الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الأدلة على اعتبار العمل بتخريج المناط
الأدلة على اعتبار العمل بتخريج المناط نوعان:
النوع الأول: أدلةٌ إجماليةٌ تتعلَّق بإثبات مشروعية فعل المجتهد الذي هو طلب استخراج مناط الحُكْم الشرعي ليُحْكَم في محالِّه بحكمه.
والنوع الثاني: أدلةٌ تفصيليةٌ تتعلَّق بإثبات حجية كلِّ مسلكٍ من مسالك تخريج المناط؛ وذلك لأن تخريج المناط ينقسم بالنظر إلى مسالكه المُعْتَبرة إلى ثلاثة أقسام:
أولها: تخريج المناط بمسلك المناسبة.
وثانيها: تخريج المناط بمسلك السَّبْر والتقسيم.
وثالثها: تخريج المناط بمسلك الدوران.
فأما الأدلة الإجمالية التي تُثْبِتُ مشروعيةَ فعل المجتهد الذي هو طلب استخراج المناط للحُكْم الشرعي ليُحْكَم في محالِّه بحكمه فهي على النحو الآتي:
أولاً: إن أدلة اعتبار القياس ووجوب العمل به وَرَدَتْ مطلقةٌ لم تفرِّق بين الأحكام التي ثبتت العِلَّة فيها بنصٍّ أو إجماعٍ والأحكامِ التي لم تثبت عِلَّتُها بنصٍّ أو إجماع، فكان ذلك دليلاً على إمكان تعليل كلِّ حُكْمٍ معقول المعنى، فيدخل في ذلك تعليل الأحكام التي لم تثبت عِلَّتُها بنصٍّ أو إجماعٍ بمسلكٍ من مسالك العِلَّة المُعْتَبرة الأخرى، كالمناسبة أو السَّبْر
والتقسيم أو الدوران (1).
ثانياً: باستقراء موارد الأحكام تبيَّن أن أغلب أحكام الشرع مبنيٌّ على التعليل؛ فالأصل في الأحكام التعليل لا التعبُّد (2)، و" كلُّ أصلٍ أمكن تعليل حكمه فإنه يجب تعليله "(3)، و" إنما تخفى علينا العِلَّة في النادر منها، فلا يؤثر ذلك لشذوذه، أو أن ذلك خفي علينا لقصور عِلْمِنَا"(4).
وإذا كان الأصل في الأحكام التعليل لا التعبُّد جاز تعليل الحُكْم في الأصل بكلِّ دليلٍ معتبر، فيدخل في ذلك تعليل الأحكام التي لم تثبت عِلَّتها بنصٍّ أو إجماعٍ بمسلكٍ من مسالك العِلَّة المُعْتَبرة الأخرى، كالمناسبة أو السَّبْر والتقسيم أو الدوران (5).
ثالثاً: إن المعتبر من حال الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يقيسون على أصولٍ من غير أن يقوم دليلٌ من نصٍّ أو إجماعٍ على كون تلك الأحكام معلولةً ولا على جواز القياس عليها، فدلَّ ذلك على أن الاعتبار في هذا الباب جواز تعليل كلِّ حُكْم معقولِ المعنى ولو لم يثبت تعليله بنصٍّ أو إجماع، بشرط أن يقوم دليلٌ معتبرٌ يغلِب معه ظنُّ المجتهد أن ذلك الوصف عِلَّةً لذلك الحُكْم، وقد أجمع العلماء على العمل بالظنِّ الراجح في عِلَلِ الأحكام (6).
رابعاً: إن المعنى الذي أوجب العمل بالقياس فيما ثبتت عِلَّتُه بنصٍّ أو
(1) ينظر: العدة (4/ 1364 - 1367)، المحصول (5/ 328 - 329)، الإبهاج (3/ 152)، نهاية السول (4/ 297)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 213 - 214)، شرح الكوكب المنير (4/ 100).
(2)
ينظر: العدة (4/ 1367)، المستصفى (3/ 566 - 567)، كشف الأسرار (3/ 294)، البحر المحيط للزركشي (5/ 129)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 411)، التلويح على التوضيح (2/ 64)، شرح الكوكب المنير (4/ 150 - 152)، فواتح الرحموت (2/ 345).
(3)
الإحكام للآمدي: (3/ 250).
(4)
التمهيد للكلوذاني: (3/ 440).
(5)
ينظر: المراجع السابقة.
(6)
ينظر: المحصول (5/ 56 - 61)، المستصفى (3/ 674 - 675)، الإحكام للآمدي (4/ 55 - 56)، شرح العضد على ابن الحاجب (2/ 238)، تيسير التحرير (4/ 49)، شرح الكوكب المنير (4/ 152)، فواتح الرحموت (2/ 366 - 368).
إجماعٍ هو معرفة عِلَّة الأصل، وهذا المعنى نفسه موجودٌ فيما ثبتت عِلَّتُه بمسلكٍ من المسالك الاجتهادية المُعْتَبرة، وقد قام الدليل على صحتها وسلامتها مما يفسدها، فوجب أن يثبت الحُكْم بها (1).
وأما الأدلة التفصيلية التي تثبت حجية كلِّ مسلكٍ من مسالك تخريج المناط فسيأتي بحثها في مواضعها من الفصل الثالث (2).
(1) ينظر: شرح اللمع للشيرازي (2/ 793).
(2)
ينظر: (154، 166، 176 وما بعدها).