الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يقتض لما سألوا عنه ذلك وإنما جاء عدم التكرار من قوله عليه السلام لأمن أن الأمر لا يقتضي التكرار قلنا لم يكن لهم ارتياب في أن الأمر لا يقتضي التكرار وكانوا على يقين من أنه يتكرر بتكرر السبب كما هو المسلم، فخالج قلبهم أن السبب هل هو يوم عرفة حتى يتكرر وجوب الحج بتكرره أم هو البقعة لئلا يتكرر لأنها واحدة لا يتكرر فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن السبب هو الثاني دون الأول والقرينة عليه إضافة الحجة إلى السبب دون الوقت كما يضاف في الصلاة فيقال صلاة الفجر.
[باب كم حج النبي صلى الله عليه وسلم]
قوله [حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر] هذا لا يصح لأنه صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة كثير مرة فقيل قال ذلك لعدم علمه رضي الله عنه إلا بذلك، وهذا (1) بعيد لأنه رضي (2) الله عنه لو لم يسمع بالأول
(1) لكنه أجاب بهذا الجواب جمع من السلف والخلف وتبعهم شيخنا في البذل.
(2)
فقد أخرج البخاري في باب المبعث من صحيحه عن جابر رضي الله عنه يقول شهد بي خالاي العقبة وعن عطاء قال قال جابر أنا وأبي وخالاي من أصحاب العقبة، انتهى، قلت: والمراد بيعة العقبة الكبرى فإن ابن هشام وغيره عدوًا عمروا بن حرام في جملة النقباء التي عينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الكبرى وهي التي سموها العقبة الثانية وقالوا هي الثالثة حقيقة فإن حضورهم لدى النبي صلى الله عليه وسلم كان ثلاث مرات الأول في السنة الحادية عشرة من النبوة، وكان ابتداء إسلام الأنصار فأسلم ستة نفر كلهم من الخزرج وجعلوا موعدهم العام القابل والثاني في السنة الثانية عشرة وتسمى بيعة العقبة الأولى حضر فيها اثنا عشر رجلاً خمسة من الستة المذكورين وسبعة من غيرهم والثالث في السنة الثالثة عشرة حضر الموسم قريب من خمس مائة نفر ولاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبعون، وقيل بأكثر منها إلى ثلاث وسبعين رجلاً وامرأتان وهذه هي العقبة الكبرى والعقبة الثانية وهي في الحقيقة الثالثة، كذا في الخميس.
لما حضر في الثاني وحضوره في الثالث متواتر عليه الأخبار، كيف وقد حضر الحجة الأولى أخوه (1) فهل ترى جابر بن عبد الله لم يعلم بحال أخيه وأصحابه الآخرين حضروا بيعة العقبة الأولى بل الجواب (2) أن ذكر العدد الخاص لا ينفي ما فوقه.
قوله [فيها جمل لأبي جهل] هذا لا يصح (3) فإن جمل أبي جهل نحر في العمرة الحديبية (4)، ولو سلم ففي عمرة القضاء ولم تصل توبة بقائه إلى حجة
(1) يحتاج إلى تحقيق ولم أعرف من أخوه الذي حضر الأولى.
(2)
وقال الشيخ محب الدين الطبري لعل جابرًا أشار إلى حجتين بعد النبوة وقال ابن حزم حج واعتمر قبل النبوة وبعدها وقبل الهجرة وبعدها حججًا وعمرًا لا يعلمها إلا الله، كذا في الخميس، قلت: لكنهم لا خلاف بينهم في أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد الهجرة إلا مرة واحدة.
(3)
كما بسط الكلام على ذلك في الأوجز.
(4)
فقد أخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداه جملاً كان لأبي جهل، الحديث، وكذا ذكر أصحاب السير من الخميس وغيره، ومعنى قوله لو سلم يعني لو سلم أنه لم ينحر في الحديبية، ولعل وجهه ما في كتب السير من الخميس وغيره أن جعل أبي جهل هذان د من بين الهدايا وذهب مكة ودخل داره فتعاقبه جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد سفهاء قريش أن لا يردوه فمنعهم سهيل بن عمرو وهو المؤسس لبنيان الصلح فنحره أيضًا، انتهى، فلعل منشأ قوله لو سلم نده وذهابه إلى مكة لكنه نحر أيضًا، فتأمل.
الوداع التي نحر فيها النبي صلى الله عليه وسلم مأة من الإبل وهذه المأة (1) التي أتى بها علي، قيل كانت مشتركة بينهما وقيل بل خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم كانت يدنات على رضى الله عنه علاوة (2) عليها وكان اشترى بدنات النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المال (3) لأنه كان عاملاً على اليمن فلا جواب (4) إلا بإرجاع الضمير إلى مطلق الهدايا التي نحرها النبي صلى الله عليه وسلم في زمان من الأزمنة وعمرة من العمر لا إلى الهدايا التي نحرها في حجة الوداع فهذه جملة اعتراضية أوردها الراوي في قصة النبي صلى الله عليه وسلم استطرادًا وإشارة إلى أن هدايا النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكون سمينة لا هزالاً وثمينة ولا رخيصة، وأحب الأموال إلى أهلها لا المرغوب عنها، كيف وجمل أبي جهل وهو سيد قريش جمل أبي جهل أو يكون غلطًا من حد الرواة ونسيانًا، وفي شرب النبي صلى الله عليه وسلم مرقة اللحم إشارة إلى أن المرقة في حكم اللحم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم المرقة أحد اللحمين فيحنث (5) بشرب المرقة من حلف أنه لا يأكل اللحم.
(1) نسبة الإتيان بمأة إلى علي رضي الله عنه مجاز فإنه رضي الله عنه أتى ببعضها كما في حديث الباب وغيره.
(2)
قال المجد العلاوة بالكسر أعلى الرأس، وما وضع بين العدلين ومن كل شيء ما زاد عليه، انتهى.
(3)
يعني اشتراها بماله صلى الله عليه وسلم من بيت المال كما صرح به في تقرير مولانا رضي الحسن المرحوم، قال النووي: ما أهدى به على اشتراه لا إنه من السعاية على الصدقة.
(4)
وأجاب عنه أبو الطيب بأنه أهدى لأنه يذبح بمكة ولم يدخلوا مكة فلم يذبحوه فأهدى في حجة الوداع، انتهى.
(5)
هكذا في الأصل وكذا في الإرشاد الرضى، لكن كلام الفقهاء يشير إلى تقييده بالنية ففي الدر المختار لا حنث في حلفه لا يأكل لحمًا بأكل مرقه أو سمك إلا إذا تواهمًا للعرف، قال ابن عابدين قوله بأكل مرقه قيده في الفتح بحثًا بما إذا لم يجد طعم اللحم أخذًا مما في الخانية لا يأكل مما يجثى به فلان فجاء بحمص فأكل من مرقه وفيه طعم الحمص يحنث، انتهى، وفي العالمكيرية عن الخلاصة لو حلف لا يأكل من هذا اللحم شيئًا فأكل من مرقه لا يخنث إن لم يكن له نية المرقة، انتهى، قلت: وهكذا قيده بالنية غيرهما إلا أن كلام ابن الهمام المذكور يشير إلى إطلاقه ونص كلامه حلف لا يأكل مما يجيئ به فلان فجاء بحمص فطبخ فأكل من مرقه وفيه طعم الحمص حنث، ذكرها في فتاوى قاضي خان، وعلى هذا يجب في مسألة الحلف لا يأكل لحمًا فأكل من مرقه أنه لا يخنث أن يقيد بما إذا لم يجد طعم اللحم، انتهى.