الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدلُّوا على ذلك بثلاثة أمور:
الأول: أن الصَّاحب اسمٌ مشتقٌّ من الصُّحبة، والصُّحبة تعمّ القليل والكثير، ومنه يقال: صَحِبتُه ساعة، وصَحِبتُه يوماً وشهراً، وأكثر من ذلك، كما يقال: فلانٌ كلَّمني وحدَّثني وزارني، وإن كان لم يكلِّمه ولم يحدِّثه ولم يَزُرْه سوى مرةً واحدة (1).
الثاني: أنه لو حلف أنه لا يصحب فلاناً في السفر، أو ليصحبنّه، فإنه يبرّ ويحنث بصحبته ساعة (2).
الثالث: أنه لو قال قائلٌ: صَحِبتُ فلاناً، فيصح أن يقال: صَحِبتُه ساعةً أو يوماً أو أكثر من ذلك، وهل أخذت عنه العلم ورويت عنه، أو لا؟ ولولا أن الصحبة شاملةٌ لجميع هذه الصور، ولم تكن مختصَّةً بحالةٍ منها، لما احتيج إلى الاستفهام (3).
المطلب الثاني: حُجيَّة قول الصَّحابي
.
إذا قال الصَّحابي قولاً، أو فعل فعلاً ، في مسألةٍ اجتهادية ، ولم ينتشر ذلك القول أو الفعل، أو لا يُعْلَم انتشاره، ولم يُعْلَم له مخالفٌ من الصحابة ، فهو حُجَّةٌ مُعتبَرةٌ في الأحكام الشرعية (4).
(1) ينظر: العدة (3/ 988) ،الإحكام للآمدي (2/ 112 - 113) ، التمهيد (3/ 173) ، شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 186) ، نهاية الوصول لصفي الدين الهندي (7/ 2909) ، بيان المختصر للأصفهاني (1/ 716).
(2)
ينظر: الإحكام للآمدي (2/ 113) ، شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 186) ، بيان المختصر للأصفهاني
…
(1/ 716).
(3)
ينظر: العدة (3/ 988 - 989) ، الإحكام للآمدي (2/ 113) ، نهاية الوصول لصفي الدين الهندي (7/ 2909).
(4)
اختلف الأصوليون في حجية قول الصحابي إذا لم يشتهر، ولم يؤثر عن غيره من الصحابة مخالفةٌ له في ذلك ، على أقوال:
أحدها: أنه حجة مطلقا.
والثاني: أنه ليس بحجة مطلقا.
والثالث: أن الحجة قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما دون غيرهما.
والرابع: أن الحجة قول الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم فقط.
والخامس أن قول الصحابي حجة فيما لا يدرك قياسا ، أي: إذا خالف القياس.
والسادس: إن كان من أهل العلم والإجتهاد فقوله حجة، وإلا فلا.
ينظر: البرهان (2/ 1358 - 1363) ،قواطع الأدلة (3/ 289 - 291) ،المستصفى (2/ 450 - 451) ،الواضح
…
لابن عقيل (5/ 210) ، ، المحصول (6/ 129) ، نهاية الوصول لصفي الدين الهندي (8/ 3981 - 3982) ،إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (35 - 42) ،كشف الأسرار (3/ 217 - 219) ، البحر المحيط للزركشي (6/ 54 - 64) ، إرشاد الفحول (2/ 995 - 996).
وقد ذهب إلى ذلك: الأئمة الأربعة (1) ، والقاضي أبويعلى (2) ، والسرخسي (3) ،
والقرافي (4) ، والشاطبي (5)، وابن القيم (6) ، وابن النجار الفتوحي (7) ، والأمين الشنقيطي (8).
قال ابن القيم: " وأئمة الإسلام كلُّهم على قبول قول الصَّحابي"(9).
والمقصود بقول الصَّحابي -هنا-: مذهبه في مسائل الاجتهاد، قولاً كان أو فعلاً ، حاكماً كان أو مفتياً (10).
ولايُنْسَب ذلك إلا إلى العالِم منهم؛ لأن الصحابة كلَّهم عدول ،وعدالة مَنْ ليس عالماً منهم تمنعه أن يقول في الشرع بلا مستند (11).
(1) ينظر: الرسالة للشافعي (597 - 598) ،العدة (5/ 1181) ،الإحكام للآمدي (4/ 182) ، شرح تنقيح الفصول (445) ،البحر المحيط للزركشي (6/ 54) ، ، تيسير التحرير (3/ 132 - 133) ،شرح الكوكب المنير (4/ 422) ، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (119)، وقد حقق ابن القيم قولي الإمام الشافعي في القديم والجديد وأصح الروايتين عن الإمام أحمد في المسألة. ينظر: إعلام الموقعين (5/ 550 - 556).
(2)
ينظر: العدة (5/ 1178).
(3)
ينظر: أصول السرخسي (2/ 108).
(4)
ينظر: شرح تنقيح الفصول (445).
(5)
ينظر: الموافقات (4/ 446).
(6)
ينظر إعلام الموقعين (5/ 550)
(7)
ينظر: شرح الكوكب المنير (4/ 422).
(8)
ينظر: مذكرة أصول الفقه (256 - 257).
(9)
إعلام الموقعين: (5/ 554).
(10)
ينظر: إجابة السائل شرح بغية الآمل (221) ، نشر البنود (2/ 263) ، نثر الورود (575).
(11)
ينظر: منع الموانع عن جمع الجوامع (451).
وعلى هذا يكون إطلاق لفظ" الصَّحابي" في تلقيب المسألة أولى من تقييده ب"العالِم"؛ لأن إضافة القول إليه مُنْبِئةٌ عن ذلك ، فإنَّ غيرَ العالِم لاقول له (1).
واستدلُّوا على حُجِّية قول الصَّحابي بأدلةٍ منها (2):
أولاً: قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100].
فالله تعالى في هذه الآية مدح الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما استحقَّ التابعون لهم هذا المدح على اتِّباعهم بإحسان من حيث الرجوع إلى رأيهم؛ لأن في ذلك استحقاق المدح باتباع مادلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، وذلك إنما يكون في قولٍ وُجِد منهم ولم يظهر من بعضهم فيه خلاف، فأما الذي فيه اختلافٌ بينهم فلا يكون موضع استحقاق المدح، فإنه إن كان يستحقُّ المدح باتباع البعض يستحقُّ الذمَّ بترك اتباع البعض ، فوقع التعارض فكان النصُّ دليلاً على حُجِّية قول الصَّحابي إذا لم يظهر بينهم اختلافٌ ظاهر (3).
وثناء الله في الآية على من اتَّبعهم يعمّ اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كلِّ ممكن؛ فمن اتَّبع جماعتهم إذا اجتمعوا ، واتَّبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم، فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين، أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال " اتَّبع السابقين "؛ لوجود مخالفته لبعضهم، لا سيما إذا خالف هذا مرَّة، وهذا مرَّة (4).
ثانياً: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من وجوهٍ متعددةٍ أنه قال:
(1) ينظر: منع الموانع عن جمع الجوامع (451).
(2)
وانفرد ابن القيم بذكر ستة وأربعين وجهاً للاستدلال على حجية قول الصحابي. ينظر: إعلام
الموقعين (5/ 556 - 6/ 30).
(3)
ينظر: ميزان الأصول للسمرقندي (. . .) ، كشف الأسرار (3/ 222) ، إعلام الموقعين (5/ 556 - 557) ، إجمال
الإصابة في أقوال الصحابة (57) ،التقرير والتحبير (2/ 312) ،تيسير التحرير (3/ 135).
(4)
إعلام الموقعين: (5/ 562).
«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (1) ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خير القرون قرنه مطلقاً، وذلك يقتضي تقديمهم في كلِّ بابٍ من أبواب الخير، وإلا لو كانوا خيراً من بعض الوجوه، فلا يكونون خير القرون مطلقاً، فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حُكْمٍ وسائرهم لم يفتوا بالصواب، وإنما ظفر بالصواب من بعدهم، وأخطئوا هم ، لزم أن يكون ذلك القرن خيراً منهم من ذلك الوجه؛ لأن القرن المشتمل على الصواب خيرٌ من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن، ثم هذا يتعدَّد في مسائل عديدة؛ لأن من يقول " قول الصَّحابي ليس بحُجَّة" يجوز عنده أن يكون من بعدهم أصاب في كلِّ مسألةٍ قال فيها الصَّحابي قولاً، ولم يخالفه صحابيٌّ آخر، وفات هذا الصواب الصَّحابة، ومعلومٌ أن هذا يأتي في مسائل كثيرة تفوق العدَّ والإحصاء، فكيف يكونون خيراً ممن بعدهم وقد امتاز القرن الذي بعدهم بالصواب فيما يفوق العدَّ والإحصاء مما أخطئوا فيه؟ (2).
ثالثاً: إنَّ الصحابة رضي الله عنهم انفردوا عن غيرهم بأنهم كانوا أبرَّ الأُمَّة قلوباً، وأعمقهم علماً، وأقلِّهم تكلَّفا، فقد خصّهم الله بتوقَّد الأذهان وفصاحة اللسان، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزةٌ في فِطَرِهم وعقولهم ، وقد حضروا التنزيل، وسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم منه مباشرة، وشاهدوا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الحوادث، وشاهدوا الأحوال التي نزلت فيها النصوص ،وهم أعلم بالتأويل ، وأعرف بالمقاصد، وأقرب عهداً بنور النبوة، وأكثر تلقياً من تلك المشكاة النبوية ، لذلك كان اجتهادهم أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الخطأ ، فلزم العمل باجتهادهم دون اجتهاد غيرهم (3).
(1) أخرجه البخاري في " صحيحه"، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، رقم (3651) ،وأخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، رقم (2533).
(2)
ينظر: إعلام الموقعين (5/ 574 - 575).
(3)
ينظر: العدة (5/ 1187) ، الفقيه والمتفقه (1/ 437) ، أصول السرخسي (2/ 108 - 109) ، الإحكام
…
للآمدي (4/ 188) ، إعلام الموقعين (6/ 21 - 23) ، إجمال الإصابة في أقوال الصحابة (64).