الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفرقة بينهما وبين تنقيح المناط " (1).
ولما ذكر صاحب " مراقي السعود " تنقيح المناط ضمن مسالك العِلَّة وأشار إلى تحقيق المناط، قال في " نشر البنود ":" وإنما ذكرته هنا جرياً على عادة أهل الجدل في قرانهم بين الثلاثة: تنقيح المناط، وتخريج المناط، وتحقيق المناط."(2).
ولكن لما أُفْرِدَ البحث - هنا - في أنواع الاجتهاد في المناط، واعتُبِرَ الموضوع مقصوداً بالأصالة اقتضى الحال استكمال النظر - قدر الإمكان - في أوجه الجمع والفرق بينها، مما يزيدها وضوحاً وتحريراً من كلِّ وجه، وذلك من خلال مطلبين:
المطلب الأول: أوجه الجمع بين أنواع الاجتهاد في المناط
.
يوجد بين أنواع الاجتهاد في المناط قَدْرٌ مشتركٌ يجمعها، وتتلخص أوجه الجمع بينها فيما يأتي:
1 -
تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه كلها أنواعٌ تُطْلَقُ على أفعال المجتهد أثناء اجتهاده في العِلَّة، ولا تُعْتَبَرُ من مسالك العِلَّة أو الطرق الدالة على العِلِّية، كما سيأتي بيانه في مواضعه (3).
2 -
تُعتبر الأنواع الثلاثة كلها من مقدمات القياس، وليست هي القياس نفسه.
وتوضيح ذلك أن قياس العِلَّة - حسب الاصطلاح الأصولي - لابد فيه من مقدمتين (4):
(1) الإبهاج في شرح المنهاج: (3/ 82).
(2)
نشر البنود: (2/ 202).
(3)
ينظر: (67، 132، 194).
(4)
ينظر: المستصفى (3/ 503 - 504)، المحصول (5/ 20)، نبراس العقول (48).
المقدمة الأولى: إثبات العِلَّة في حُكْم الأصل، فإن كانت العِلَّة منصوصةً واقترن بها من الأوصاف ما لا يصلح للتعليل فالنظر فيها يتعلق بتنقيح المناط، وإن كانت مُسْتَنْبَطَةً فالنظر فيها يتعلق بتخريج المناط.
المقدمة الثانية: إثبات عِلَّة الأصل في الفرع، وهو ما يُسمَّى بـ " تحقيق المناط ".
وناتج هاتين المقدمتين حصول المساواة في العِلَّةُ بين الأصل والفرع، وهذه المساواة علامةٌ نَصَبَهَا الشارع للدلالة على الأحكام التي لم يَرِدْ بشأنها نصٌّ بعينه، ولا إجماع.
ثم تأتي بعد ذلك ثمرة المساواة بين الأصل والفرع، وهي: إثبات مثل حُكْم الأصلِ في الفرع، وهو ما يُطْلَقُ عليه اصطلاحاً " القياس ".
وبهذاَ يَتَبَيِّن أن القياس مبنيٌّ على مقدمتين، الأولى تتعلق بتنقيح المناط إن كانت العِلَّةُ منصوصةً واقترن بها من الأوصاف ما لا يصلح للتعليل، أو تتعلق بتخريج المناط إن كانت العِلَّة مُسْتَنْبَطَة، والثانية تتعلق بتحقيق المناط بعد إثبات عِلَّة الحُكْم في الأصل، ونتيجة هاتين المقدمتين هي القياس، وليس المقدمتان هما القياس.
3 -
تنقيح المناط وتخريجه وتحقيقه كلها أنواعٌ تشترك في أن النظر فيها يتعلق بالعِلَّة، وإن كان تحقيقُ المناط أعمَّ مورداً من التنقيح والتخريج كما سيأتي في أوجه الفرق بينها (1).
فالنظر في العِلَّة إما أن يتعلق بتنقيحها، أو تخريجها، أو تحقيقها، ولذلك أضيف لفظ " المناط " إلى التنقيح والتخريج والتحقيق باعتباره أحد إطلاقات العِلَّة كما سبقت الإشارة إلى ذلك (2).
(1) ينظر: (55 - 56).
(2)
ينظر: (33).