الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس عشر
زراعة عضوٍ استُؤصِل في حدٍّ أو قصاص
زراعة الأعضاء في الطب الحديث تعني: نقل عضوٍ سليمٍ أو مجموعةِ أنسجةٍ من إنسانٍ إلى آخر أو إلى الإنسان نفسه ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف (1).
والحدُّ في الاصطلاح الفقهي هو: عقوبةٌ مقدَّرةٌ شرعاً لأجل حقِّ الله تعالى (2).
أما القصاص فهو: أن يفُعل بالجاني مثل ما فَعَل بالمجني عليه أو شبهه في القتل أو القطع أو الجرح ، وهو ما يطلِق عليه الفقهاء مُسمَّى "القَوَد"(3).
وصورة المسألة أنه إذا أقيم الحدّ الشرعي على الجاني كأن تقطع يده كما في حدِّ السرقة مثلاً ، أو يقتص منه بقطع عضوٍ من أعضائه كما فَعَل بالمجني عليه: فهل يجوز للجاني بعد تنفيذ الحدِّ عليه أو القصاص منه أن يقوم بعملية جراحيةٍ لزراعة ذلك العضو وإعادته إلى مكانه؟
لقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذه المسألة في دورته السادسة بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 - 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م.
(1) ينظر: عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية بين القانون والشرع للدكتورة سميرة ديات (7).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع (7/ 54) ، الحدود لابن عرفة (479) ،التعريفات للجرجاني (74) ، كشاف القناع (6/ 77) ،
…
مغني المحتاج للشربيني (5/ 460).
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (26/ 125) ، نهاية المحتاج للرملي (7/ 287) ، المبدع شرح المقنع لابن مفلح (8/ 241) ، ،مواهب الجليل شرح مختصر خليل (6/ 274) ، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (163).
وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع زراعة عضوٍ استؤصِل في حدٍّ أو قصاصٍ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يأتي:
"أولاً: لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد؛ لأن في بقاء أثر الحدِّ تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
ثانياً: بما أن القصاص قد شُرِع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حقِّ الحياة للمجتمع، وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضوٍ استؤصِل تنفيذاً للقصاص، إلا في الحالات التالية:
أ- أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع من الجاني.
ب- أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة عضوه المقطوع منه.
ثالثاً: يجوز إعادة العضو الذي استُؤصِل في حدٍّ أو قصاصٍ بسبب خطأٍ في الحكم أو في التنفيذ" (1).
ويمكن إبراز أوجه تطبيق الاجتهاد في المناط على هذه المسألة فيما يأتي:
أولاً: من أعظم مقاصد الشرع في الأمر بإقامة الحدود -إذا توفرت شروطها وانتفت موانعها - تحقيق الزجر والتنكيل الذي يمنع الجاني وغيره من ارتكاب ما يوجب إقامة تلك الحدود.
كما قال تعالى في حدِّ السرقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38] أي: عقوبةً زاجرةً وعبرةً للناس (2).
(1) قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذه المسألة في دورته السادسة بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 - 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م، مجلة المجمع (64، ج 3/ 2161).
(2)
ينظر: معالم التنزيل للبغوي (1/ 105).
وقد اجتهد مجلس مجمع الفقه الإسلامي في تحقيق هذا المناط الكلي في منع إعادة العضو الذي استؤصِل في حدٍّ؛ لأن ذلك يتنافى مع مقصود الشارع من إقامة الحدود ، وهو تحقيق الزجر والنكال الذي يحجز الناس عن الإقدام على مايوجب إقامة تلك الحدود.
حيث ورد في القرار مانصّه: " وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحدّ في الزجر والردع والنكال، وإبقاءً للمراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، ونظراً إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية في عرف الطب الحديث، فلا يكون ذلك إلاّ بتواطؤٍ وإعدادٍ طبيٍّ خاصٍّ ينبئ عن التهاون في جدّية إقامة الحدِّ وفاعليته، قرر ما يلي:
أولاً: لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد؛ لأن في بقاء أثر الحدِّ تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر" (1).
ولا ريب أن الزجر والتنكيل في إقامة الحدود لا يتحقق إلا بتنفيذها وبقاء أثرها إذا توافرت شروطها وانتفت موانعها، وإلا أدَّى ذلك إلى الاستهانة بالحدود والجرأة على موجباتها ، فإذا علم السارق -مثلا- أنه يحقُّ له شرعاً إعادة يده إذا قُطِعت في حدِّ السرقة بإجراء زراعةٍ لذلك العضو فإنه قد يتجرأ على السرقة مرةً أخرى، ولا يتحقق حينئذٍ مقصود الشارع من إقامة حدِّ السرقة عليه وعلى مثله بقطع يده التي امتدت على أموال الناس ظلماً وعدواناً.
قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} ، أي:"مجازاةً على صنيعهما السييء في أخذ أموال الناس بأيديهم ، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك"(2).
ثانياً: من أعظم مقاصد الشرع في الأمر بالقصاص تحقيق العدل في العقوبات ،وإنصاف المجني عليه ،وصون النفس من الاعتداء عليها بغير حق،
(1) قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذه المسألة في دورته السادسة بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 - 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م، مجلة المجمع (64، ج 3/ 2161).
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (3/ 103).
وقد أناط الشارع ذلك المقصود بتحقيق المثلية في القصاص ، وهو أن يُفعل بالجاني مثل مافعَلَ بالمجني عليه سواءً بسواء.
قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
وقال عزَّ مِنْ قائل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126].
ولا ريب أن عدم تحقيق شرط المثلية في القصاص يجرِّئ الجناة على الاعتداء على الآخرين ، ويوغر صدور المجني عليهم ، ويثير العداوات التي ليس لها حدّ ، ولا يضبطها ضابطٌ إلا الشرع.
وقد اجتهد مجلس مجمع الفقه الإسلامي في تحقيق مناط المثلية في منع إعادة العضو الذي استؤصِل في قصاص ، فإذا اعتدى إنسانٌ على آخر فقطع أذنَه -مثلاً- ثم اقتُصَّ منه بقطع أذنه ، فإن الجاني لايحقُّ له شرعاً إجراء عملية زراعةٍ لإعادة تلك الأذن إلى مكانها بعد تنفيذ القصاص.
وذلك: " لأنه أبان عضواً من غيره دواماً ، فوجبت إبانته منه دواماً؛ لتحقُّق المقاصَّة"(1).
حيث ورد في القرار مانصّه: " بما أن القصاص قد شُرِع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حقِّ الحياة للمجتمع، وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضوٍ استُؤصِل تنفيذاً للقصاص، إلا في الحالات التالية:
أ- أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع من الجاني.
ب- أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة عضوه المقطوع منه" (2).
(1) كشاف القناع: (5/ 550).
(2)
قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذه المسألة في دورته السادسة بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 - 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م، مجلة المجمع (64، ج 3/ 2161).
ثالثاً: من ضوابط الاجتهاد في تحقيق المناط مراعاة اختلاف أحوال المكلَّفين ، فاختلاف الحال الذي يصاحب محلَّ الحكم له أثرٌ كبير في اختلاف الأحكام التي تجري عليه كماتقدم بيانه (1).
وقد راعى مجلس مجمع الفقه الإسلامي هذا الضابط في تحقيق مناط الحكم بجواز إعادة العضو المقطوع من الجاني في حدٍّ أو قصاص ، وذلك في الحالات التي يشترط فيها تحقيق المثلية المأمور بها في القصاص.
وهي الحالات الآتية (2):
الحالة الأولى: أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع من الجاني.
وذلك لأن المجني عليه إذا أذن للجاني أن يعيد العضو المقطوع منه فقد أسقط حقه في المثلية التي أناط الشارع حكم القصاص بها.
الحالة الثانية: أن يكون المجني عليه قد تمكَّن من إعادة عضوه المقطوع منه.
الحالة الثالثة: إعادة العضو الذي استؤصِل في حدٍّ أو قصاصٍ بسبب خطأٍ في الحكم أو في التنفيذ.
(1) ينظر: (229 - 235).
(2)
ينظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 - 23 شعبان 1410 الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م، مجلة المجمع (العدد السادس، ج 3 ص 2161).