الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قياس العِلَل مطلقاً، ولا يكتفي بالسَّبْر، ولا الدوران بمجرَّدِه، وعلى ذلك جمهور أصحابنا، فإذا انضمَّ الدورانُ إلى المناسبة رقي بهذه الزيادة إلى اليقين، وإلا فأيُّ وجهٍ لتخيُّلِ القطع في مجرَّد الدوران؟ " (1).
وعلى فرض اشتراط ظهور المناسبة فإن مناسبة الوصف لا تمنع الاحتمال، ومع الاحتمال لا يثبت القطع (2).
القول الثاني: أن الدوران يفيد العِلِّيَّة ظناً بشرط عدم المُزَاحِمِ وعدم المانع
.
وقد ذهب إلى ذلك جمهور الأصوليين (3).
واستدلوا عليه بالآتي:
أولاً: إن هذا الحُكْم لابدَّ له من عِلَّة، والعِلَّة إما هذا الوصف أو غيره، والأول هو المطلوب، والثاني لا يخلو إما إن يكون ذلك الغير كان موجوداً قبل حدوث هذا الحُكْم، أو ما كان موجوداً قبله، فإن كان موجوداً قبله وما كان الحُكْم موجوداً لزم تخلُّف الحُكْم عن العِلَّة، وهو خلاف الأصل، وإن لم يكن موجوداً فالأصل في الشيء بقاؤه على ما كان عليه، فيحصل ظنٌّ أنه بقي كما كان غير عِلَّة، وإذا حصل ظنٌّ أن غيره ليس بعِلَّةٍ حصل ظنُّ كون هذا الوصف عِلَّةً لا محالة (4).
واعتُرِض عليه: بأنه كما دار الحُكْم مع حدوث ذلك الوصف وجوداً
(1) رفع الحاجب عن مختصر بن الحاجب: (4/ 350).
(2)
ينظر: الآيات البينات على شرح المحلي على جمع الجوامع (4/ 112)، حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 289).
(3)
ينظر: البرهان (2/ 835 - 836)، شفاء الغليل (268)، المحصول (5/ 207)، نهاية الوصول
…
(8/ 3352)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 413)، شرح تنقيح الفصول (396)، نهاية السول
…
(4/ 121)، البحر المحيط للزركشي (5/ 243)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 289)، شرح الكوكب المنير (4/ 193)، إرشاد الفحول (2/ 917).
(4)
ينظر: المحصول (5/ 208)، نهاية الوصول (8/ 3353)، الإبهاج (3/ 74)، نهاية السول
(4/ 121 - 124).
وعدماً، فكذلك دار مع تعيين ذلك الوصف وحصوله في المحلّ، فامتنعت إضافة الحُكْم إلى الوصف، أو تكون العِلَّة مجموعَ الوصف مع تعيُّنِه وحصوله في المحلّ، وذلك يمنع التعدية (1).
وأجيب عنه: بأن التعيين والحصول في المحلِّ أمران عدميان، إذ لو كانا وجوديين لزم أن يكون للتعيين تعيُّنٌ آخر، وللحصول في المحلِّ حصولٌ آخر فيتسلسل، ضرورةَ مشاركةِ التعيينِ حينئذٍ لسائر التعيينات في كونه تعيُّناً، وامتيازه عنها بخصوصية، وكذا الحصول في المحلِّ فإنه حينئذٍ يكون له حصولٌّ في المحل؛ إذ هو ليس بجوهرٍ قائمٍ بنفسه، وهو معلومٌ بالضرورة، فيكون له حصولٌ في المحلّ، فثبت أنهما أمران عدميان، وحينئذٍ لا يجوز أن يكونا جزئي عِلَّة ولا مزاحماً لها (2).
ثانياً: أن من دُعِيَ باسمٍ فغضب، ولا يغضب إذا دُعِىَ بغيره، ثم تكرر الغضب مع تكرر مناداته بذلك الاسم، فإنه يحصل الظنُّ بأنه إنما غضب لأنه دُعِيَ بذلك الاسم، وهذا الظنُّ إنما حصل من الدوران، وإذا ثبت أن الدوران يفيد ظنَّ العِلِّيَّة في مثل هذه الصورة فإنه يجب أن يثبت الظنُّ في غيرها؛ لأن هذا من العدل الذي أمر الله به، وهو التسوية، ولن تحصل التسوية بين الدورانات إلا بعد إشراكهما في إفادة الظنّ (3).
ثالثاً: إن العقلاء بأسرهم مع اختلاف عقائدهم وآرائهم يفزعون في أمر الأدوية والأغذية إلى التجربة، فهم عندما يرون أن التجارب أثبتت أن الأثر الفلاني مما يُعَدُّ صحةً ونشاطاً قد حصل عند استعمال الدواء أو الغذاء الفلاني وتكراره، ولم يحصل حالة انعدامها، فإنهم سيتمسكون به عندما يريدون الحصول على ذلك الأثر، ولولا غلبة ظنِّهم أن استعماله سببٌ لذلك الأثر لما
(1) ينظر: المحصول (5/ 208)، نهاية الوصول (8/ 3353)، الإبهاج (3/ 74).
(2)
ينظر: المحصول (5/ 209 - 210)، نهاية الوصول (8/ 3353 - 3354)، الإبهاج (3/ 74).
(3)
ينظر: المحصول (5/ 210 - 211)، نهاية الوصول (8/ 3354)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 413)، شرح تنقيح الفصول (397)، شرح الكوكب المنير (4/ 194).