الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: أن لفظ " الاجتهاد " على وزن " افتعال "، وهذه الصيغة تدل على المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قولٍ أو فعلٍ لتحصيل أمرٍ من الأمور.
المطلب الثاني: تعريف الاجتهاد اصطلاحاً
.
تعدَّدت واختلفت تعريفات الأصوليين للاجتهاد، وحاصل ذلك التعدد والاختلاف يرجع - غالباً - إلى اختلافهم في نوع المجتهَد فيه: هل يشمل القطعيات والظينات أو ينحصر في الظينات دون القطعيات؟
فالقائلون بأنه يشمل القطعي والظني عرَّفوا الاجتهاد وقيدوه بما يفيد العلم الذي هو: مُطْلَق الإدراك الشامل للقطع والظن؛ باعتبار أن الأحكام الثابتة بالاجتهاد منها ما هو قطعي، ومنها ما هو ظنِّي.
ومن تلك التعريفات:
- تعريف الغزالي، وهو:" بَذْلُ المجتهدِ وُسْعَهُ في طلب العلم بأحكام الشرع "(1).
- وتعريف ابن قدامة (2)، وهو:" بذل المجهود في العلم بأحكام الشرع"(3).
- وتعريف علاء الدين البخاري (4) وهو: " بذل المجهود في طلب
العلم بأحكام الشرع " (5).
وقد نصَّ بعض العلماء - من أصحاب هذا الاتجاه - في تعريف " الاجتهاد " على قيد " القطع " و"الظن"، وهو تصريحٌ منهم بدخول الأحكام القطعية والظنية في التعريف.
(1) المستصفى: (4/ 4).
(2)
هو: أبو محمد موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة الجمَّاعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، كان فقيهاً وَرِعاً زاهداً، من أئمة المذهب الحنبلي في زمانه، من مؤلفاته: المغني (ط)، والكافي (ط)، والعدة (ط) في الفقه، وروضة الناظر (ط) في أصول الفقه، وغيرها، توفي في دمشق سنة (620 هـ).
ينظر ترجمته في: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 133)، شذرات الذهب (7/ 155)، الأعلام للزركلي (4/ 67).
(3)
روضة الناظر: (3/ 959).
(4)
هو: عبدالعزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري، فقيهٌ حنفي، أصوليُّ، من مؤلفاته: كشف الأسرار شرح فيه أصول البزدوي (ط)، وغاية التحقيق شرح فيه أصول الأخسيكثي (ط)، توفي سنة (730 هـ).
ينظر ترجمته في: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية (1/ 317)، تاج التراجم في طبقات الحنفية لابن قطلوبغا، (35)، الأعلام للزركلي (4/ 13).
(5)
كشف الأسرار: (4/ 26).
ومن تلك التعريفات:
- تعريف الشاطبي (1)،
وهو: " استفراغ الوسع لتحصيل العلم أو الظنِّ بالحُكْم "(2).
- وتعريف ابن الهمام الحنفي (3)، وهو:" بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حُكْمٍ شرعيٍّ عقلياً كان أو نقلياً قطعياً كان أو ظنياً "(4).
بينما بعض العلماء أطلق العبارة، ولم ينصّ في تعريف"الاجتهاد "على قيد "القطع" أو "الظن"، وهو إطلاقٌ قد يفيد -ظاهراً- دخول الأحكام القطعية والظنية في التعريف.
ومن تلك التعريفات:
- تعريف البيضاوي (5)، وهو:"استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية"(6).
أما القائلون بأن الاجتهاد محلُّه الظينات لا القطعيات، فقد عرَّفوا الاجتهاد وقيَّدوه بما لا يلحق المجتهد فيه لومٌ مع استفراغ الوسع فيه أو بما يفيد الظن؛ وذلك باعتبار أن الأحكام الثابتة بالاجتهاد ظنيةٌ غالباً.
ومن تلك التعريفات:
- تعريف الرازي (7)، وهو:"استفراغ الوسع في النظر فيما لايلحقه فيه لومٌ مع استفراغ الوسع فيه"(8).
حيث قال -بعد أن ساق التعريف-: "وهذا سبيل مسائل الفروع، ولذلك تُسمَّى هذه المسائل مسائل الاجتهاد، والناظر فيها مجتهداً"(9).
- وتعريف الآمدي (10)، وهو:"استفراغ الوسع في طلب الظنِّ بشيءٍ من الأحكام الشرعيَّة على وجهٍ يُحِسُّ من النفس العجزَ عن المزيد"(11).
(1) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي، الشاطبي، عالمٌ مجتهدٌ أصولي، من أئمة المالكية في زمانه، من مؤلفاته: الموافقات في أصول الشريعة (ط)، والاعتصام (ط) في ذم البدع، والإفادات والإنشادات (ط)، وغيرها، توفي سنة (790 هـ).
ينظر ترجمته في: دُرَّةْ الحِجَال (1/ 182) نيل الابتهاج (1/ 33)، الأعلام للزركلي (1/ 75).
(2)
الموافقات: (5/ 51).
(3)
هو: محمد بن عبدالواحد بن عبدالحميد بن مسعود السيواس ثم الإسكندري، كمال الدين، المعروف بابن الهمام، من فقهاء الحنفية، من مؤلفاته: التحرير في أصول الفقه (ط)، وفتح القدير (ط) في الفقه، وزاد الفقير (ط) في الفقه، توفي سنة (861 هـ).
ينظر ترجمته في: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية (2/ 86)، الفوائد البهية (180)، الأعلام للزركلي (6/ 255).
(4)
التحرير في أصول الفقه مع شرحه التيسير: (4/ 178).
(5)
هو: عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي الشافعي، فقيهٌ أصوليٌّ متكلمٌ مفسِّر، من كبار فقهاء الشافعية، من مؤلفاته: منهاج الوصول (ط) في أصول الفقه، أنوار التنزيل (ط) في التفسير، وغيرهما، توفي سنة (691 هـ).
ينظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (8/ 157)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 272)، الأعلام للزركلي (4/ 110).
(6)
منهاج الوصول: (247).
(7)
هو: أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحق بن الحسين التميمي البكري، فخر الدين الرازي، ويقال له: ابن خطيب الرّي، قرشي النسب، عالمٌ باللغة والفقه والأصول والتفسير، شافعي المذهب، من مؤلفاته: المحصول في الأصول (ط)، والمعالم في الأصول (ط)، ومفاتيح الغيب (ط) في التفسير، وغيرها، توفي بهراة سنة (606 هـ).
ينظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 81)، شذرات الذهب (7/ 40)، الأعلام للزركلي (6/ 313).
(8)
المحصول: (6/ 6).
(9)
المرجع السابق.
(10)
هو: أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، سيف الدين، الآمدي، من كبار الأصوليين المتكلمين، كان حنبلياً ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، من مؤلفاته: الإحكام في أصول الأحكام (ط)، والمبين في شرح معاني الحكماء والمتكلمين (ط)، توفي بدمشق سنة (631 هـ).
ينظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (8/ 306)، طبقات الشافعية للإسنوي (1/ 137)، الأعلام للزركلي (4/ 332).
(11)
الإحكام: (4/ 197).
- وتعريف ابن الحاجب (1)،
وهو: " استفراغُ الفقيه الوسع لتحصيل ظنِّ بحُكْمٍ شرعي"(2).
- وتعريف تاج الدِّين ابن السبكي (3)، وهو:" استفراغُ الفقيه الوُسْعَ لتحصيل ظنٍّ بحُكْمٍ "(4).
- وتعريف الزركشي (5)، وهو:" بَذْلُ الوُسْعِ في نيل حُكْمٍ شرعيٍّ عمليٍّ بطريق الاستنباط "(6).
التعريف المختار:
التعريف الذي أحسبه جامعاً مانعاً - كما سيظهر في شرحه وبيان محترزاته - هو تعريف ابن الحاجب، وهو أن الاجتهاد:
" استفراغُ الفقيه الوُسْعَ لتحصيل ظنٍّ بحُكْمٍ شرعي"(7)، وفيما يأتي شرحٌ للتعريف، وبيانٌ لأهم محترزاته.
شرحُ التعريف وبيانُ محترزاته:
قوله: " استفراغ الفقيه الوسع " معناه: بذل تمام الطاقة بحيث يُحِسُّ من نفسه العجزَ عن المزيد عليه (8).
واحتُرِزَ به عن اجتهاد المُقَصِّر في اجتهاده مع إمكان الزيادة عليه؛ فإنه لا يُعدُّ في اصطلاح الأصوليين اجتهاداً معتبراً (9).
واستفراغ الفقيه قد يتعلق بالوسع، وقد يتعلق بغير الوسع، فقيد " الوسع" يخرج استفراغ الفقيه غير الوسع (10).
(1) هو: عثمان بن عمر بن أبي بكر، جمال الدين، أبو عمر الكردي، المالكي، إمامٌ في الأصول والفقه والعربية والقراءات، من مؤلفاته: منتهى الوصول والأمل (ط) في الأصول، ومختصره (ط)، والكافية في النحو (ط)، توفي سنة (646 هـ).
ينظر ترجمته في: الديباج المذهب (2/ 86)، غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 508)، الأعلام للزركلي (4/ 211).
(2)
مختصر ابن الحاجب: (2/ 1204).
(3)
هو: عبدالوهاب تاج الدِّين بن تقي الدِّين علي بن عبدالكافي الأنصاري السبكي، الشافعي، الأصولي، الفقيه، أبو نصر، انتهى إليه القضاء بالشام، من مؤلفاته: جمع الجوامع في أصول الفقه (ط) اعتنى بشرحه العلماء، ومنع الموانع (ط) تعليق على جمع الجوامع، وطبقات الشافعية الكبرى (ط)، وغيرها، توفي بدمشق سنة (771 هـ).
ينظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 104)، الدرر الكامنة (2/ 425)، الأعلام للزركلي (4/ 184).
(4)
جمع الجوامع: (118).
(5)
هو: محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي، أبو عبدالله، بدر الدين، فقيهٌ شافعي، عالمٌ بالأصول، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، من مؤلفاته: البحر المحيط (ط) في أصول الفقه، وإعلام الساجد بأحكام المساجد (ط)، والمنثور في القواعد (ط)، توفي سنة (794 هـ).
ينظر ترجمته في: الدرر الكامنة (3/ 397)، شذرات الذهب (8/ 572)، الأعلام للزركلي (6/ 60).
(6)
البحر المحيط: (8/ 227).
(7)
مختصر ابن الحاجب: (2/ 1204).
(8)
ينظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 289).
(9)
ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 198)، إرشاد الفحول (2/ 715).
(10)
ينظر: بيان المختصر للأصفهاني (3/ 288).
واستفراغ الوسع كالجنس؛ لأنه قد يكون من الفقيه، وقد يكون من غيره، فقيد " الفقيه " يخرج استفراغ غير الفقيه (1).
و" الفقيه ": احتراز عن المقلِّد؛ فإنه لا يُسَمَّى مجتهداً (2).
والمراد بـ " الفقيه " هنا: المتهيئ للفقه، الممارِس له، وليس المراد من يحفظ الفروع الفقهية فقط دون القدرة على الاستنباط والاستدلال (3).
ولم يَقُلْ في التعريف: " استفراغ المجتهد الوسع "؛ لأنه يلزم منه التسلسل، إذ تكون معرفة الاجتهاد متوقفةً على المجتهد، ومعرفة المجتهد متوقفةٌ على الاجتهاد (4).
وقوله: " لتحصيل ظنٍّ بحُكْمٍ ": قيدٌ مهمٌ في التعريف يحصر محلَّ الاجتهاد في الظنيات دون القطعيات؛ إذ لا اجتهاد فيها؛ لأنها تستند إلى أدلةٍ قطعية الثبوت والدلالة، فلا تحتاج إلى استفراغ الوسع لدركها، كالأحكام المعلومة من الدِّين بالضرورة (5).
وقوله: " لتحصيل ظنٍّ بحُكْمٍ شرعي ": احترازٌ عن استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظنٍّ بحُكْمٍ عقليٍّ أو حسيٍّ أو لغوي؛ فإنه لا يُسْمَّى مَنْ بَذَلَ وسْعَهُ في تحصيلها " مجتهداً " اصطلاحاً؛ لأن الكلام هنا يقتصر على الاجتهاد في الشرعيات دون غيرها (6).
(1) ينظر: المرجع السابق (3/ 288).
(2)
ينظر: رفع الحاجب (4/ 529).
(3)
ينظر: حاشية السعد التفتازاني على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 289)، فواتح الرحموت (2/ 404)، حاشية البناني على شرح المحلى لجمع الجوامع (2/ 587).
(4)
ينظر: مسلم الثبوت وشرحه مع المستصفى (2/ 362).
(5)
ينظر: بيان المختصر (3/ 289)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 289).
(6)
ينظر: بيان المختصر (3/ 289)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 290)، البحر المحيط (8/ 227)، إرشاد الفحول (2/ 716).