الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع
خطاب الضمان البنكي
الضمان لغةً: مأخوذٌ من الضِمْن ، وضمَّنت الشيء، إذا جعلته في وعائه، والكفالة تُسمَّى ضماناً من هذا ; لأنه إذا ضَمِنَه فقد استوعب ذمته، والضمين هو: الكفيل (1).
والضمان البنكي اصطلاحاً هو: عبارةٌ عن تعهدٍ كتابيٍّ بناءً على طلب العميل؛ يلتزِم فيه المَصْرِف لصالح العميل في مواجهة شخصٍ ثالثٍ بدفع مبلغٍ معينٍ في وقتٍ معين (2).
وتنقسم خطابات الضمان من حيث الغطاء وعدمه إلى ثلاثة أقسام (3):
القسم الأول: خطاب الضمان المقابل بغطاءٍ كامل ،وهو الخطاب الذي يصدر من البنك لصالح المستفيد بعد أن يودع العميل في حسابه البنكي ما يساوي ضمان الخطاب، ويودع مبلغ الغطاء في حسابٍ يُسمَّى احتياطي الضمان، ولا يجوز للعميل أن يتصرف فيه حتى ينتهي تاريخ التزام البنك بالخطاب.
والقسم الثاني: خطاب الضمان المقابل بغطاءٍ جزئي، وهو الخطاب الذي يصدر من البنك بعد أن يودع العميل في حسابه ما هو أقل من ضمان الخطاب.
(1) ينظر: الصحاح (6/ 2115) ، معجم مقاييس اللغة (3/ 372) ، لسان العرب (13/ 257) مادة"ض م ن".
(2)
ينظر: الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية (ج 5/مج 1/ 464) ، خطابات الضمان المصرفية، علي جمال الدين عوض (11 - 12).
(3)
ينظر: الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية (ج 5/مج 1/ 465).
فإذا كان خطاب الضمان البنكي كما تقدم فما حُكْم أخذ البنك أجرةً - عمولة - من العميل على إصدار خطاب الضمان؟
لقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك في دورته الثانية بجدة من 10 - 16 ربيع الآخر 1406 هـ، الموافق 22 - 28 كانون الأول (ديسمبر) 1985 م.
وقرر المجلس ما يلي:
أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان - والتي يراعى فيها عادةً مبلغ الضمان ومدته - سواء أكان بغطاءٍ أم بدونه.
ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزةٌ شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المِثْل، وفي حالة تقديم غطاءٍ كليٍّ أو جزئي، يجوز أن يُراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء (1).
ويمكن إبراز أوجه تطبيق الاجتهاد في المناط على هذه المسألة فيما يأتي:
أولاً: من ضوابط الاجتهاد في المناط التصوُّر التام للواقعة ومعرفة حقيقتها، ومكوناتها ، وخصائصها، كما تقدم (2).
وقد راعى مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذا الضابط في تحقيق مناط الضمان أو الكفالة في خطاب الضمان البنكي غير المغطَّى، وذلك باعتبار أن الضمان أو الكفالة هي ضمُّ ذمَّة الضامن إلى ذمَّة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً ، وهذا موجودٌ في خطابات الضمان، فالمَصْرِف يلتزم الدَّين الذي يكون على العميل تجاه الغير في وقتٍ محدد.
كما راعى -أيضاً- مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر
(1) ينظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية بجدة
من 10 - 16 ربيع الآخر 1406 هـ، الموافق 22 - 28 كانون الأول (ديسمبر) 1985 م.
(2)
ينظر: (223 - 228).
الإسلامي هذا الضابط في تحقيق مناط الوكالة في خطاب الضمان البنكي المُغطَّى، وذلك باعتبار أن الوكالة هي إقامة الغير مقام النفس في تصرُّفٍ جائزٍ معلوم، وهذا موجودٌ في خطاب الضمان، فالعميل يوكِّل المصرف في تصرُّفٍ معلومٍ جائز؛ وهو أن يسدِّد عنه إذا لم يسدِّد هذه الضمانات أو لم يقم بهذه العملية ونحو ذلك.
حيث ورد في القرار ما نصُّه: " وبعد النظر فيما أُعد في خطاب الضمان من بحوث ودراسات، وبعد المداولات والمناقشات المستفيضة التي تبين منها:
أولاً: أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاءٍ أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضمُّ ذمَّة الضامن إلى ذمَّة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.
وإن كان خطاب الضمان بغطاء ، فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مُصْدِرِه هي: الوكالة، والوكالة تصح بأجرٍ أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) " (1).
والتفريق في الأحكام -كما سيأتي- بين خطاب الضمان المغطَّى وغير المغطَّى قد بُنيَ على تصورٍ تام لهذا النوع من المعاملات البنكية ، وبعد معرفةٍ لحقيقتها، وهو المقصود من مراعاة هذا الضابط أثناء الاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام.
ثانياً: تقرر شرعاً أنه لايجوز أخذ الأجرة على الضمان.
وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة (5).
(1) ينظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية بجدة من 10 - 16 ربيع الآخر 1406 هـ، الموافق 22 - 28 كانون الأول (ديسمبر) 1985 م.
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (20/ 32).
(3)
ينظر: مواهب الجليل (4/ 391).
(4)
ينظر: مغني المحتاج (3/ 218).
(5)
ينظر: المغني (7/ 91).
بل إن ابن المنذر حكى الإجماع في ذلك فقال: " أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحِمالة بجُعلٍ يأخذه الحميل، لا تحلّ ولا تجوز "(1).
وذلك لأنه في حال عدم وفاء المضمون عنه بالالتزام تجاه الطرف الثالث يكون الضامن ملزَماً بأداء الدَّين بناءً على عقد الضمان، وإذا أدَّاه وجب ذلك المبلغ المضمون عنه ،فصار الضمان في هذه الحالة كالقرض ، فإذا أخذ عنه عوضاً صار قرضاً جرَّ نفعاً (2).
وقد اجتهد مجلس مجمع الفقه الإسلامي في تحقيق مناط هذا الحُكْم في خطاب الضمان غير المُغطَّى؛ لأنه في حالة أداء الكفيل (البنك) مبلغَ الضمان فإنه يشبه القرض، فإذا أخذ البنك عنه عوضاً صار قرضاً جرَّ نفعاً على المقرِض، وهو محرَّمٌ شرعاً.
حيث ورد في القرار ما نصُّه: " إن الكفالة هي عقد تبرعٍ يُقصَد به الإرفاق والإحسان، وقد قرَّر الفقهاء عدم جواز أخذ العوِض على الكفالة؛ لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جرَّ نفعاً على المقرِض، وذلك ممنوع شرعاً".
ولأن الأصل في الضمان أنه من عقود الإرفاق والإحسان، فإذا شرط الضامن لنفسه حقاً مالياً خرج عن موضوعه، فمنع صحته (3).
وقد اجتهد مجلس مجمع الفقه الإسلامي في تحقيق مناط هذا الحُكْم في خطاب الضمان الذي يأخذ عليه البنك أجراً-عمولة - من العميل ، سواء كان خطاب الضمان مُغطَّى كلياً أو جزئياً أو غير مُغطَّى ، وذلك باعتبار أنه عقد كفالة، وعقد الكفالة من عقود التبرع التي يقصد بها الإرفاق والإحسان، ويجوز في هذه الحالة أن يأخذ البنك قيمة المصروفات الفعلية التي تكلِّفها عملية إصدار خطاب الضمان.
(1) ينظر: الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/ 120).
(2)
ينظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير (3/ 404) ،كشاف القناع (8/ 146) ،الربا والمعاملات المصرفية، عمر المترك (387).
(3)
ينظر: الأم (3/ 234)، المبسوط (20/ 8) ،الربا والمعاملات المصرفية، عمر المترك (387).
حيث ورد في القرار مانصُّه: ": أن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاءٍ أو بدونه، فإن كان بدون غطاءٍ فهو: ضمُّ ذمَّة الضامن إلى ذمَّة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة".
"وإن كان خطاب الضمان بغطاءٍ فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي: الوكالة، والوكالة تصح بأجرٍ أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) ".