الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما جاء في اشتراط الولاء]
لما ثبتت حرمة الشرط الواحد فيما تقدم أمكن أن يستنبط من ههنا إفادة البيع (1) الفاسد ملك المشتري ونفاذ العتق عليه وذلك لأن البيع حينئذ يكون فاسدًا لاشتراط ما ليس من مقتضيات العقد ويعلم منه الفرق بين الفاسد والباطل أيضًا، والجواب عن (2) ارتكابه صلى الله عليه وسلم له مع حرمته ووجوب فسخه ما مر في ارتكابه الأمور المنهية لبيان الجواز من أن من التصرفات ما يحرم على غيره ويجب (3) عليه صلى الله عليه وسلم لبيان الشرائع والأحكام.
قوله [أو لمن ولي النعمة] شك من الراوي، قوله [بعث حكيم إلخ] يعلم
(1) خلافًا لمن أنكر ذلك ولم يفرق بين الفاسد والباطل، فالحديث حجة للحنفية في أن البيع الفاسد مفيد للملك ولو عتق إذا نفذ عتقه، وفي الهداية إذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال ملك المبيع ولزمته قيمة، وقال الشافعي لا يملكه وإن قبضه لأنه محظور فلا ينال به نعمة الملك، وصار كما إذا باع بالميتة وإنما المحظور ما يجاوره والميتة ليست بمال فانعدم الركن انتهى، مختصرًا.
(2)
وحاصل الإشكال صدور الأذن منه صلى الله عليه وسلم بالشرط الفاسد كما في أحاديث الباب ويزيد الإشكال ما ورد في بعض طرقها من نص قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة واشترطي لهم الولاء، وبسط الشيخ في البذل في الأجوبة عن هذا الإشكال فأرجع إليه لو شئت التفصيل.
(3)
فإن بيان الشرائع واجب عليه صلى الله عليه وسلم صرح بذلك أهل الفروع قال ابن نجيم بحثًا في التسمية إنه يجوز ترك الأفضل له تعليمًا للجواز كوضوئه مرة مرة تعليمًا لجوازه، وهو واجب عليه، وهو أعلى من المستحب انتهى، قلت: أما فعل الحرام لبيان الجواز فلم أجده اللهم إلا أن يقال أن المراد بالحرام في كلام الشيخ هو المكروه، قال البيجوري في شرح الشمائل أنه صلى الله عليه وسلم قد يفعل المكروه لبيان الجواز، ولا يكون مكروهًا في حقه بل يثاب عليه ثواب الواجب.
منه جواز التوكيل في البيع والشراء، قوله [فاشتري أخرى] يعلم بذلك جواز بيع الفضولي (1) فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه عن ارتكاب مثل ذلك فكان تقريرًا وأما شراؤه فيتبادر منه شراء الفضولي، وليس يقع المشتراة لمن اشترى له الفضولي إلا إذا صرح بأني اشترى له، وأما إذا (2) لم يصرح فلا يقع إلا عن المشتري لا للمشتري له، قلنا ههنا كذلك فإنها وقعت عن حكيم إلا أنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يكون شراء حكيم من ماله صلى الله عليه وسلم حيث ذهب بديناره وعلى هذا فهو للمشتري له لا للمشتري وحينئذ فتصرف حكيم فيه لم يكن إلا تصرف الفضولي بيعًا وشراء وجاز الفعلان بتقريره صلى الله عليه وسلم، وأما توكيله فقد انتهى، بشراء الشاة الأولى فكانت تصرفاته من بعد تصرفات الفضولي، ثم قد يتوهم أن حكيمًا حين اشترى
(1) وفيه خلاف الشافعي كما في الهداية إذ قال من باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ، وقال الشافعي لم ينعقد إلى آخر ما ذكره من الدلائل العقلية للفريقين. وذكر ابن الهمام مالكًا وأحمد مع الحنفية واستدل لهم بحديث الباب.
(2)
ففي الدر المختار لو اشترى لغيره نفذ عليه إلا إذا كان المشتري صبيًا أو محجورًا عليه فيوقف هذا إذا لم يضفه الفضولي إلى غيره فلو أضافه توقف انتهى، أي توقف البيع على رضاء من اشترى له ولا ينفذ على المشتري كما نفذ عليه في الصورة الأولى.
الأضحية وسلم أنه لم يكن من ماله (1) ولا ذكر أنه إنما يشتريها له صلى الله عليه وسلم فكيف تجزئ هذه عن أضحيته صلى الله عليه وسلم، فالجواب أما أولاً فأنا لا نسلم ما ذكره السائل من أنه لم يكن من ماله ولا من غير ذكره (2) كيف وظاهر حاله صلى الله عليه وسلم أنه أعطاه الدنيار حين بعثه لشرائها، وأما ثانيًا بعد تسليم ما ذكر فإن حكيمًا حين سلم له الشاة واقتضى الدينار منه كان بينهما بيع تعاطيًا فصارت الشاة بهذا البيع له صلى الله عليه وسلم.
قوله [ضح بالشاة] فعلم أن أمر التضحية للغير جائز [وتصدق بالدينار] اعلم أن أضحية الفقير تتعين بالشراء له فليس له أن يستبدلها بغيرها ولا ينتفع بدرها وصوفها بعد ذلك ولو فعل لزمته قيمته، وأما أضحية الغني فلا تتعين بنفس الشراء له وله أن يستبد لها بغيرها وينتفع بها وبدرها ويربح فيها إن شاء إلا أنه إذا عينها بعد ذلك ليس لا الانتفاع بها والنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن غنيًا إلا أن الأضحية كانت واجبة (3) عليه، وهو المعنى بالغناء فكان له حكم الأغنياء في وجوبها فيتفرع عليه التفاريع المذكورة فإن تفاوت ما بين الفقير والغني في الأحكام إنما هو منوط على وجوبها في الذمة وعدم الوجوب ولذلك قلنا إن الغني إذا عين شيئًا من ذلك للتضحية حرم له الانتفاع بظهره وبدره بعد ذلك لأن الوجوب قد وجد وهو المدار، فلما باع حكيم أول المشتراتين لم يكن له في ذلك بأس لعدم تعينها للتضحية وطاب الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه أمر بتصدقه استحسانًا لكونه قصد أن ينفق فيها دينارين (4).
(1) أي مال النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أي من غير ذكر أنه إنما يشتريها له صلى الله عليه وسلم.
(3)
فقد عد الأضحية من جملة الواجبات على النبي صلى الله عليه وسلم الحافظ في التلخيص الجبير والنووي في مبدأ تهذيب اللغات وغيرهما.
(4)
أو لأن ذلك الدينار حصل بربح دينار نوي صلى الله عليه وسلم صرفه في سبيل الله بسبيل الأضحية فأراد أن لا يمسك منافعه أيضًا.
قوله [فاشتريت له شاتين] هذه وقعة (1) أخرى، وهذا الحديث بظاهره مؤيد لمذهب أبي يوسف ومحمد في ما إذا (2) وكل رجلاً ليشتري له رطلاً من اللحم بدرهم فاشترى رطلين بدرهم، قال الإمام عليه أن يعطي مؤكله رطل لحم بنصف درهم ونصفه للوكيل فإن قصد المؤكل إنما هو تحصيل رطل من اللحم لا إنفاق درهم، وقال صاحباه بل كله له لما أن خلافه إلى خير فلا ينتفي الوكالة فيما خالف وظاهر الحديث وإن كان يشهد لهما لكنه في الحقيقة غير مؤيد لقولهما فإن المدعي كان يثبت لو شهد عروة ومعه الشاتان، وأما إذًا فلا، بل فيه تأييد لرأي
(1) كما هو ظاهر من اختلاف مخرج الحديث واختلاف سياق القصتين ثم اختلفوا في اسم هذا الصحابي كما بسط في محله من كتب الرجال، وبسط اختلاف الروايات في اسمه الحافظ في الفتح في باب الخيل معقود في نواصيها الخير وفي التقريب عروة بن الجعد، ويقال ابن أبي الجعد، ويقال ابن عياض انتهى، أي ابن عياض بن أبي الجعد نسب في الرواية إلى جده، ويقال إن اسم أبي الجعد سعد كذا في الفتح.
(2)
ففي الهداية إذا وكله بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين رطلاً بدرهم من لحم يباع منه عشرة أرطال بدرهم لزم المؤكل منه عشرة بنصف درهم عند أبي حنيفة وقالا يلزمه العشرون بدرهم، وذكر في بعض النسخ قول محمد مع قول أبي حنيفة لأبي يوسف أنه أمره بصرف الدرهم في اللحم وظن أن سعره عشرة أرطال فإذا اشترى به عشرين فقد زاده خيرًا ولأبي حنيفة إنه أمره بشراء عشرة ولم يأمره بشراء الزيادة فنفذ شرؤها عليه وشراء العشرة على المؤكل، وإذا اشترى ما يساوي عشرين رطلاً بدرهم يصير مشتريًا لنفسه الإجماع لأن الأمر يتناول السمين وهذا مهزول، انتهى.
الإمام حيث لم يأت عروة إلا بشاة بنصف ما آتاه من القيمة وقد ربح هذا النصف.
قوله [بهذا الحديث] في بيع الفضولي واستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك قلبًا المراد بالعندية هي القبضة سواء كان ملكًا له أو لغيره فالنهي إنما هو عن بيع ما ليس مقبوضًا لك بوجه من وجوه القبضة، فلما إن كانت لك يد عليه فلا نهي غير أنه لما لم يكن جواز البيع وتمامه إلا منوطًا بإجازة المالك كان النهي عن بت البيع مع أنه لو أتمه من نفسه كان لغوًا فالنهي في الحقيقة إنما هو عن تعزير المشتري لئلا يطمئن على تمام بيعه أو نقول إن المراد بالبيع في قوله لا تبع هو البيع (1) البات النافذ، قوله [إذا أصاب المكاتب جدًا أو ميراثًا ورث بحساب ما عتق منه] اكتفى بذكر المعطوف عن ذكر المعطوف عليه لقيام القرينة عليه وتقدير العبارة حد وورث (2) بحساب إلخ، وتصويره أن العبد إذا زنى مثلاً فإنه يجلد خمسين (3) وإذا عتق نصفه كان عليه جلد خمسين باعتبار حرية نصفه
(1) وقريب منه ما أجاب ابن الهمام فقال قلنا المراد للبيع الذي تجري فيه المطالبة من الطرفين وهو النافذ أو المراد أن يبيعه ثم يشتريه فيسلمه بحكم ذلك العقد وذلك غير ممكن لأن الحادث يثبت مقصورًا على الحال وحكم ذلك السبب ليس هذا بل أن يثبت بالإجازة من حين ذلك العقد وسبب ذلك النهي يفيد هذا وهو قول حكيم بن حزام يا رسول الله إن الرجل يأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فاشتريها فأسلمها فقال صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك.
(2)
ولله در الشيخ ما أجاد وعلى هذا فلا يحتاج إلى ما تكلف القارئ وتبعه غيره إذ فسر الحد بالدية، ولما أشكل على تفسيرهم قوله ورث فقال محشي المشكاة: لعل المراد بقوله ورث ملك ليشمل جواب الشرطين انتهى، وأنت خبير بأنه على ما أفاده الشيخ لا يحتاج إلى توجيه قوله ولا قوله ورث.
(3)
ففي الهداية وإن كان عبدًا جلده خمسين جلدة لقوله تعالى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} نزلت في الإماء، والرجل والمرأة في ذلك سواء لأن النصوص تشملهما.
وجلد خمسة وعشرين اعتبارًا لرقية نصفه فكان مجموعة خمسة وسبعين وهكذا في الميراث مثلاً كان له أخ حر فحسب ومات أبوهما فلو كان الكاتب لم يود شيئًا ولو كان حرًا كاملاً ورث النصف السالم فأما إذا عتق نصفه فإنه يرث نصف النصف لاستحقاقه نصف حظه حرًا ولكنهم لم يأخذوا (1) بهذه الرواية إلا أن فيه إشارة إلى خبر لا يحتمل النسخ وهو تجزئ العتق فإن قوله ما عتق به وقع صلة والصلات أخبار فلا احتمال فيها للنسخ وإن كان ما حكم به في الرواية من الحد والوراثة على حساب العتق منسوخًا لقوله المكاتب عبد، الحديث كما سيأتي.
قوله [يؤدي] بتخفيف الدال مفتوحة، قوله [ثم عجز فهو رقيق] ولا يمكن ورود الرق وهو في دار الإسلام فعلم أنه لم يخرج من الرق بعد، قوله [فلتحجب منه] أي حجاب احتياط، والمراد به المبالغة في الاحتجاب وأنه لا ينبغي الاكتفاء بالحجاب المفروض بل كما يحتجب من الأجانب الغير المحتاج إلى كثرة ملابستهم والأمر استحباب أمرهن للاعتياد، وأما الحجاب الشرعي فكان لهم منهن حين الرق والكتابة أيضًا، وذلك لوجود الفتنة في عدمه وهذا مما اختاره الإمام وذهب الآخرون (2) إلى أنه لا حجاب له منها وحجتهم
(1) أي الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء إذ قالوا هو عبد ما بقى عليه درهم وكان فيه الاختلاف في السلف بسطه في التعليق الممجد عن البناية ولا يذهب عليك أن ما في بين سطور الكتاب بعد حديث ابن عباس إذ عد في القائلين بهذا الحديث أبا حنيفة غلط من الناسخ فإنه لم يقل بهذا الحديث أحد من الأئمة الأربعة بل قال القارئ وبه قال النخعي وحده انتهى، وإن ذكر غيره بعض من سلف أيضًا.
(2)
منهم الإمام الشافعي وبالأول قال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب واحتج لهم الرازي في التفسير الكبير بوجوده منها لا يحل لامرأة تومن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاث إلا مع ذي محرم والعبد ليس بذي محرم منها.
قوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى أن ذكر، {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، والمراد به عندنا الإناث كما روى عن سعيد بن المسيب (3) مع أن المحرم على التأييد لم يوجد وهو المجوز له مع أن الأصل في كلمة ما أن يكون لغير العقلاء وإذا استعملت في العقلاء وجب رعاية معناها الحقيقي ما أمكن، وهو حاصل في حملها على الإناث دون الذكور مع أن الاقتران بقوله تعالى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} يؤيد هذا المعنى فإن إضافة (4) النساء إليهن لما أخرجت الإماء، وقد يفتقر إلى ملابسة النساء الآخر، فأدى ذلك إلى حرج اتبعه بذكر الإماء ليعم الحكم الحرائر والإماء والرواية المذكورة في الباب ليس فيه ما يعين مراد الخصم لأن العادة لما كانت جارية بالتهاون في الاحتجاب عنهم لأن الشدة في الاحتجاب عنهم يؤدي إلى محرجة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمبالغة فيه لكون الرق منهم على (5) شرف السقوط فأحب أن يعتدن ذلك قبل أن يلجأن إليه والله أعلم بالصواب.
(3) ففي المدارك قال سعيد بن المسيب لا تغرنكم سورة النور فإنها في الإماء دون الذكور كذا في البذل.
(4)
عامة المفسرين على أن الإضافة لإخراج الكافرات لكن الرازي في التفسير الكبير أشار إلى مختار الشيخ إذ قال فإن قيل الإماء دخلن في قوله نسائهن، فأي فائدة في الإعادة قلنا الظاهر أنه عني بنسائهن وما ملكت أيمانهن من في صحبتهن من الحرائر والإماء إذا كان ظاهر قوله أو نسائهن يقتضي الحرائر دون الإماء كقوله شهيدين من رجالكم على الأحرار لأضافتهم إلينا، انتهى.
(5)
وحمله الطحاوي في مشكلة على ما إذا اجتمع عنده بدل الكتابة ولا يؤده عمدًا كما في قصة بنهان لمولاته أم سلمة رضي الله عنها، انتهى.