الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إذا لم يوجد الوجهان فلا كراهة، قوله [بالخيار إذ أورد السوق] أي إذا تحقق خداعًا فله أن يرافع إلى القاضي حتى يحكم بالفسخ أو يرضى المشتري من غير مرافعة بالنسخ، قوله [لا يبع حاضر لباد] له معنيان ما كتبه في الحاشية (1)، والثاني: أن يبيع الحضري بيدي البدوي ولا يبيع مع أهل الحضر وهم يحتاجون إليه وكراهته بمعنييه أيضًا منوطة بالإضرار [دعوا الناس] تتبيه على علة الكراهة ودفع لما عسى أن يتوهم من أن في بيع الحاضر للبادي نفعًا للبادي، وأما إذا باع البادي فإنه يبيع بأقل من الثمن الذي يبيع به الحاضر فكان ذلك ضررًا بالبادي بأن له نفعًا في ذلك لجهة أخرى وهو فراغه بأقل مما يفرغ فيه الحاضر وحصول القيمة مفيد له زيادة على ما يفيده المنفعة الكثيرة في المدة الكثيرة وفي ذلك نفع للمشترين، ومثل ذلك يقال على تقدير المعنى الثاني أيضًا، فإن الحضري إذا باع سلعته في المصر كان فراغه منها بأقل من زمان فراغه في القرى، وإن كان الربح الحاصل في الأول أقل أيضًا من الربح الحاصل في الثاني غير أن ذلك القليل أنفع من هذا الكثير، وأما إذا كان البدوي يغبن في البياعات وخيف تلبس السعر عليه إذا باع هو بنفسه فلا يبعد أن يكون بيع الحاضر له بأن يصير وكيل بيعه واجبًا عليه لأن في تركه ضررًا به.
[باب في النهي عن المحاقلة والمزابنة
(2)] قوله [سأل سعدًا عن البيضاء بالثلث] السلت قسم من الشعير له طرفان لا كطرفى الشعير ويكون أعلى أصناف الشعير لقلة القشور ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقولون له (جوييمبري) من جهل المسلمين فحسب، والسؤال (3) عن سعد ينبغي أن يحمل على البيع نسيئة وإلا
(1) أي أحدهما ما في الحاشية، وهو أن يأخذ البلدي من البدوي ما حمله إلى البلد ليبيعه بسعر اليوم حتى يبيع له على التدريج بثمن أرفع.
(2)
وتفسيرهما مذكور في الكتاب.
(3)
يعني أن السؤال عن سعد وجوابه واستنباطه من الحديث كلها محمول على النسيئة لأنها لو حملت على النقد لا يصح الاستدلال، فإن البيضاء والسلت جنسان والتمر والرطب جنس واحد، فكيف يصح قياس أحدهما على الآخر، وأما في صورة النسيئة فمدارها على القدر، وهو مشترك بينهما، أي بين المقيس والمقيس عليه فيصح الاستدلال ويؤيد ما أوله الشيخ زيادة النسيئة في رواية أبي داود في حديث سعد يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة هذا ما أفاده الشيخ ويحتمل أن يكون السلت والبيضاء جنسًا واحدًا عند سعد، كما هو قول لأهل اللغة في ذلك ولا يجوز بيع الرطب مع التمر مثلاً بمثل عنده أيضًا، كما هو قول الجمهور، وعلى هذا فالاستدلال على عدم الجواز بمجرد كون أحدهما أفضل من الآخر مع اتحاد الجنس، كما قالوا في بيع الرطب مع التمر، ثم رأيت كلام شيخ مشايخنا الدهلوي في المسوي فحكى ذلك قولاً فقال: وقال بعضهم: البيضاء الرطب من السلت وهذا أليق بمعنى الحديث بدليل أنه شبهه بالرطب مع التمر ولو اختلف الجنس لم يصح التشبيه، انتهى.
فلا يصح الجواب بالمنع ولا استدلاله بالحديث فإن بيع السلت بالبيضاء، وكذلك كل صنف من أصناف الشعير بكل صنف من أصناف الحنطة صحيح إذا كان يدًا بيد، لقوله عليه السلام إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم، فإن قيل: هما واحد فجواز مبائعتهما نقدين (1) أظهر من أن يخفى، وكذلك إذا باع الرطب بالتمر فإنه جائز إذا كان يدًا بيد، وحاصله أن سعدًا إنما استدل بالرواية على المسألة التي سأل عنها بجامع أنهما كيليان وعلة النهي إنما هي الجنسية وكون البدلين مكيلاً أو موزونًا فإذا اجتمعا كان التفاضل والنسيئة حرامين وههنا لما لم يتحد الجنس حرم النسيئة كما حرم النسيئة في بيع الرطب بالتمر وتفاوت ما بين البيضاء والسلت ليس بأكثر من تفاوت الرطب بالتمر، فلما لم تجز النسيئة ههنا لم تجز ثمة، فأما إن حمل
(1) المراد بالنقدين على الظاهر يدًا بيد.
على اتحاد الجنس حتى عد التمر والرطب جنسًا والبيضاء بالسلت جنسًا كان النسأ فيهما أبعد عن الجواز لوجود علتي الحرمة كلتيهما، فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم أو ينقص إذا جف، فإما أن يكون بيانًا لما يقع في نصيب من أخذ الرطب بإيتاء التمر من النقيصة لأنه لما جفت الرطب فصارت صاعين بعد ما كانت ثلاثة آصع، وقد أدى إلى صاحبه ثلاثة آصع من التمر فضل لصاحبه فضل صاع، أو كان ذلك بيانًا لاتحاد جنسهما، فإن الرطب بعد جفافه يبقى تمرًا ويلزم فيه التفاضل أيضًا، وإذا صاروا جنسًا واحدًا كانت حرمة النسيئة أظهر وأيا ما كان [فقوله عليه السلام هل ينقص (1) إلخ] تنصيص على علة النهي لا مجرد الاستفسار للجفاف لوقوع الشك له فيه كيف ومثل هذا الأمر لا يخفى على كثير من الناس فضلاً عمن هو أفقه من كل فقيه عاقل بل هو تنصيص على وجه الحرمة وإلقاء على السامعين سبب المنع
(1) قال محمد في موطأه بعد هذا الحديث وبهذا نأخذ لا خير في أن يشتري الرجل قفيز رطب بقفيز تمر يدًا بيد وفي هامشه، وبه قال أحمد والشافعي ومالك قالوا لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلاً ولا متماثلاً يدًا بيد كان أو نسيئة، وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلاً يدًا بيد كان أو نسيئة، وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلاً إذا كان يدًا بيد، لأن الرطب تمر وبيع التمر بالتمر جائز متماثلاً من غير اعتبار الجودة والرداءة، وقد حكى عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر، فقال: الرطب إما أن يكون تمرًا أو لم يكن تمرًا، فإن كان تمرًا جاز، لقوله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلاً بمثل، وإن لم يكن تمرًا جاز لحديث إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم فأوردوا عليه الحديث. فقال: مداره على زيد بن عياش وهو مجهول، أو قال ممن لا يقبل حديثه واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك كيف يقال إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث وهو يقول زيد ممن لا يقبل حديثه، انتهى.