الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُلْحَق به غير الأعرابي، ويُلْحَق به مَنْ أفطر في رمضانٍ آخر، ويُلْحَقُ به مَنْ وطِئ أَمَتَهُ، ويُلْحَق به الزاني، وبهذا يكون الوصف الصالح للتعليل هو" وقاعُ مُكَلَّفٍ في نهارِ رمضان"(1).
النوع الثالث: تخريج المناط
.
وهو: استنباط عِلَّة الحُكْم الذي دلَّ النصُّ أو الإجماع عليه من غير تعرُّضٍ لبيان عِلَّته لا صراحةً ولا إيماءً (2).
ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُرّ بالبرّ والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مِثْلاً بِمِثْل"(3).
فإن هذا النصَّ لم يتضمَّن ما يدل على عِلَّة تحريم الرِّبا في هذه الأصناف المذكورة لا صراحةً ولا إيماءً، فيُجْتَهَد في استنباط عِلَّة الحُكْم بمسلكٍ من مسالك العِلَّة المُسْتَنْبَطَة (4).
ولا يستدعي المقام - هنا - الإسهاب والتفصيل؛ لأني أفردت كل نوعٍ من أنواع الاجتهاد في المناط ببابٍ مستقِلٍّ يشتمل على تعريفه، وصوره، وأمثلته، والمسائل المتعلِّقة به (5).
(1) ينظر: رسالة في أصول الفقه للعُكْبَري (85)، المستصفي (3/ 488 - 489) روضة الناظر (3/ 804)، الإحكام للآمدي (3/ 380)، شرح تنقيح الفصول (389) تيسير التحرير (4/ 42)، شرح الكوكب المنير (4/ 131).
(2)
ينظر: رسالة في أصول الفقه للعُكْبَري (85)، المستصفى (3/ 490)، روضة الناظر (3/ 805)، الإحكام للآمدي (3/ 380)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 242)، شرح تنقيح الفصول (389)، الإبهاج في شرح المنهاج (6/ 2401)، نهاية السول (4/ 142)، شرح المحلى على جمع الجوامع (2/ 273)، البحر المحيط للزركشي (7/ 324)، تيسير التحرير (4/ 43)، شرح الكوكب المنير (4/ 202).
(3)
أخرجه مسلم في " صحيحه "، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق، رقم (1586)، وأخرجه البيهقي في " سننه " رقم (10261)، بلفظ " لا تبيعوا البر بالبر إلا مثلاً بمثل "، والطحاوي في " شرح معاني الآثار "(4/ 76) بلفظ " لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا مثلاً بمثل .. ".
(4)
ينظر: الابهاج في شرح المنهاج (6/ 2401 - 2402).
(5)
ينظر: (58 - 283).
أما بخصوص ترتيب الأنواع الثلاثة للاجتهاد في المناط فالطريقة التي سلكها عامة الأصوليين في ترتيبها على النحو الآتي (1):
أولاً: تحقيق المناط.
وثانياً: تنقيح المناط.
وثالثاً: تخريج المناط.
وربما يرجع هذا الترتيب عند عامة الأصوليين إلى درجة الخلاف في كلِّ نوع، حيث قُدِّم ذكر النوع الذي لا خلاف فيه وهو " تحقيق المناط " بالمعنى الذي تكون فيه القاعدة الكلية متفقاً أو منصوصاً عليها، أو كانت العِلَّة فيه معلومةً بنصٍّ أو إجماع، ويُجْتَهد في إثبات وجودها في الفرع.
ولذلك لما ذُكِرَ "تحقيقً المناط" في الترتيب أولاً قال العُكْبَري: " لا نعرف في جوازه خلافاً "(2).
وقال الغزالي: " " أما الاجتهاد في تحقيق مناط الحُكْم فلا نعرف خلافاً من الأُمَّة في جوازه " (3).
وقال الآمدي: " ولا نعرف خلافاً في صحة الاحتجاج بتحقيق المناط إذا كانت العِلَّة فيه معلومةً بنصٍّ أو إجماع، وإنما الخلاف فيه فيما إذا كان مُدْرَك معرفتها الاستنباط "(4).
ولما أُتْبِع ثانياً بذكر النوع الذي أقرَّ به أكثر المنكرين للقياس، وهو" تنقيح المناط" قال الغزالي:" وهذا - أيضاً - يُقِرُّ به أكثرُ منكري القياس "(5).
(1) ينظر: رسالة في أصول الفقه للعُكْبَري (80)، المستصفى (3/ 485)، روضة الناظر (3/ 801)، الإحكام للآمدي (3/ 379)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 233)، التحبير شرح التحرير (7/ 3451)، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (306 - 309).
(2)
رسالة في أصول الفقه: (81).
(3)
المستصفى: (3/ 485).
(4)
الإحكام: (3/ 380).
(5)
المستصفى: (3/ 488).
وقال الآمدي: "وهذا النوع وإن أقرَّ به أكثر منكري القياس فهو دون الأول"(1).
وقال الطُّوفي: "أكثر منكري القياس استعملوا هذا النوع من الاجتهاد في العِلَّة الشرعيَّة "(2).
ولمَّا أُتْبِع ثالثاً بذكر النوع الذي عَظُمَ فيه الخلاف، وهو " تخريج المناط " قال الغزالي:" فهذا هو الاجتهاد القياسي الذي عَظَمُ الخلاف فيه "(3).
وقال الآمدي: " وهذا في الرتبة دون النوعين الأَوَلَيْن "(4).
وبعد التأمل والنظر في ترتيب أنواع الاجتهاد في المناط ظهر لي أن ترتيبها بحسب أسبقيتها على بعضٍ بالنسبة لعمل المجتهد أَوْلَى - في هذا البحث - من ترتيبها بحسب درجة الخلاف في كلِّ نوع، على أن يكون ترتيبها وفق الآتي:
أولاً: تنقيح المناط.
وثانياً: تخريج المناط.
وثالثاً: تحقيق المناط.
ووجه تقديم تنقيح المناط على تخريجه: أن العِلَلَ من حيث طريقة ثبوتها إما منصوصةٌ أو مستنبطةٌ، فإن كانت منصوصةً واقترن بها من الأوصاف ما لا يصلح للتعليل فالنظر فيها يتعلَّق بتنقيح المناط.
وإن كانت مُسْتَنْبَطَةً فالنظر فيها يتعلق بتخريج المناط، والعِلَلُ المنصوصة تُقَدَّمُ على العلل المُسْتَنْبَطَة كما هو مُقَرَّرٌ في ترتيب العِلِل، فناسب حِينئذٍ تقديم تنقيح المناط على تخريجه.
أما وجه تأخير تحقيق المناط عن تنقيحه وتخريجه: فلأِن القياس مبنيٌّ على مقدمتين:
(1) الإحكام: (3/ 380).
(2)
شرح مختصر الروضة: (3/ 241).
(3)
المستصفى: (3/ 491).
(4)
الإحكام: (3/ 381).
الأولى: إثبات العِلَّة في حُكْم الأصل، وهي إما منصوصةٌ اقترن بها من النصوص ما لا يصْلُح لِلْعِلِّية فيتعلَّق النظر فيها بتنقيح المناط، أو مُسْتَنْبّطَةٌ فيتعلَّق النظر فيها بتخريج المناط.
الثانية: إثبات وجود عِلَّةِ الأصل في الفرع، وهو تحقيق المناط.
ولا ريب أن ثبوت المقدمة الثانية يستلزم ثبوت المقدمة الأولى، وهو ما يقتضي أن تكون متأخرةً عنها، فناسب تأخير تحقيق المناط عن تنقيحه وتخريجه.
أما إذا كان تحقيق المناط بالمعنى الذي تكون فيه القاعدة الكلية متفقاً أو منصوصاً عليها، ويُجْتَهد في إثبات وجودها في بعض الجزئيات والصور، فهو نوع اجتهادٍ لا يُحْتَاجُ فيه إلى تنقيح المناط ولا تخريجه، وحينئذٍ لا يُتَصَوَّر بينه وبين تنقيح المناط أو تخريجه تقديمٌ ولا تأخير.
ولهذا قال الغزالي: " وهذا لا خلاف فيه بين الأُمَّة، وهو نوع اجتهاد، والقياس مختَلفٌ فيه "(1).
وقال ابن قدامة: " وأما النوع الأول فليس ذلك قياساً، فإن هذا مُتَفَقٌ عليه، والقياس مُخْتَلَفٌ فيه "(2).
(1) المستصفى: (3/ 487).
(2)
روضة الناظر: (3/ 802 - 803).
المبحث الرابع
أوجه الجمع والفرق بين أنواع الاجتهاد في المناط
ويشتمل على ثلاثة مطلبين:
المطلب الأول: أوجه الجمع بين أنواع الاجتهاد في المناط.
المطلب الثاني: أوجه الفرق بين أنواع الاجتهاد في المناط.