الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحي تباعد من الذم ومن رعاها حول الحمى قريبًا منه بحيث إذا نفر أبله قليلاً دخل في الحمى استحق العقاب والندم فكان النبي صلى الله عليه وسلم أثبت للمشتبهات شبهًا بالحلال وشبهًا بالحرام لمكان الاختلاف والاشتباه فيها، فكذلك الجدار الذي حول الحمى فيه شبه بالخارج وشبه بالداخل، وأما الطرف الداخل منه فلا ريب في أنه حمى وإنما الكلام في الطرف الخارجي منه فإن للمرء رعى أبله عليه إلا أن فيه له خطرًا من الدخول في الحمى لقربه منها حينئذ أقرب ما يكون، قوله [وإن حمى الله، إلخ] بين بذلك جل المراد من التشبيه المتقدم أن الذي يجب على المرء التحفظ منه والتباعد هي محارمه ومنهياته ومن ههنا يستنبط قول الفقهاء إذا اجتمع المحرم والمبيح رجح المحرم ثم إن لذرك الحديث ههنا مع مناسبته لجميع الأبواب السابقة وجريه فيها سببًا، وهو الاهتمام بشأن المعاملات لما يعسر على الناس بمقتضى طبائعهم الحريصة الاحتياط فيها.
[باب في آكل الربا]
قوله [آكل الربا وموكله] والمساواة، إنما هو في نفس اللعن وإلا فمراتب اللعن تتفاوت حسب تفاوت مراتب الجناية وظاهر أن جناية الشاهدين أقل من جناية الآكل والموكل، ويدخل في حكم الربا سائر العقود الربوية والبيع الفاسد بأقسامه، ولا يدخل على الحنفية إثباتهم الملك بها فإنهم لم ينكروا الحرمة، قوله [وقول الزور] أراد به خلط الأمر، وذلك ليعم الكذب واليمين الكاذبة وغيرهما، ثم أن ذكر المؤلف قول الزور في الترجمة بعد الكذب لا يستلزم تكرارًا على هذا التفسير وإن أريد به المعنى المشهور وهو الكذب نفسه كان ذكر الكذب والزور على سبيل العطف التفسيري، وإنما أورد الباب ههنا لمسارعة التجار إلى الكذب والتزوير، ثم إن الكذب ليس فيه قبح لذاته (1)، فالكذب الذي فيه إيذاء لمسلم أو أخذ لحقه وأمثال ذلك فهو
(1) هذا مشكل لا سيما لما سيأتي من كلام الشيخ أيضًا أن ما ليس فيه نفع لمسلم فهو أيضًا مكروه فإنه دليل على القبح مطلقًا اللهم إلا إن يقال إن المراد بالقبح الذاتي هو الحرمة الذاتية فهو مكروه مطلقًا لذاته وحرام لعارض، كما هو واجب لعارض.
حرام من جملة الكبائر، وإن كان غير ذلك وليس فيه نفع لمسلم فهو مكروه تنزيهًا، وإن كان فهو حسن ينبغي له أن يرتكبه، ثم الأحسن في تفسير الكبيرة ما توعد عليه بالنار، وهو مأثور عن ابن عباس.
قوله [نحن نسمي السماسرة وكانوا كذلك] أو كانوا تاجرين، ولكن لفظ السماسرة قد كان شاع بينهم إطلاقه فبدل النبي صلى الله عليه وسلم اسمهم بالتجار، وإطلاق التجار يصح عليهم ولو كانوا دلالين، لأن الدلال إما وكيل البائع أو وكيل المشتري وكل منهما بائع، وإن أريد بالتجارة أخذ النفع كان إطلاقه عليهم أظهر ولم يرتض لهم النبي صلى الله عليه وسلم باسم السماسرة لما فيه من إبهام فخش لأن كل وسط بين الاثنين فهو سمسار، قوله [فشوبوا بيعكم، إلخ] ليس المراد ارتكاب الإثم والصدقة إنما المراد أن يجتنبوا من الإثم ما استطاعوا ثم يتصدقوا لما يقع فيه من فضول الكلام وغيره وليس المعنى أن ما أخذوا من مال الغير أو ارتكبوا من العقود الربوية تكفره الصدقة وتحل له المال، كيف وذلك لا يمحي عنه ما لم يؤده إلى المالك أو لم يستحله منه بل المراد تكفير بعض ما يبدو منه غير ذلك ولعل الوجه اعتياد النفس بالمسامحة في العقود إذا اعتاد الصدقة مع أنه لو وضع على نفسه على كل صفقة مقدارًا من الصدقة كان أدعى للبركة في ماله وفي بيعه وأيضًا ففيه تكفير لبعض ما بدرت إليه يداه والله أعلم، قوله [الصدوق] ظاهر [والأمين] الناصح لأخيه المسلم ومتتبع لنفعه كما يتتبع حظ نفسه وكونه مع النبيين، إلخ، لا يستلزم كونه في مرتبتهم، وإنما المراد مجرد المعية، وكذلك حيث ورد أنه في درجتهم (1) وكفى بها فضلاً والسبب في الوعد بهذه المرتبة العليا تعسر الصدق والأمانة على الناس.
(1) يعني كما يكون الخادم مع مخدومه في مكان واحد ودرجة واحدة.
قوله [إل المصلى] وكان هناك سوق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثم تغير الأمر، [قال المنان] لأن الصدقة لما كانت تقع في يد الرحمن فكان منته على الفقير آئلاً إلى الامتنان عليه تعالى [المسبل إزاره] إن كان تكبيرًا فظاهر وإن كان للزينة فللتشبه بهم [اللهم بارك لأمتي، إلخ] هذا يعم كل أمر من مشاغل دينه ودنياه.
[باب ما جاء في الرخصة (1) في الشراء إلى أجل] إما أن يشتري مطلقًا عن ذكر النسيئة والنقد ثم بعد انعقاد البيع بين أنه يؤدي الثمن بعد أجل وهذا لا فساد فيه سواء كان الأجل معينًا أو غير معين، وأما من يشتري ببيان أنه يؤدي الثمن بعد أجل فإن سمى أجلاً معينًا جاز وإلا كان العقد فاسدًا لما أن التأجيل في قسمي الشق الأول عدة ومنة من البائع بعد تمام العقد فيصح، وفي الثاني مدرج في الثمن، فالأجل منضمًا إلى دراهم ثمنه ثمن فإن كان الأجل معينًا لا فساد فيه وإلا فالعقد فاسد لجهالة بعض الثمن، قوله [فكان إذا قعد فعرق ثقلاً عليه] الظاهر من الثقل ثقل الوزن ولا يبعد أن يراد به أن ذلك كان يثقل على طبيعته الشريفة للطاقة مزاجه ولا ينافيه ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن لعرقه رائحة تكره بل كان من أطيب الطيب، وذلك لأن تطيبه لغيره لا يقتضي أن لا يكون الثوب بعد ابتلائه به ثقيلاً على طبعه، وإن كان لغيره أطيب وأنظف، قوله [بمالي أو بدراهمي] شك من الراوي، قوله [آداهم] بهمزة ممدودة من الأداء وهو شدة المراعاة كقوله الذيب ياد وللغزال يأكله، وإن كان يمكن أن يكون من المزيد فإن كثيرًا من أفعل التفضيل وغيره ورد على خلاف القياس، كقوله تعالى:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} إلا أن أحدًا من أئمة اللغة لما لم يصرح بضبطه، كذلك حمل على ما نقل عنهم.
(1) أكثر المحدثين يبوبون بمثل هذه الترجمة لما أن الروايات في الوعيد في الدين كثيرة فكانت موهمة لأن لا يجوز الشراء نسبة لا سيما إذا لم يضطر إليه لما فيه من اختيار الدين.
قوله [وقد رواه شعبة أيضًا] أي كما رواه في الإسناد المتقدم يزيد بن زريع فكانا آخذين من عمارة، قوله [سمعت محمدًا، إلخ] هذه مقولة الترمذي، وقوله حرمى بن عمارة بتشديد الياء أراد شعبة بذلك تعظيم أستاذه (1) الذي أخذ منه هذا الحديث بتقبيل ابنه وتعظيمه، ولعله كان يتلمذ (2) على شعبة كما يشير إليه لفظ: وفي القوم، وليس الحرمى نفسه راويًا للحديث كما زعمه المحشى [قال] أي أبو داود [وحرمى في القوم قوله توفى النبي صلى الله عليه وسلم، إلخ] يعني أن الاشتراء إلى أجل جائز سواء وثقه برهن وغيره أو لم يوثقه، وقوله توفى مشيرًا إلى أنه آخر الأمور عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتوهم النسخ.
قوله [وإهالة (3) سنخة] متغيرة أشار بذلك إلى افتقاره إليه فإنه مع وفور لطافة مزاجه لما قبله وأتى (4) به الصحابي كان دليلاً على افتياقه (5) إليه وأيضًا ففيه دلالة على ما كانت عليه الصحابة من الزهد في الدنيا إذ لو كان عنده شيء سواه لأتى به ولم يستأثر به نفسه عليه صلى الله عليه وسلم، قوله [ولقد سمعته، إلخ]
(1) تعظيم ابن الشيخ من توقير الشيخ.
(2)
فإنه عد الحافظ شعبة في شيوخ حرمى هذا.
(3)
قال المجد الإهالة الشحم أو ما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به وفي المجمع هي بكسر همزة الشحم المذاب، وقال العيني: بكسر الهمرة وتخفيف الهاء ما أذيب من الشحم والألية، وقيل كل وسم جامد، وقيل ما يؤتدم به من الأدهان وسنخة بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة أي متغيرة الريح، ويقال زنخة أيضًا بالزاي موضع السين، انتهى.
(4)
الظاهر أنه عطف على قبله وداخل في الشرط والسبب لذكره أن إتيان الصحابي بذلك مع علمه بلطافة مزاجه ونفرته عن الروائح الكريهة أوضح دليل على شدة الاحتياج.
(5)
قال المجد افتاق افتقر.