الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجُزء السابع والعشرون
(أبو رجاء العطاردى، واسمه عمران عنه
عن سمرة بن جندب)
4850 -
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن أبى رجاء العطاردى، حدثنا سمرة بن جندب الفزارى. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقول لأصحابه: «هَلْ رَأى أَحَدٌ مِنْكُم رُؤيَا؟» قال: فيقصص عليه ما شاء الله أن يقص.
قال: وإنه قال لنا ذات غداة: «إنه أتانى الليلة آتيان، وإنهما ابتعثانى، وإنهما قالا لى: انطلق وإنى انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه فيثلع (1) بها رأسه فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر (2) فيأخذه، فما يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى.
قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لى: انطلق انطلق.
(1) الثلع: الشرخ. وقيل هو ضربك الشىء الرطب بالشىء اليابس حتى ينشرخ. النهاية: 1/ 133.
(2)
يتدهده الحجر ويتدهدى: / يتدحرج. النهاية: 1/ 37.
فانطلقت معهما، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب (1) حديد، وإذا هو يأتى أحد شقى وجهه، فيشرشر (2) شدقه إلى قفاه، ومنخراه إلى قفاه، وعيناه إلى قفاه. قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل فعله بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك، حتى يصح الأول كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى. قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قالا لى: انطلق انطلق؟
قال: فانطلقنا فأتينا على مثل بناء التنور - قال عوف: وأحسب أنه قال: وإذا فيه لغط وأصوات - قال: فاطلعت، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوَّضوا (3)، قال: قلت: ما هؤلاء؟ قالا لى: انطلق انطلق. فانطلقت، فأتينا على نهر حسبت أنه قال: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل يسبح، ثم يأتى ذلك الرجل الذى قد جمع الحجارة، فيفغر (4) له فاه، فألقمه حجرا حجرا. قال: فينطلق فيسبح ما يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه، وألقمه حجرًا. قال: قلت: ما هذا؟ قال: قالا لى انطلق انطلق.
فانطلقت فأتينا على رجل كريه المرآة (5) كأكره ما أنت راءٍ رجلاً مرآة، وإذا هو عند نار له يحسها (6) ويسعى حولها. قال: قلت: ما هذا؟ قالا لى: انطلق انطلق. فانطلقنا، فأتينا على روضة معشبة فيها من
(1) الكلوب: بتشديد اللام: حديدة معوجة الرأس. النهاية: 4/ 31.
(2)
فيشرشر شدقه إلى قفاه: يشقه ويقطعه. النهاية: 2/ 213.
(3)
ضوضوا: ضجوا واستفاقوا. النهاية: 3/ 28.
(4)
يفغر له فاه: يفتحه. النهاية: 3/ 208.
(5)
كريه المرآة: كريه المنظر، مفعله من الرؤية. النهاية: 2/ 55.
(6)
يحسّها: يمسّها. النهاية: 1/ 227.
كل نور الربيع. قال: وإذا بين ظهرانى الروضة رجل قائم طويل لا أكاد أن/ أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط وأحسنه. قال: قلت لهما: ما هذا وما هؤلاء؟ قالا لى: انطلق انطلق.
قال: فانطلقنا، فانتهينا إلى دوحة عظيمة لم أر قط دوحة أعظم منها ولا أحسن. قال: فقالا لى. ارق فيها، فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا ففتح لنا فدخلنا فتلقانا فيها رجال شطر من خلقتهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: فقالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، فإذا نهر صغير معترض يجرى، كأنما هو المحض (1) في البياض. قال: فذهبوا، فوقعوا فيه، ورجعوا إلينا، وقد ذهب ذلك السوء عنهم وصاروا في أحسن صورة. قال: فقالا لى: هذه جنة عدن. وهذاك منزلك. قال: فبينما بصرى صعد، فإذا قصر مثل الربابة (2) البيضاء. قالا لى: هذا منزلك. قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذرانى فلأدخله. قال: قالا لى: الآن فلا وأنت داخله.
قال: قلت: فإنى رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذه الذى رأيت؟ قال: قالا لى: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذى أتيت عليه يثلع رأسه بالحجر فإنه رجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذى أتيت عليه شدقه إلى قفاه، عيناه إلى قفاه، ومنخراه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في بناء مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزوانى، وأما الرجل الذى يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما
(1) المحض: الخالص من كل شىء: 2/ 81.
(2)
الربابة البيضاء: السحابة التى ركب بعضها بعضًا. النهاية: 2/ 57.
الرجل الكريه المرآة الذى عند النار يمسها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذى رأيت في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولودٍ مات على الفطرة»
قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَأوْلاد المُشركين» .
وأما القوم الذين كان شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا فتجاوز الله عنهم» .
قال عبد الله: قال أبى: سمعت عباد بن عباد يخبر به، عن عوف، عن أبى رجاء، عن سمرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«فَيَتَدهْدهُ الحجرُ ها هُنا، قال أبى: فجعلت أتعجب / من فصاحة عباد» (1) .
رواه البخارى مطولاً، ومقطعًا في أماكن متعددة في صحيحه، ومسلم مختصرا جدًا ليس فيه منام النبى صلى الله عليه وسلم، كلاهما من حديث جرير بن حازم. رواه البخارى أيضًا، والنسائى من حديث عوف الأعرابى، كلاهما عن أبى رجاء العطاردى به (2) .
(1) من حديث سمرة بن جندب فى المسند: 5/ 8.
(2)
أخرجه البخارى مطولا في الجنائز: باب: 3/ 251، وكتاب التعبير: باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح: 12/ 438، وأخرجه أطرافه في الأذان: باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم: 2/ 333، وفى التهجد: باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل: 3/ 24، وفى البيوع: باب آكل الربا وشاهده وكاتبه: 4/ 313، وفى الجهاد باب درجات المجاهدين في سبيل الله: 6/ 11، وفى بدء الخلق: باب إذا قال أحدكم آمين: 6/ 313، وفى كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} : 6/ 387، وفى التفسير: باب «آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا» : 8/ 341، وفى الأدب: باب قول الله تعالى {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ، وما ينهى عن الكذب: 10/ 507؛ وأخرجه مسلم مختصرًات في الرؤيا: 5/ 132؛ وأخرجه النسائى في الكبرى كما فى تحفة الأشراف: 4/ 82.
4851 -
حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عوف، عن أبى رجاء، عن
سمرة بن جندب. قال: قال نبى الله صلى الله عليه وسلم: «رأيْتُ لَيْلَة أُسْرِىَ بى رَجُلاً يَسْبَحُ في نَهْرٍ، ويُلْقَمُ حِجَارَةً، فسَألْتُ مَا هَذا؟ فَقِيلَ لِى: آكِلُ الرِّبَا» (1) .
(1) من حديث سمرة بن جندب فى المسند: 5/ 10.
4852 -
حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا جرير بن حازم، سمعت أبا رجاء العطاردى يُحَدث عن سمرة بن جندب. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة أقبل علينا بوجهه، فقال:«هل رأى أحدٌ مِنْكُم الَّليْلَة رُؤيَا؟» ، فإن كان أحد رأى تلك الليلة رؤيا قصها عليه، فيقول فيها ما شاء أن يقول.
فسألنا يومًا، فقال:«رأى أحدٌ مِنْكُم الَّليْلَة رُؤيَا؟» قال: فقلنا: لا. قال: «لكن أنَا رأيْتُ اللَّيلَةَ رجُلَين أتَيانِى، فأخذا بيدى، فأخرجانى إلى أرض فضاء أو أرض مستوية، فمرَّا بى على رجلٍ، ورجل قائم على رأسه، بيده كلاليب من حديد، فيدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ قفاه، ثم يخرجه، فيدخله في شدقه الآخر، ويلتئم هذا الشدق، فهو يفعل ذلك به. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق انطلق.
فانطلقت معهما، فإذا رجل مستلق على قفاه، ورجل قائم بيده فهر (1) أو صخرة، فيشدخ بها رأسه، فيتهدى الحجر، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع مثل ذلك. قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق. فانطلقت معهما، فإذا بيت مبنى على بناء التنور أعلاه ضيق، وأسفله واسع، يوقد تحته نار، فيها رجال ونساء عراة، فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها. قلت: ما هذا؟ قالا لى: انطلق انطلق.
(1) الفهر: الحجر ملء الكف، وقيل هو الحجر مطلقًا. النهاية: 3/ 220.
فانطلقت، فإذا نهر من دم فيه رجل، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فيقبل الرجل الذى في النهر، فإذا دنا ليخرج، رمى في فيه بحجر، فيرجع إلى مكانه، فهو يفعل ذلك. فقلت: ما هذا؟ فقالا لى: انطق انطلق.
فانطلقت، فإذا روضة خضراء فإذا فيها شجرة عظيمة، وإذا شيخ في أصلها حوله صبيان، وإذا رجل قريب منه بين يديه نار، فهو يحسها فيوقدها، فصعدا بى في الشجرة، فأدخلانى دارًا لم أر قط أحسن منها، فإذا فيها رجال شيوخ وشباب، وفيها نساء وصبيان، فأخرجانى منها، فصعدا في الشجرة، فأدخلانى دارًا أفضل وأحسن منها، فيها شيوخ / وشباب، فقلت لهما: إنكما قد طوَّفْتما بى منذ الليلة، فأخبرانى عما رأيت.
قالا: نعم، أما الرجل الأول الذى رأيت فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة، فتحملُ عنه في الآفاق، فهوة يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة ثم يصنع الله به ما يشاء، وأما الرجل الذى رأيت مستلقيا فرجل أتاه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل بما فيه بالنهار، فهو يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة، وأما الذى رأيت في التنور فهم الزناة، وأما الذى رأيت في النهر فذاك آكل الربا.
وأما الشيخ الذى رأيت في أصل الشجرة فذاك إبراهيم عليه السلام، وأما الصبيان الذى رأيت فأولاد الناس، وأما الرجل الذى رأيت يوقد النار ويحسها، فذاك مالك، خازن النار، وتلك النار، وأما الدار التى دخلتها أولا فدار عامة المؤمنين، وأما الدار الأخرى فدار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل، ثم قالا لى: ارفع رأسك، فرفعت فإذا كهيئة السحاب، فقالا لى: وتلك دارك. فقلت لهما: فدعانى أدخل دارى، فقالا: إنه قد