الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الأدلة على اعتبار العمل بتحقيق المناط
في هذا المبحث سأتناول الأدلة على إثبات العمل بمقتضى الاجتهاد في تحقيق المناط، وهي على النحو الآتي:
الدليل الأول: إن الشريعة لم تنصّ على حُكْم كلِّ واقعةٍ بعينها أو كلِّ شخصٍ بعينه؛ لأن الوقائع والحوادث لا حصر لها.
قال الشهرستاني (1):
" وبالجملة نعلم قطعاً ويقيناً أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرُّفات مما لا يقبل الحصر والعدّ، ونعلم قطعاً أنه لم يَرِد في كلِّ حادثةٍ نصٌّ، ولا يُتَصَوَّر ذلك أيضاً "(2).
وإنما جاءت الشريعة في أكثر الأحكام بأدلةٍ كليَّةٍ وألفاظٍ عامَّةٍ أو مُطْلَقَةٍ يندرج تحتها أفرادٌ من الوقائع والجزئيات لا حصر لها، ونبَّهت على المعاني التي تتعلَّق بها تلك الأحكام وجوداً وعدماً.
قال الشاطبي: " ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنصّ على حُكْم كلِّ جزئيةٍ على حِدَتِها، وإنما أتت بأمورٍ كليَّةٍ وعباراتٍ مطلقةٍ تتناول أعداداً لا تنحصر "(3).
وإذا كان الأمر كذلك لم يَبْقَ حينئذٍ إلا الاجتهاد في إثبات مُتَعَلَّق تلك الأحكام في الوقائع المتجدِّدة والجزئيات الحادثة، سواءٌ كان ذلك المُتَعَلَّق عِلَّةً أو قاعدةً كليَّةً أو معنى لفظٍ عامٍّ أو مطلقٍ كما تقدَّم (4)، فلا تبقى صورةٌ من
(1) هو: محمد بن عبدالكريم بن أحمد، أبو الفتح، الشهرستاني، من كبار علماء الكلام كان مبالغاً في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم، من مؤلفاته: الملل والنحل (ط)، ونهاية الإقدام في علم الكلام، وغيرهما، توفي بشهرستان سنة (548 هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (4/ 78)، وفيات الأعيان (4/ 273)، الأعلام للزركلي (6/ 215).
(2)
الملل والنحل: (1/ 197).
(3)
الموافقات: (5/ 14).
(4)
ينظر: (194 - 195).
الصور الحادثة إلا وللمجتهد فيها نظرٌ حتى يحقِّق تحت أيِّ دليلٍ تدخل، ولو لم يكن ذلك مشروعاً لما تحقَّق معنى العموم في الشريعة مع تجدُّد الأزمنة والأمكنة والأحوال، وتعدُّد الوقائع والحوادث.
قال ابن تيمية: " فالكتاب والسُّنَّة بيَّنا جميعَ الأحكام بالأسماء العامة، لكن يُحتاج إدخال الأعيان في ذلك إلى فهمٍ دقيقٍ ونظرٍ ثاقب لإدخال كلِّ معيَّنٍ تحت نوع، وإدخال ذلك النوع تحت نوعٍ آخر بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ فكلٌّ من الحوادث شملها خطابُ الشارع، وتناولها الاعتبار الصحيح، وخطاب الشارع العام الشامل دلَّ عليها بطريق العموم الذي يرجع إلى تحقيق المناط "(1).
الدليل الثاني: إن المقصود من تقرير الأحكام الشرعيَّة تنزيلها على الوقائع والأشخاص المعينة في كلِّ زمانٍ ومكان، ولا يمكن تصوُّر ذلك إلا بالاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام.
قال الشاطبي: " المقصود من وضع الأدلة تنزيل أفعال المكلَّفين على
…
حسبها" (2).
ولو فُرِضَ عدم صحة العمل بالاجتهاد في تحقيق المناط لبقيت الأحكام الشرعيَّة مُطْلَقَةً لا تُتَصَوُّر إلا في الأذهان، ولا وجود لها في الخارج.
قال الشاطبي: " ولو فُرِضَ ارتفاع هذا الاجتهاد لم تُنَزَّل الأحكام الشرعيَّة على أفعال المكلَّفين إلا في الذهن؛ لأنها مُطْلَقاتٌ وعمومات، وما يرجع إلى ذلك مُنَزَّلاتٌ على أفعالٍ مطلقاتٍ كذلك، والأفعال لا تقع في الوجود مُطْلَقَة، وإنما تقع مُعَيَّنَةً مُشَخّصَةً، فلا يكون الحُكْم واقعاً عليها إلا بعد معرفةٍ بأن هذا المُعَيَّن يشمله ذلك المُطْلَق أو ذلك العام "(3).
(1) درء تعارض العقل والنقل: (7/ 342 - 343).
(2)
الموافقات: (3/ 217).
(3)
المرجع السابق: (5/ 17).
ولهذا اعتبر العلماء الاجتهاد في تحقيق المناط من ضرورات الشريعة (1).
قال ابن تيمية: " فهذا الاجتهاد مما اتفق عليه العلماء، وهو ضروريٌّ في كلِّ شريعة، فإن الشارع غاية ما يمكنه بيان الأحكام بالأسماء العامة الكليَّة، ثم يُحْتَاج إلى معرفة دخول ما هو أخصّ منها تحتها من الأنواع والأعيان "(2).
الدليل الثالث: لو فُرِض التكليف مع إمكان ارتفاع الاجتهاد في تحقيق المناط لكان ذلك تكليفاً بالمُحَال، وهو غير ممكنٍ شرعاً، كما أنه غير ممكنٍ عقلاً؛ لأنه لا يتأتَّى امتثال التكليف إلا بمعرفة المكلَّف به، وهي لا تكون إلا بهذا النوع من الاجتهاد، حيث إن معرفة المكلَّف به شرطٌ لإمكان الامتثال، وفَقْدُه رافعٌ لهذا الإمكان، فيكون التكليف مع عدم إمكان الامتثال تكليفاً بالمُحَال، والتكليف بالمُحَال غير واقعٍ شرعاً، كما أنه غير واقعٍ عقلاً (3).
وبناءً على هذا فإن الاجتهاد في تحقيق المناط لا يقتصر على الحاكم والمفتي، بل يشمل كلَّ مكلَّفٍ في نفسه فيما كان واضحاً بالنسبة له، لأنه أَعْرَفُ بحال نفسه.
قال الشاطبي: " فالحاصل أنه لابدَّ منه بالنسبة إلى كلِّ ناظِرٍ وحاكِمٍ ومفتٍ، بل بالنسبة إلى كلِّ مكلَّفٍ في نفسه "(4).
ثم ضرب على ذلك مثالاً يوضحه فقال: " فإن العامِّي إذا سمع في الفقه أن الزيادة الفعلية في الصلاة سهواً من غير جنس أفعال الصلاة أو من جنسها إن كانت يسيرةً فمغتفَرة، وإن كانت كثيرةً فلا، فوقعت له في صلاته زيادة، فلابدَّ له من النظر فيها حتى يردَّها إلى أحد القسمين، ولا يكون ذلك إلا باجتهادٍ ونظر، فإذا تعيَّن له قِسْمُها تحقَّق له مناط الحُكْم، فأجراه عليه،
(1) ينظر: رسالة في أصول الفقه للعُكْبَري (82)، المستصفى (3/ 487)، شفاء الغليل (409)، روضة الناظر (3/ 803)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 235)، الإبهاج (3/ 83)، نشر البنود (2/ 208).
(2)
درء تعارض العقل والنقل: (7/ 337).
(3)
ينظر: الموافقات مع تعليقات دراز (5/ 17 - 18).
(4)
الموافقات: (5/ 16).
وكذلك سائر تكليفاته " (1).
وذلك لأن تحقيق المناط من مستلزمات الامتثال لأحكام الشريعة؛ إذ لا يُتَصَوّر الامتثال بدون معرفة المكلَّف به، ومعرفةُ المكلَّف به منوطةٌ بإثبات مُتَعَلَّق الحُكْم في ذلك الشيء، وهو الاجتهاد في تحقيق المناط (2).
قال الشاطبي في بيان منزلة هذا الدليل: " وهو أوضح دليلٍ في المسألة"(3).
الدليل الرابع: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي اختلاف الأحوال والأشخاص، وينزِّل الأحكام على كلِّ مكلَّفٍ بما يليق به، ويتحقَّق معه مقصود الشريعة في ذلك الحُكْم، وهذا يستلزم إثبات مُتَعَلَّق حُكْمٍ شرعيٍّ في محلٍّ ما، وهو تصرُّفٌ يدل على صحة اعتبار هذا النوع من الاجتهاد، ومن ذلك:
أولاً: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقاتٍ مختلفةٍ عن أفضل الأعمال فأجاب بإجاباتٍ مختلفةٍ، كلُّ إجابةٍ لو حُمِلت على إطلاقها أو عمومها لاقتضى ذلك التضادَّ مع غيره في التفضيل، ولكن التفضيل لم يقع مطلقاً، إنما كان بحسب اختلاف الأحوال والأشخاص (4).
فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل: أيُّ العمل أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله ورسوله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مبرور" (5).
وعن ابن مسعود (6) رضي الله عنه قال: " سأَلْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيُّ؟ قال ثم
…
بِرُّ الوالدين، قلت: ثم
(1) الموافقات: (5/ 16 - 17).
(2)
ينظر: تعليقات دراز على الموافقات (5/ 18).
(3)
الموافقات: (5/ 17 - 18).
(4)
ينظر: الموافقات (5/ 27).
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب الإيمان، باب من قال إن الإيمان هو العمل، رقم (26)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، رقم (83).
(6)
هو: أبو عبدالرحمن عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي، صحابيٌّ جليل، يلقب بابن أم عبد، من السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها، وكان ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم في حِلّة وترحاله وغزواته، توفي بالمدينة سنة (32 هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (3/ 150 - 161)، الإصابة (6/ 214)، الإعلام للزركلي (4/ 137).
أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله " (1).
وعن أبي أمامة (2) رضي الله عنه قال: " أتيتُ رسولَ الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرْني بأمرٍ آخُذُهُ عنك، قال: عليك بالصوم فإنه لا مِثْلَ له "(3).
وعن عبدالله بن عمرو (4) رضي الله عنهما: أن رجلاً سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: تُطِعمُ الطعام، وتَقْرأ السلامَ على مَنْ عَرَفْت ومَنْ لم تَعْرفْ" (5).
فهذه الأحاديث التي أجاب فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال بأجوبةٍ مختلفة، لو حُمِلَت كلُّ إجابةٍ على الإطلاق أو العموم لاقتضى ذلك التضادَّ في التفضيل، ولكنَّ التفضيل لم يقع مطلقاً، إنما كان بحسب وقتٍ دون وقت، وحالٍ دون حال، وشخصٍ دون شخص.
قال الشاطبي: " جميعها يدلُّ على أن التفضيل ليس بمُطْلَق، ويشعِر إشعاراً ظاهراً بأن القصد إنما هو بالنسبة إلى الوقت أو إلى حال السائل"(6).
ثانياً: دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه بكثرة المال حيث قال عليه الصلاة والسلام: " اللهم أَكْثِر مالَه وولَده، وبارك له فيما أعطيته "(7).
وقال لثعلبة بن حاطب (8) رضي الله عنه حين سأله الدعاء له بكثرة المال: " قليلٌ تؤدي شكره خيرٌ من كثيرٍ لا تطيقه "(9).
(1) أخرجه البخاري في " صحيحه"، كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، رقم (527)، وأخرجه مسلم في " صحيحه"، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، رقم (85).
(2)
هو: صُديّ بن عجلان بن وهب الباهلي، أبو أمامة، صحابيٌّ جليل، كان مع علي رضي الله عنهما في صفين، وسكن الشام، وهو آخر من مات من الصحابة في الشام سنة (86 هـ).
ينظر في ترجمته: الاستيعاب (4/ 1602)، أسد الغابة (5/ 16)، الأعلام للزركلي (3/ 203).
(3)
أخرجه النسائي في " سننه"، كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، رقم (2219)، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، رقم (1893)، وأخرجه
…
ابن حبان في "صحيحه"، رقم (3425)، وصححه الألباني في " صحيح وضعيف سنن النسائي"(5/ 364).
(4)
هو: عبدالله بن عمرو بن العاص، من قريش، صحابي جليل، كان يحسن السريانية، وكان عابداً من النساك، وشهد الحروب والغزوات، توفي سنة (65 هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (2/ 373)، سير أعلام النبلاء (3/ 79)، الأعلام للزركلي (4/ 111)
(5)
أخرجه البخاري في " صحيحه"، كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام، رقم (12)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، رقم (39).
(6)
الموافقات: (5/ 31).
(7)
أخرجه البخاري في " صحيحه "، كتاب الدعوات، باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة، رقم (6379)، وأخرجه مسلم في " صحيحه"، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس رضي الله عنه، رقم (2480) من حديث أم سليم رضي الله عنهما.
(8)
هو: ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف بن مالك الأنصاري الأوسي، صحابي جليل، شهد غزوة بدر، وشهد أحداً، واستشهد فيها سنة (3 هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (3/ 460)، الاستيعاب (1/ 209)، أسد الغابة (1/ 283).
(9)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "، رقم (7873)، وأخرجه البيهقي في " الدلائل "(5/ 289).
ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى اختلاف حال الشخصين، وما هو أصلح في حقِّ كلٍّ منهما في دنياه وآخرته.
ثالثاً: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ الغفاري (1) رضي الله عنه عن الإمارة والولاية على مال اليتيم حيث قال له: " يا أبا ذرٍّ إنيِّ أراك ضعيفاً وإني أُحِبُّ لك ما أُحِبَّ لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين ولا تولَّينَّ مالَ يتيم "(2).
ومعلومٌ أن كلا العملين من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحقِّ الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين "(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا وكافل اليتيم في الجَنَّة هكذا " وقال بإصبعيه السبابة والوسطى (4).
ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبا ذرٍّ رضي الله عنه عن هذين العملين لما علم له خصوصاً في ذلك من الصلاح في شأنه بترك ذلك، وكلُّ ولايةٍ لها شروطها التي قد تتوافر في شخصٍ دون آخر (5).
رابعاً: فرَّق النبيُّ صلى الله عيه وسلم في قبول الصدقات بين الصحابة رضي الله عنهم، حيث قَبِل صلى الله عليه وسلم من أبي بكر رضي الله عنه كلَّ مالِه (6)، ونَدَبَ كعباً (7) رضي الله عنه إلى استبقاء بعضه وقال:" أَمسِكْ عليك بعض مالِك فهو خيرٌ لك "(8)، وجاء آخر بمثل البيضة من
(1) هو: أبو ذر جُندب بن جُنادة بن سفيان الغفاري، صحابي جليل، كان خامس مَنْ أسلم، وكان زاهداً كريماً لا يخزن من المال قليلاً ولا كثيراً، ولما مات لم يكن في داره ما يكفن به، توفي بالربذة سنة (32 هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (4/ 219)، الاستيعاب (1/ 252)، الأعلام للزركلي (2/ 140).
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه"، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمامة بغير ضرورة، رقم (1826).
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه"، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم (1827).
(4)
أخرجه البخاري في " صحيحه"، كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيماً، رقم (6005) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.
(5)
ينظر: الموافقات (5/ 33).
(6)
أخرجه الترمذي في " جامعة "، أبواب الزكاة، باب في مناقب أبي بكر رضي الله عنه، رقم (3675)، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود في " سننه"، كتاب الزكاة، باب الرخصة في جواز التصرف بجميع المال، رقم (1678).
(7)
هو: كعب بن مالك بن عمرو الأنصاري السلمي، صحابي جليل، من أكابر الشعراء في الإسلام، وشهد أكثر الوقائع مع النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (50 هـ).
ينظر في ترجمته: الاستيعاب (3/ 1323)، أسد الغابة (4/ 187)، الأعلام للزركلي (5/ 228).
(8)
أخرجه البخاري في " صحيحه "، كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم (4418)، وأخرجه مسلم في " صحيحه"، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم (2769).
الذهب فردَّها في وجهه، وقال:"يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يَسْتَكِفُّ الناسَ، خيرُ الصدقة ما كان عن ظهر غِنَى"(1).
ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى في ذلك اختلاف أحوال الأشخاص، وما هو أصلح في حقِّ كلِّ واحدٍ منهم في دنياه وآخرته.
فهذه الأحاديث وغيرها كلُّها تدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يراعي اختلاف الأحوال والأشخاص، وينزِّل الأحكام على كلِّ مكلَّفٍ بما يليق به، وهذا لا يُتَصَوّر إلا بإثبات مُتَعَلَّق الحُكْم الشرعي في بعض أفراده، وهو تصُّرفٌ نبويٌّ يُعْتَبر من صور الاجتهاد في تحقيق المناط الخاص، كما أنه دليلٌ على اعتبار أصل هذا النوع من الاجتهاد جملة؛ لأنه مندرجٌ في عموم الاستدلال على إثبات العمل في تحقيق المناط (2).
قال الشاطبي: " وما تقدَّم وأمثاله كافٍ مفيدٌ للقطع بصحة هذا الاجتهاد"(3).
(1) أخرجه أبو داود في " سننه "، كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله، رقم (1673)، وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه"، رقم (2441)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، رقم (3372)، والحاكم في "مستدركه" (1/ 413) وقال:" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي.
(2)
ينظر: الموافقات (5/ 26).
(3)
المرجع السابق: (5/ 38).
الفصل الرابع
ضوابط تحقيق المناط
ويشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: التصوُّر الصحيح التام للواقعة ومعرفة حقيقتها.
المبحث الثاني: مراعاة اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة.
المبحث الثالث: اعتبار مآلات الأفعال والأقوال الصادرة عن المكلَّفين.
المبحث الرابع: مراعاة اختلاف مقاصد المكلَّفين.
المبحث الخامس: الموازنة بين المصالح والمفاسد المتعارضة.