الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاجب الذي أطلق المُسمَّى على المسلك نفسه (1).
ووجْهُ ذلك: أن المناسبة والإخالة معنيان قائمان بالوصف المناسب - وهو الملائمة والموافقة - فلا يناسبهما التسمية بتخريج المناط، ولا التعريف بتعيين العِلَّة؛ إذ التخريج والتعيين فعلان للمُسْتَدِل (2).
وبهذا يتضح أن أصحاب الاتجاه الثاني يعتبرون تخريج المناط بأنه: الاجتهاد في استنباط عِلَّة الحُكْم الذي دلَّ النصُّ أو الإجماعُ عليه دون عِلَّته، وذلك بمسلك المناسبة دون غيره من المسالك الاجتهادية الأخرى.
تحليل اتجاهات الأصوليين والمقارنة بينها:
من خلال تأمل اتجاهات الأصوليين في المسلك الذي تُسْتَنْبَط به العِلَّة في تخريج المناط تبيَّن لي الآتي:
1 -
أن أصحاب الاتجاهين اتفقوا على أن تخريج المناط يختصُّ بالعِلَل المُسْتَنْبَطَة، فالعِلَّة غير مذكورةٍ في النصِّ لا صراحةً ولا إيماءً، وعلى المجتهد أن يقوم باستخراجها (3).
2 -
أن الاختلاف بين الاتجاهين في المسلك الذي تُسْتَنْبَط به العِلَّة في تخريج المناط إنما يرجع إلى الاصطلاح، وليس له أثرٌ معنوي، فأصحاب الاتجاه الأول اصطلحوا على إطلاق مسمى " تخريج المناط " على استنباط العِلَّة بأي مسلكٍ من مسالكها الاجتهادية المُعْتَبرة، وأصحاب الاتجاه الثاني اصطلحوا على إطلاق مُسمَّى " تخريج المناط " على استنباط العِلَّة بمسلك المناسبة دون غيره من المسالك الاجتهادية الأخرى، وهذا الاختلاف الذي
(1) ينظر: شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 173).
(2)
ينظر: حاشية زكريا الأنصاري على شرح المحلي على جمع الجوامع (3/ 353)، الآيات البينات على شرح المحلي على جمع الجوامع (4/ 121)، حاشية ابن العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 317)، سلم الوصول للمطيعي (4/ 142)، نبراس العقول (276).
(3)
ينظر: رسالة في أصول الفقه للعُكْبَري (85)، المستصفى (3/ 490)، روضة الناظر (3/ 805)، الإحكام للآمدي (3/ 380)، نهاية الوصول (7/ 3046)، الإبهاج (3/ 83)، البحر المحيط للزركشي (7/ 324)، التقرير والتحبير (3/ 245)، شرح الكوكب المنير (4/ 202).
يعود إلى الاصطلاح ليس له أثرٌ في إثبات العِلِّيَّةِ أو نفيها بمسلكٍ أو بآخر، وإذا كان الأمر كذلك فلا مشاحةَ في الاصطلاح.
3 -
أن أصحاب الاتجاه الأول اعتبروا العلاقة بين الاصطلاح ومعناه، فتخريج المناط سُمِّي بذلك لأنه: استخراج ما نيط به الحُكْم من خفاء وهو العِلَّة (1)، وهذا المعنى يصدق على استنباط العِلَّة بأي مسلكٍ من مسالكها الاجتهادية المُعْتَبرة.
أما أصحاب الاتجاه الثاني فقد أطلقوا مُسَمَّى " تخريج المناط " على استنباط العِلَّة بمسلك المناسبة فقط، وهذا يُعْتَبر اصطلاحاً أخصَّ من الأول، وهو أحد أفراد معانيه.
4 -
لم أجد أحداً من الأصوليين - حسب اطلاعي - ينازع صراحةً في إطلاق مُسمَّى " تخريج المناط " على استنباط العِلَّة بالسَّبْر والتقسيم أو الدوران أو أحد المسالك الاجتهادية الأخرى.
فالعِلَّة تثبت في تلك المسالك بالاستنباط كما تثبت كذلك في مسلك المناسبة ولا فرق، وغاية ما يثبت عن أصحاب الاتجاه الثاني أنهم يطلقون مُسمَّى " تخريج المناط " على استخراج العِلَّة بمسلك المناسبة، ويُصرِّحون بذلك عند تعريفهم لمسلك المناسبة والإخالة كما سبق ذكره (2).
ولهذا فلا يَبْعُد أن يقال ذلك باعتبار أن المناسبة هي أهم مسالك العِلَّة الاجتهادية، أو يقال ذلك لأن باقي المسالك كالسَّبْر والتقسيم والدوران لا تستقل بالدلالة على العِلِّيِّة، بل لابد أن يَنْضَمَّ إليها المناسبة (3).
وبناءً على ما تقدَّم فإن الاصطلاح الذي سأعتمده في بحثي هو إطلاق مُسمَّى " تخريج المناط " على: " الاجتهاد في استنباط عِلَّة الحُكْم الذي دلَّ
(1) ينظر: شرح تنقيح الفصول (389)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 239)، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (4/ 330)، الإبهاج (3/ 83)، البحر المحيط للزركشي (7/ 262)، شرح الكوكب المنير (4/ 152).
(2)
ينظر: (131 - 132).
(3)
ينظر: نبراس العقول (276).
النصُّ أو الاجماعُ عليه من غير تعرُّضٍ لبيان عِلِّته لا صراحةً ولا إيماءً، وذلك بأي مسلكٍ من مسالك العِلَّة الاجتهادية المُعْتَبرة، كالمناسبة أو السَّبْر والتقسيم، أو الدوران ".