الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معينٍ تحت نوع، وإدخال ذلك النوع تحت نوعٍ آخر بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم " (1).
ولما كان الاجتهاد في مناطات الأحكام استنباطاً وتنزيلاً من أدقّ أنواع الاجتهاد في الشريعة لقي هذا الموضوع مزيد اعتناءٍ عندي ، ووقع عليه الاختيار دون غيره من الموضوعات.
أسباب اختيار الموضوع:
من أهم الأسباب التي دفعتني لبحث هذا الموضوع -إضافةً إلى ماتقدم- مايأتي:
1 -
إن شرف العلم بشرف المعلوم، وشرف البحث بشرف المبحوث، وهذا البحث يتعلق بأهم مباحث أصول الفقه ، وهو الاجتهاد في الأوصاف والمعاني التي أنيطت بها الأحكام استنباطاً وتنقيحاً وتنزيلاً على الأشخاص والأحوال والوقائع المستجدَّة في كل عصرٍ ومصر.
2 -
الاجتهاد في المناط يتعلق غالباً بالنظر في أهم ركنٍ من أركان القياس وهو العِلَّة؛ وذلك لأن الأنواع الثلاثة للاجتهاد في المناط تشترك كلها في أنها تَرِدُ على العِلَّة، إما لتنقيحها إذا كانت العِلَّة منصوصةً واقترنت بها أوصافٌ لاتصلح للعليَّة، أو لتخريجها إذا كانت العِلَّة مستنبطة، أو لتحقيقها في الفرع سواءً ثبتت العِلَّة في حكم الأصل بالنصِّ أو الإجماع أو الاستنباط.
ويعتبر الاجتهاد في العِلَّة من أدقِّ مباحث القياس الأصولي، وأكثرها اشتباهاً، وأشدها التباساً ، وهو أمرٌ يستدعي البحث والتحقيق في المطالب المتعلقة بالاجتهاد فيها.
3 -
الاجتهاد في المناط يشمل جميع الأحكام الشرعية، فلا يخلو حكمٌ شرعيٌّ من الحاجة إلى النظر في تنقيح المناط أو تحقيقه أو تخريجه.
قال الشاطبي: " ولو فُرِض ارتفاع هذا الاجتهاد - أي: تحقيق المناط - لم تنزَّل الأحكام الشرعية على أفعال المكلَّفين إلا في الذهن؛ لأنها مطلقاتٌ
(1) درء تعارض العقل والنقل: (7/ 342 - 343).
وعمومات، وما يرجع إلى ذلك منزَّلاتٌ على أفعال مطلقاتٍ كذلك ، والأفعال لا تقع في الوجود مطلقة ، وإنما تقع معينةً مشخصةً ، فلا يكون الحكم واقعاً عليها إلا بعد المعرفة بأن هذا المعين يشمله ذلك المطلق أو ذلك العام " (1).
4 -
الاجتهاد في المناط يتعلق بجميع الأدلة الشرعية، ولا يخلو دليلٌ شرعيٌّ من تعلُّقٍ بأحد أنواعه الثلاثة.
5 -
الاجتهاد في المناط سببٌ من أهم أسباب اختلاف المجتهدين في عامة أبواب الشريعة.
فالناظر في كثيرٍ من المسائل الخلافية بين المجتهدين في القديم والحديث يجد أن من أهم أسباب الاختلاف في تلك المسائل ما يرجع إلى الاختلاف في مناط الحكم ،ومعرفة المحكوم فيه على حقيقته، وما يدخل فيه وما لا يدخل ،ومكونات الأشياء ومميزاتها ،وخصائص الأعيان وأوصافها، وأسباب الأفعال ومآلاتها، ونحو ذلك مما له تأثيرٌ في الحكم حسب نظر المجتهد.
وكما يقول ابن رشد القرطبي: " لربما اتفقوا على مضمون القاعدة الأصولية أو الفقهية إلا أنهم يختلفون في تحققها في الواقعة والنازلة المعروضة "(2).
6 -
كثرة الوقائع والحوادث التي تختلف أحكامها بحسب اختلاف مناطاتها، وهو ما يستوجب ضبط الاجتهاد في طلب أحكام تلك الوقائع وتحقيق مناطاتها، والإسهام بجهدٍ تأصيليٍّ وتطبيقيٍّ في هذا الموضوع.
ولا شك أن التقصير في هذا النوع من الاجتهاد يفضي إلى تنزيل الأحكام الشرعية على صورٍ متشابهةٍ في الظاهر متباينةٍ في الحقيقة، كما يفضي إلى صرف الحكم الشرعي عن بعض أفراده المنطبقة عليه.
قال الشاطبي: " الشريعة لم تنصّ على حكم كلِّ جزئيةٍ على حِدتها ،
(1) الموافقات: (5/ 17).
(2)
بداية المجتهد: (1/ 458).