الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
تعريف الاجتهاد لغةً واصطلاحاً
سأتناول في هذا المبحث تعريف الاجتهاد في اللغة، وتعريفه في اصطلاح الأصوليين، وبيان وجه المناسبة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي، وذلك من خلال ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الاجتهاد لغةً
.
تكاد تتفق المعاجم اللغوية على أن لفظ"الاجتهاد" مشتقٌ من مادة (جـ هـ د)، وتُطْلَق على: بذل الوسع والطاقة، وبلوغ الغاية في الطلب، وتحمُّل المشقة (1).
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]، أي: طاقتهم (2).
ويقال: جَهَدَ دابته وأجْهَدها، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها (3).
والجهد (بالفتح والضم): الطاقة والوسع، وقيل (بالفتح): المشقة، و (بالضم): الوسع والطاقة (4).
(1) ينظر: الصحاح (2/ 460 - 461)، معجم مقاييس اللغة (1/ 486 - 487)، لسان العرب (3/ 223 - 225)،
تاج العروس (2/ 329 - 330)" مادة: جـ هـ د ".
(2)
ينظر: المفردات في غريب القرآن للأصفهاني (208)، معاني القرآن وإعرابه للزجاج (2/ 284)، "مادة: جـ هـ د".
(3)
ينظر: الصحاح (2/ 460)"مادة: جـ هـ د".
(4)
ينظر: تاج العروس (2/ 329)"مادة: جـ هـ د".
وقيل: الجُهْدُ (بالضم) لغة أهل الحجاز، و (بالفتح) لغة غيرهم (1).
ومن خلال االنظر في أهم الاستعمالات اللغوية للفظ " الاجتهاد " يمكن تقرير ما يأتي:
أولاً: أن لفظ " الاجتهاد " في اللغة يدور على معنى بذل الوسع والطاقة في طلب الأمر، وتحمُّل المشقة من أجل الوصول له.
ثانياً: أن لفظ " الاجتهاد " في اللغة لا يُطْلَق إلا على مَنْ بذل الوسْعَ في تحصيل ما فيه كلفةٌ ومشقة، ومن طلب أمراً دون أن يتحمَّل في طلبه مشقةً فإنه لا يكون مجتهِداً فيه.
قال الغزالي (2): " وهو - أي: الاجتهاد في اللغة -: عبارةٌ عن بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعلٍ من الأفعال، ولا يُسْتَعْمَلُ إلا فيما فيه كلفةٌ وجهد، فيقال: اجتهد في حمل حجر الرَّحا، ولا يقال: اجتهد في حمل خردلة "(3).
وقال الشوكاني (4): " هو في اللغة مأخوذٌ من الجهد وهو المشقة والطاقة، فيختصُّ بما فيه مشقةٌ لِيُخْرِجَ عنه ما لا مشقةَ فيه "(5).
ثالثاً: أن لفظ " الاجتهاد " كما يُسْتَعْمَلُ لغةً في الأمور الحسيَّة كبذل الوسع في حمل الحجر الثقيل فإنه يُسْتَعْمَلُ - أيضاً- في الأمور المعنوية كبذل الوسع في اجتهاد الرأي، ومنه قول معاذ بن جبلٍ (6) رضي الله عنه:" اجتهد رأيي "(7).
(1) ينظر: المصباح المنير (43)" مادة: جـ هـ د".
(2)
هو: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي، الملقب بحجة الإسلام، أصولي فيلسوف، وفقيه متكلم، من أنجب تلاميذ إمام الحرمين الجويني، شهرته في الفقه وأصوله، وفي التصوف والسلوك تغني عن الإطناب، له في الأصول: المستصفى (ط)، والمنخول (ط)، وشفاء الغليل (ط)، وأساس القياس (ط)، وفي الفقه: الوجيز (ط)، والوسيط (ط)، وفي التصوف والسلوك: إحياء علوم الدين (ط)، وغيرها، توفي سنة (505 هـ).
ينظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (6/ 191)، طبقات الشافعية للإسنوي (2/ 242)، الأعلام للزركلي (2/ 242).
(3)
المستصفى: (4/ 4).
(4)
هو: أبو عبدالله محمد بن علي الشوكاني الخولاني، ثم الصنعاني، ولد بهجرة شوكان باليمن، ونشأ بصنعاء، قرأ على والده وكثيرِ من علماء بلده، عالمٌ محقق، أتقن جملةً من العلوم، من مؤلفاته: فتح القدير (ط) في التفسير، ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار (ط)، وإرشاد الفحول (ط) في أصول الفقه، توفي سنة (1250 هـ).
ينظر في ترجمته: البدر الطالع (2/ 214)، الأعلام للزركلي (6/ 298).
(5)
إرشاد الفحول: (2/ 715).
(6)
هو: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري، صحابيٌّ جليل، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزواته، من علماء الصحابة المشهورين، ومن أعلمهم بالحلال والحرام، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معلماً لأهل اليمن، توفي سنة (18 هـ).
ينظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (1/ 443)، الإصابة (3/ 426 - 427)، الأعلام للزركلي (7/ 258).
(7)
أخرجه أحمد في " مسنده "، رقم (22357)، وأبو داود في " سننه "، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء، رقم (3592)، والترمذي في " جامعه "، كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي برقم (1327)، وصححه: الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1/ 472)، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم (2/ 894)، وابن القيم في أعلام الموقعين (2/ 354) وهو من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول.