الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلامنا في هذا الموضع عن المناسب الذي شهد له أصلٌ معينٌ بالاعتبار، حيث ثبت أن الشارع رتَّبَ الحُكْم على وَفْقِهِ، وهو الوصف الذي يصلح أن يكون عِلَّةً للحُكْم.
المطلب الرابع: صورة تخريج المناط بمسلك المناسبة
.
تقدَّم أن تخريج المناط هو: استنباط عِلَّة الحُكْم الذي دلَّ النصُّ أو الإجماعُ عليه من غير تعرُّضٍ لبيان عِلَّته لا صراحةً ولا إيماءً (1).
كما تقدَّم أن المناسبة هي: ملاءمة الوصف للحُكْم بحيث يحصل عقلاً من ترتيب الحُكْم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من جلب منفعةٍ أو دفع مضرَّة (2).
وإذا كان الأمر كذلك فإن تخريج المناط بمسلك المناسبة يعني: استنباط عِلَّة الحُكْم الذي دلَّ النصُّ أو الإجماعُ عليه من غير تعرُّضٍ لبيان عِلَّته لا صراحةً ولا إيماءً، وذلك بمجرَّد إبداء ملاءمة الوصف للحُكْم (3).
وصورته: أن يَحْكَم الشارعُ في محلٍّ بحُكْمٍ، ولا يتعرض لبيان عِلَّة ذلك الحُكْم لا بصريح لفظٍ ولا بإيماء، فيستخرج المجتهد وصفاً ظاهراً منضبطاً يحصل من ترتيب الحُكْم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من جلب مصلحةٍ أو دفع مضرَّة، ولا يجد غيرَه من الأوصاف الصالحة للعِلِّيِّة مثلَه ولا أولى منه، ويغلب على ظنِّه كون ذلك الوصف عِلَّةً لذلك الحُكْم فيعينه مناطاً له، ثم يستدل على ذلك بإظهار ملاءمة الوصف للحكم (4).
(1) ينظر: (128).
(2)
ينظر: (149).
(3)
ينظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 293)، البحر المحيط للزركشي (5/ 257)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 273)، تيسير التحرير (4/ 43)، شرح الكوكب المنير (4/ 152 - 153).
(4)
ينظر: نهاية الوصول (7/ 3041 - 3042)، الإبهاج (3/ 83)، شرح المعالم لابن التلمساني (2/ 356)، سلم الوصول للمطيعي (4/ 142 - 143)، نشر البنود (2/ 171).
ومثاله: تحريم الخمر في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
فالآية نصٌّ صريحٌ على تحريم الخمر، ولم يتعرَّض النصُّ لبيان عِلَّة الحُكْم لا بصريح لفظٍ ولا بإيماء، فيستخرج المجتهد وصفاً ظاهراً منضبطاً وهو " الإسكار"، يحصل من ترتيب الحُكْم عليه مصلحة المحافظة على العقول، ولا يجد غيرَه من الأوصاف الصالحة للعِلِّية مثلَه ولا أولى منه، فكونه سائلاً أو بلون كذا أو بطعم كذا كلها أوصافٌ غير ملائمةٍ للتحريم، فيعيِّن المجتهدُ وصفَ " الإسكار " مناطاً لحُكْم التحريم، ويستدِلُّ على ذلك بإظهار ملاءمته للحُكْم، وهو كون وصف " الإسكار" يحصل من ترتيب الحُكْم عليه جلب مصلحةٍ وهي حفظ العقول من الاضطراب، ولا يوجد وصفٌ غيرُه مثلُه ولا أولى منه في محلِّ الحكم (1).
وبهذا يتبيَّن أن مسلكَ المناسبة أحدُ الطرق المُعْتَبرة التي يَعْتَمِدُ عليها المجتهدُ في تخريج المناط، بل هي أهمُّها وأعظمُها شأناً.
(1) ينظر: المستصفى (4/ 620)، شفاء الغليل (145 - 146)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 239)، البحر المحيط للزركشي (5/ 219)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 273)، شرح الكوكب المنير (4/ 155).
المبحث الثاني
تخريج المناط بمسلك السَّبْر والتقسيم
ويشتمل على خمسة مطالب:
المطلب الأول: تعريف السَّبْر والتقسيم لغةً واصطلاحاً.
المطلب الثاني: أقسام السَّبْر والتقسيم.
المطلب الثالث: حُجِّية مسلك السَّبْر والتقسيم.
المطلب الرابع: شروط صحة السَّبْر والتقسيم.
المطلب الخامس: صورة تخريج المناط بمسلك السَّبْر والتقسيم.