي السنة، وقد اشتهر بين العوام أن كل شيء من الأحجار والأشجار وما سواهما تسجد فيها، فهذا إن أريد به السجدة الحقيقية فظاهره خلاف وإن أريد سجدة أرواحها فهو غير منكر الصحة والله أعلم.
قوله [ذكرت ليلة القدر] قرئ هذا اللفظ على زنة المجهول فلم ينكر عليه.
قوله [في تسع يبقين] هذا بناء على ما هو المتيقن من كون الأيام تسعًا وعشرين وأما اليوم الثلاثون فمشكوك فيه وتسع يبقين هي الليلة الحادية والعشرون وسبع يبقين هي الليلة الثالثة والعشرون وخمس يبقين هي الليلة الخامسة والعشرون وثلاث يبقين هي الليلة السابعة والعشرون.
[أو آخر ليلة] لما كان البناء على كون أيام الشهر تسعًا وعشرين فالمراد بأخر ليلة هي الليلة التاسعة والعشرون لا غير، وقال (1) بعضهم المراد بتسع يبقين هي الليلة الثانية والعشرون وهكذا فالمراد بآخر ليلة يكون هي الليلة الثلاثون وسيجيء الكلام عليه في صحيح مسلم إن شاء الله تعالى.
(1) جملة ما وقفت من كلام المشايخ في تفسير هذه الرواية وما بمعناها خمسة أقوال بسطت في الأوجز الاثنان منها ما أفاده الشيخ وثلاثة أخرى فارجع إليه لو شئت التفصيل.