الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصلح، أو شقيُّ متجاهلٌ لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من تفاوت (1).
والموازنة بين المصالح والمفاسد المتعارضة - غالباً- ما تكتنفها كثيرٌ من الملابسات، وهذا يستلزم إجراء الموازنة وفق ضوابط شرعيَّةٍ تُراعى فيها جميع الوجوه، وأن لا يُتْرَك الأمر للأذواق والأهواء المختلفة.
قال ابن تيمية: " اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تُعْوِز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام "(2).
وهذه الضوابط تنقسم بحسب أنواع تعارض المصالح والمفاسد إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ضوابط الموازنة بين المصالح المتعارضة.
الثاني: ضوابط الموازنة بين المفاسد المتعارضة.
الثالث: ضوابط الموازنة بين المصالح والمفاسد المتعارضة.
وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
القسم الأول: الموازنة بين المصالح المتعارضة
.
إذا تعارضت عدَّة مصالح في محلٍّ واحدٍ، وتعذَّر تحصيلها فإنه يصار للترجيح بينها بحسب ما يأتي:
- إذا كانت المصالح المتعارضة مختلفةً في مراتبها، بأن كان بعضها ضرورياً، وبعضها حاجياً، وبعضها تحسينياً، فإنه تُقَدَّم المصالح الضرورية على الحاجية والتحسينية، وتُقَدَّم الحاجية على التحسينية؛ لأن المصالح الضرورية لابدَّ منها لقيام مصالح الدِّين والدنيا، وإذا فُقِدَت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوات حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم
(1) ينظر: المرجع السابق (1/ 9).
(2)
مجموع الفتاوى: (28/ 129).
والخسران المبين، والمصالح الحاجية إنما يفتقر إليها للتوسعة على المكلَّفين ورفع الضيق والحرج عنهم، ولا يترتب على فقدها ما يترتب على فقد الضروريات، أما المصالح التحسينية فلأنه لا يترتب على فقدها تلفٌ أو هلاك، ولا ينشأ عن فواتها حرجٌ ولا مشقة، وإنما يترتب على فقدها أن تصبح أحوال الناس غير مُستحسَنَةٍ عند ذوي العقول السليمة والفطر القويمة (1).
مثاله: تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلاة في أول وقتها؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين تتحقق به مصلحةٌ ضروريةٌ وهي حفظ النفس، بينما أداء الصلاة في أول وقتها من المصالح التحسينية المندوب إلى فعلها (2).
- وإذا كانت المصالح المتعارضة متساويةً في الرتبة، ولكنها مختلفةٌ في النوع، بأن كانت من الضروريات، لكن بعضها يتعلَّق بحفظ الدين، وبعضها يتعلَّق بحفظ النفس، وبعضها يتعلَّق بحفظ العقل، وبعضها يتعلَّق بحفظ النسل، وبعضها يتعلَّق بحفظ المال، فإنه تقدم المصالح المتعلِّقة بحفظ الدين، ثم المصالح المتعلِّقة بحفظ النفس، ثم المصالح المتعلِّقة بحفظ العقل، ثم المصالح المتعلِّقة بحفظ النسل، ثم المصالح المتعلِّقة بحفظ المال، وذلك بحسب أهمية ما يترتب عليها في أحكام الشرع (3).
مثاله: تقديم إنقاذ الأنفس عند الأخطار على إنقاذ الأموال؛ لأن حفظ النفس أعظم رتبةً في الطلب من حفظ المال (4).
-وإذا كانت المصالح المتعارضة متساويةً في الرتبة والنوع، وكان بعضها عامَّاً، وبعضها خاصّاً، بأن كانت من الضروريات، وتتعلَّق بحفظ نوعٍ واحدٍ من الكليَّات الخمس، كالدِّين أو النفس أو العقل أو النسل أو المال، وبعضها يُعْتَبر من المصالح العامة، وبعضها من المصالح الخاصة، فإنه تُقَدَّم المصلحة المتعلِّقة بالعموم على المصلحة المتعلِّقة بالخصوص؛ لأن اعتناء الشرع
(1) ينظر: الموافقات (2/ 17 - 23)، مقاصد الشريعة لابن عاشور (300 - 308).
(2)
ينظر: قواعد الأحكام لابن عبدالسلام (1/ 96).
(3)
ينظر: الموافقات (2 - 511 - 512)، مقاصد الشريعة لابن عاشور (303 - 305).
(4)
ينظر: قواعد الأحكام لابن عبدالسلام (1/ 104 - 105)، مقاصد الشريعة لابن عاشور (297).