الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمصلحة العامة أكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة (1).
مثاله: العالِم الذي يعتزل الناس خوفاً من الرياء والعجب وحبِّ الرياسة، وكذلك السلطان أو الولي العدل الذي يصلح لإقامة تلك الوظائف، والمجاهد إذا قعد عن الجهاد خوفاً من قصده طلب الدنيا به أو المحمدة، وكان ذلك الترك مؤدياً إلى الإخلال بهذه المصلحة العامة، فالقول هنا بتقديم مصلحة العموم على الخصوص أولى؛ لأنه لا سبيل لتعطيل مصالح الخلق ألبتة (2).
والضابط الكُلِّيُّ الجامع في الموازنة بين المصالح المتعارضة في محلٍّ واحدٍ هو ترجيح أقوى المصلحتين وأعظمهما بحسب النظر إلى مقاصد الشرع لا من حيث أهواء النفوس.
القسم الثاني: الموازنة بين المفاسد المتعارضة
.
إذا تعارضت عدَّة مفاسدٍ في محلٍّ واحدٍ، وتعذَّر درؤها جميعاً، فإنه يُصَار للترجيح بينها بحسب ما يأتي:
- إذا كانت المفاسد المتعارضة مختلفةً في مراتبها، بأن كان بعضها يفوِّت ضرورياً، وبعضها يفوِّت حاجيَّاً، وبعضها يفوِّت تحسينياً، فإنه يُقْدَم درء المفاسد التي يفوِّت الضروريات على المفاسد التي تفوِّت الحاجيات والتحسينيات، ويُقْدَم درء المفاسد التي تفوِّت الحاجيات على المفاسد التي تفوِت التحسينيات؛ لأن أعظم المفاسد ما يفوِّت الضروريات الخمس أو يُخِلُّ بها، ثم ما يفوِّت الحاجيات، ثم ما يفوِّت التحسينيات، فإذا تعارض بعضها في محلٍّ واحدٍ ولم يُمْكِن درؤهما جميعاً فإنه يدفع أعظمهما بارتكاب أدناهما (3).
قال ابن القيم: " فإن الشارع الحكيم يدفع أعظم الضررين بأيسرهما،
(1) ينظر: الموافقات (3/ 92 - 96)، مقاصد الشريعة لابن عاشور (279 - 281).
(2)
ينظر: قواعد الأحكام لابن عبدالسلام (1/ 116)، الموافقات (3/ 94).
(3)
ينظر: الموافقات (2/ 511)، مقاصد الشريعة لابن عاشور (290 - 291).
فهذا هو الفقه والقياس والمصلحة وإن أباه مَنْ أباه " (1).
مثاله: جواز كشف عورة المريض للتداوي؛ حيث تدفع أعظم المفسدتين وهي إهلاك النفس أو البدن بارتكاب أدناهما، وهي الإطلاع على عورة المريض لعلاجه؛ لأن المفسدة الأولى تفوِّت ضرورياً أو حاجياً، والثانية تفوِّت تحسينياً، فيُقَدِّم درء المفاسد التي تفوِّت الضروريات أو الحاجيات على ما يفوّت التحسينيات (2).
- وإذا كانت المفاسد المتعارضة متساويةً في الرتبة، ولكنها مختلفةٌ في النوع، بأن كانت من المفاسد التي تفوِّت الضروريات أو تُخِلُّ بها، لكن بعضها يتعلُّق بالدِّين، وبعضها يتعلُّق بالنفس، وبعضها يتعلُّق بالعقل، وبعضها يتعلُّق بالنسل، وبعضها يتعلُّق بالمال، فإنه يُقْدَم درء المفاسد المتعلِّقة بالدِّين، ثم المتعلِّقة بالنفس، ثم المتعلِّقة بالعقل، ثم المتعلِّقة بالنسل، ثم المتعلِّقة بالمال، وذلك بحسب درجاتها في الأهمية، وما يترتب عليها من تحقُّق مقاصد الشرع (3).
مثاله: إذا اضطر إلى أكل مال الغير إنقاذاً لنفسه من الهلاك فإنه يأكل منه؛ لأن حُرْمَة مال الغير أخفُّ من حُرْمَة النفس، وفوات النفس أعظم من إتلاف مال الغير ببدل (4).
قال الغزالي: " إذا تعارض شرَّان أو ضرران قَصَدَ الشرعُ دفع أشدِّ الضررين وأعظم الشرَّين "(5).
-وإذا كانت المفاسد المتعارضة متساويةً في الرتبة والنوع، ولكن بعضها عام، وبعضها خاص، كأن تكون من المفاسد التي تفوِّت ضرورياً أو تُخِلُّ به،
(1) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: (222).
(2)
ينظر: قواعد الأحكام لابن عبدالسلام (1/ 155).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/ 52)، الموافقات (2/ 511)، مقاصد الشريعة لابن عاشور (303 - 305).
(4)
ينظر: قواعد الأحكام لابن عبدالسلام (1/ 131).
(5)
المستصفى: (2/ 496).