الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
علاقة الاجتهاد في المناط بالمصلحة المرسلة
سأتناول في هذا المبحث بيان علاقة الاجتهاد في المناط بالمصلحة المرسلة، وذلك من خلال ثلاثة مطالب ، وهي على النحو الآتي:
المطلب الأول: تعريف المصلحة المرسلة لغةً، واصطلاحاً
.
المصلحة لغةً: مأخوذةٌ من الصلاح ،وهو ضدُّ الفساد (1).
قال ابن فارس: "الصَّاد واللَاّم والحاء: أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الفساد، يقال: صلَح الشيء يصلح صلوحاً .. "(2).
والمصلحة: واحدة المصالح، والاستصلاح: نقيض الاستفساد، وأصلح الشيء بعد فساده: أقامه (3).
والمصلحة اصطلاحاً: المحافظة على مقصود الشرع (4).
ومقاصد الشرع خمسة، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال (5).
(1) ينظر: الصحاح (1/ 383) ، لسان العرب (2/ 517) ،تاج العروس (6/ 547 - 549).
(2)
ينظر: معجم مقاييس اللغة (3/ 303).
(3)
ينظر: الصحاح (1/ 383) ، لسان العرب (2/ 517) ، تاج العروس (6/ 547 - 549).
(4)
ينظر: المستصفى (2/ 482) ،البحر المحيط للزركشي (6/ 76) ، إرشاد الفحول (2/ 990).
(5)
ينظر: المستصفى (2/ 482) ،المحصول (5/ 160) ،الإحكام للآمدي (3/ 343) ،شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 209) ،نهاية السول (4/ 82 - 83) ، الإبهاج (3/ 55)، الموافقات (2/ 20) ،البحر المحيط للزركشي (5/ 209) ،تيسير التحرير (3/ 306) ، شرح الكوكب المنير (4/ 159 - 160)
قال الغزالي: " فكلُّ ما يتضمَّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلُّ ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة"(1).
وتنقسم المصلحة باعتبار قوتها في ذاتها إلى ثلاثة أقسام (2):
1 -
مصلحة ضرورية ،وهي: التي لابدَّ منها في قيام مصالح الدِّين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تَجْرِ مصالح الدنيا على استقامةٍ بل على فسادٍ وتهارجٍ وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم وحصول الخسران، وهي مايتوقف عليه حفظ الدين أو النفس أو العقل أو النَّسْل أو المال.
2 -
مصلحة حاجية ، وهي: ما يُفتقَر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدِّي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب ،كرخص السفر والمرض، وإباحة الصيد، والتمتع بالطيبات مما هو حلالٌ في المأكل والمشرب والملبس والمسكن، وكالبيع، وضرب الدِّية على العاقلة، ونحو ذلك.
3 -
مصلحة تحسينية، وهي: الأخذ بما يليق من محاسن العادات والتجنب للأحوال المدنِّسات التي تأنفها العقول الراجحات ، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق، كالطهارة، وستر العورة ،وأخذ الزينة، والتقرب بنوافل العبادات، وكآداب الأكل والشرب واللباس، وعدم الإسراف او التقتير في المآكل والمشارب والملابس، وكمنع قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد.
والمصلحة المُرْسَلة هي: كل منفعةٍ ملائمةٍ لمقصود الشارع لم يشهد لها نصٌّ خاصٌّ بالاعتبار أو الإلغاء (3).
(1) المستصفى: (2/ 482).
(2)
ينظر: المستصفى (2/ 482 - 485) ، المحصول (5/ 160 - 161) ، الإحكام للآمدي (3/ 343 - 345) ، نهاية السول (4/ 83 - 85) ، الموافقات (2/ 17 - 23) ، البحر المحيط للزركشي (5/ 208 - 212) ، تيسير التحرير (3/ 306 - 307) ،شرح الكوكب المنير (4/ 159 - 168).
(3)
ينظر: المستصفى (3/ 633) ، المحصول (5/ 166) ، الإحكام للآمدي (3/ 357) ،شرح تنقيح الفصول
…
للقرافي (350 - 351) ،الاعتصام (612) ، الموافقات (1/ 32) ،التقرير والتحبير (3/ 151).
والإرسال لغة هو: مجرَّد الإطلاق، يقال: أرسل الناقة إذا أطلقها (1).
وقد سُمِّيت بالمصلحة المُرْسَلة لأنها مُطْلَقَةٌ لم يَرِدْ فيها دليلٌ خاصٌّ بالاعتبار أو الإلغاء، فهي مطلقةٌ من جهة الدليل الخاص لكنها مندرجةٌ تحت الدليل الكلي العام.
ومن هذا التعريف يمكن أن نستخلص ثلاثة قيودٍ تميِّز المصلحة المُرْسَلة عن غيرها من المصالح وهي:
الأول: أن لا يشهد لها نصٌّ خاصٌّ بالاعتبار، فيخرج بهذا القيد المصالح التي شهدت لها النصوص الخاصة بالاعتبار.
الثاني: أن لا يشهد لها نصٌّ خاصٌّ بالإلغاء، وهذا القيد يدل على عدم معارضتها للنصوص الشرعيَّة الخاصة.
الثالث: أن تكون ملائمةً لمقصود الشارع.
والمراد بملاءمة مقصود الشارع: أن لا تنافي أصلاً من أصوله، ولا تعارِض نصَّاً أو دليلاً من أدلته، بل تكون مُتَفَقَةً مع المصالح التي قصد الشارع تحصيلها.
قال الغزالي: " فكلُّ مصلحةٍ لا ترجع إلى حفظ مقصودٍ فُهِمَ من الكتاب والسُّنَّة والإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرُّفات الشرع فهي باطلةٌ مطَّرَحَة"(2).
وما يلائم تصرُّفات الشارع" لا يخرج عن كونه شرعياً، وإن لم يرِد به نصٌّ معين ،إذ لا يلزم من عدم التنصيص عليه عدم شرعيته، ولو كان كلُّ حُكْمٍ يحتاج إلى نصٍّ معيَّنٍ للزم أن تضيق الشريعة، واللازم باطل؛ لأنها واسعة، فكذلك الملزوم"(3).
والمصلحة المُرْسَلة بهذه القيود تُعتبَر طريقاً للحُكْم يستند إلى الدليل
(1) ينظر: لسان العرب (11/ 285)، القاموس المحيط (1/ 1006).
(2)
المستصفى: (2/ 502 - 503).
(3)
عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق للباني: (331).