الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأمثلة المعاصرة للقرائن المُعْتَبرة: بصمات الأصابع، والتحاليل المخبرية، والبصمة الوراثية، والتشريح الجنائي، ونحو ذلك (1).
وبناءً على ما تقدم فإنَّه إذا دلَّت القرائن الصحيحة عند القاضي على ثبوت حقٍّ أو واقعةٍ تترتَّب عليها أثارٌ شرعيَّة، فقد تحقَّق مناط الحُكْم فيما دلَّت عليه تلك القرائن ما لم يعارضها ما هو أقوى منها كالشهادة والإقرار ونحوهما.
المسلك السادس: الحساب والعدد
.
وهو: أن يدلَّ الحساب أو العدد على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.
ومثاله: أن مناط وجوب صلاة الظهر هو الزوال، لقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 76]، وقوله صلى الله عليه وسلم:" ووقت الظهر إذا زالت الشمس "(2)، وهذا المناط يتحقَّق بطرقٍ عِدَّة، منها: الحساب الفلكي الذي يدرس حركة الشمس الظاهرية، ومن خلال معادلاتٍ رياضية وحساباتٍ فلكيةٍ دقيقةٍ يمكن معرفة مدار الشمس بدَّقةٍ عالية، وحساب موقعها في أي تاريخٍ ووقت، وكذلك أوقات شروقها وغروبها وزوالها، وبناءً على ذلك يتمُّ تحديد أوقات الصلوات في بلدان مختلفةٍ كما هو في التقاويم العالمية الإسلامية (3).
فإذا ثبت بالحساب الفلكي أن وقت الزوال في بلدٍ ما هو الساعة الثانية عشرة ونصف - مثلاً - فإن مناط وجوب صلاة الظهر على أهل ذلك البلد يتحقق بحلول ذلك الوقت، وبهذا يكون الحساب مسلكاً من مسالك ثبوت مناطات الأحكام في بعض أفرادها.
(1) ينظر: دور الأثر المادي في الإثبات الجنائي (44 - 53) خريطة الجينوم البشري والإثبات الجنائي
…
(119 - 130).
(2)
أخرجه مسلم في " صحيحه "، كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس، رقم (612) من حديث عبدالله بن عمرو الأنصاري.
(3)
ينظر: علم الفلك والتقاويم للطائي (232 - 250)، تعيين مواقيت الصلاة في أي زمانٍ ومكانٍ على سطح الأرض، مجلة البحوث الإسلامية (3/ 319 وما بعدها).
قال القرافي: " الله تعالى نصب زوالَ الشمس سببَ وجوب الظهر، وكذلك بقيَّة الأوقات، لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 76] أي: لأجله، وكذلك قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الروم: 17 - 18] قال المفسرون: هذا خبرٌ معناه الأمر بالصلوات الخمس في هذه الأوقات، حين تمسون: المغرب والعشاء، وحين تصبحون: الصبح، وعشيَّاً: العصر، وحين تُظْهِرُون: الظهر، والصلاة تُسمَّى سبحة، ومنه سبحة الضحى، أي صلاتها، فالآية أمرٌ بإيقاع هذه الصلوات في هذه الأوقات، وغير ذلك من الكتاب والسُّنَّة الدَّال على أن نفس الوقت سبب، فمن علم السبب بأي طريقٍ كان لزمه حكمُه، فلذلك اعْتُبِرَ الحسابُ المفيدُ للقطع في أوقات الصلاة .. "(1).
وهذا مبنيٌّ على أنَّ الله أودع في هذا الكون سُنَنَاً وقوانينَ ثابتةً لا تتغيَّر ولا تتبدَّل بإذن الله تعالى، ومن ذلك حركة الشمس والقمر والأفلاك.
قال القرافي: " الله تعالى أجرى عادته بأن حركات الأفلاك، وانتقالات الكواكب السبعة السيَّارة على نظامٍ واحدٍ طول الدهر بتقدير العزيز العليم، قال الله تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} [يس: 39] وقال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)} [الرحمن: 5] أي: هما ذوا حساب، فلا ينخرم ذلك أبداً، وكذلك الفصول الأربعة لا ينخرم حسابها، والعوائد إذا استمرت أفادت القطع، كما أنَّا إذا رأينا شيخاً نجزم بأنه لم يولد كذلك بل طفلاً؛ لأجل عادة الله تعالى بذلك، وإلا فالعقل يُجِّوز ولادته كذلك، والقطع الحاصل فيه إنَّما هو لأجل العادة، وإذا حصل القطع بالحساب ينبغي أن يُعْتَمد عليه كأوقات الصلاة
…
" (2).
(1) أنوار البروق في أنواء الفروق: (2/ 179) في الفرق الثاني والمائة.
(2)
المرجع السابق: (2/ 178 - 179) في الفرق الثاني والمائة.