الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
علاقة الاجتهاد في المناط بالاستحسان
سأتناول في هذا المبحث بيان علاقة الاجتهاد في المناط بالاستحسان ، وذلك من خلال ثلاثة مطالب ، وهي على النحو الآتي:
المطلب الأول: تعريف الاستحسان لغةً، واصطلاحاً
.
الاستحسان لغةً هو: عدُّ الشيء حسناً، حِسيِّاً كان أو معنوياً، وهو استفعالٌ من الحُسْن ، والحُسْن ضد القُبْح (1).
والاستحسان اصطلاحاً هو: العدول بحُكْم المسألة عن نظائرها لدليلٍ شرعيٍّ خاصٍّ يقتضي العدول عن الحُكْم الأول فيه إلى الثاني (2).
وهو"أجود تعريفٍ للاستحسان"(3) ، و"أحسَنُ ما قيل في تفسيره"(4)؛ لأنه يبين حقيقة الاستحسان الشرعي ، ويجمع الأنواع المندرجة تحته.
وله تعريفاتٌ أخرى ذكرها الأصوليون ، وهي إما أن تكون خارج محلِّ
(1) ينظر: الصحاح (5/ 2099) ، معجم مقاييس اللغة (2/ 57) ، لسان العرب (13/ 114 - 117) ، تاج العروس (34/ 418 - 423) مادة" ح س ن".
(2)
ينظر: المستصفى (2/ 476) ، الإحكام (4/ 193) ، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 197) ،نهاية السول (4/ 400) ، البحر المحيط للزركشي (6/ 91)، شرح الكوكب المنير (4/ 431).
(3)
شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 197).
(4)
البحر المحيط: (6/ 91).
النزاع، أو تكون غير جامعةٍ لأنواع الاستحسان المُعْتَبرة (1).
والاستحسان بمعناه المتقدِّم له عدة أنواعٍ منها:
النوع الأول: الاستحسان بالنصِّ.
وهو أن يُترَك العمل بمقتضى القياس لدليلٍ من الكتاب أو السُّنة.
ومثاله: جواز السَّلَم ، فالقياس يأبى جوازه باعتبار أن المعقود عليه معدومٌ عند العقد، لكنه تُرِك بالنصِّ (2).
وهو الرخصة الثابتة بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أسلم في شيءٍ ففي كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلوم "(3).
النوع الثاني: الاستحسان بالإجماع.
وهو أن يُترك العمل بمقتضى القياس لدليل الإجماع.
ومثاله: الاستصناع ، فالقياس يأبى جوازه؛ لأنه بيعٌ لمعدومٍ كالسَّلَم، بل هو أبعد جوازاً من السَّلم؛ لأن المُسْلَم فيه تحتمله الذِّمَّة لأنه دينٌ حقيقة ،والمُسْتَصْنَع عينٌ توجد في الثاني، والأعيان لا تحتملها الذِّمَّة ، فكان جواز هذا العقد أبعد عن القياس ، لكنه جاز؛ لأن الناس تعاملوا به في سائر الأمصار من غير نكيرٍ، فكان إجماعاً منهم على الجواز، فيُترَك القياس (4).
النوع الثالث: الاستحسان بالضرورة.
وهو أن يُترَك العمل بمقتضى القياس لدليل الضرورة.
(1) ينظر: المستصفى (2/ 467 - 476) ، كشف الأسرار (4/ 3) ،شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 288) ، البحر المحيط للزركشي (6/ 90 - 93) ، إرشاد الفحول (2/ 985 - 986).
(2)
ينظر: أصول السرخسي (2/ 203) ،شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 199) ،كشف الأسرار (4/ 5) ، التقرير والتحبير (3/ 222) ، فواتح الرحموت (2/ 373 - 374).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب السلم ،باب السلم في كيلٍ معلوم، رقم (2239) ،وأخرجه مسلم في "صحيحه"،كتاب المساقاة ، باب السلم، رقم (1604).
(4)
ينظر: أصول السرخسي (2/ 203) ، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 199) ، كشف الأسرار (4/ 5) ، التقرير والتحبير (3/ 222) ، فواتح الرحموت (2/ 374).