الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلك الثالث: الإجماع
.
وهو: أن يتفق المجتهدون من أُمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم في عصرٍ من الأعصار بعد وفاته على ثبوت مناط الحُكْم في أحد أفراده.
واعتباره مسلكاً من مسالك تحقيق المناط يستلزم الاتفاق على ثلاثة أشياء:
الأول: الاتفاق على حُكْم الأصل.
الثاني: الاتفاق على مناط الحُكْم في الأصل.
الثالث: الاتفاق على ثبوت مناط الحُكْم في الفرع.
ومثاله: اتفاق المجتهدين على تحريم وطء الحائض لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وهو اتفاقٌ منهم على حُكْم الأصل، ثم اتفقوا على أن مناط الحُكْم في ذلك هو: القذر والنجاسة، ثم اتفقوا على أن هذا المناط - وهو القذر والنجاسة - موجودٌ في النِّفاس، وهو اتفاقٌ منهم على ثبوت مناط الحُكْم في ذلك الفرع (1).
وبهذا يكون إجماعهم على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده حُجَّةٌ معتبرةٌ، ويُعَدُّ مسلكاً من مسالك تحقيق المناط.
المسلك الرابع: قول الصحابي
.
وهو: أن يدلَّ قول الصحابي على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.
ومثاله: قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38].
فالآية نصٌّ صريحٌ في وجوب قطع يد السارق، ومناط الحُكْم هو:
(1) ينظر: المغني لابن قدامة (1/ 419)، المجموع للنووي (2/ 537)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 480).
السرقة، وقد ثبت تحقيق مناط الحُكْم - وهو السرقة - في النَّبَّاش (1)، وذلك استناداً إلى قول عائشة رضي الله عنها " يُقْطَعُ سارق أمواتنا كما يُقْطَعُ سارق أحيائنا "(2).
وعلى هذا فإنَّه إذا دلَّ قول الصحابي على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده فهو حُجَّةٌ معتبرةٌ ما لم يعارضه ما هو أرجح منه؛ لأن الصحابي اختصَّ بشهود تنزيل الوحي، وشاهَدَ تأويلَه بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله وسيرته، فحصل له من العلم وأسبابه ما لم يحصل لغيره (3).
قال ابن القيم: " أمَّا المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ والأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبرَّ قلوباً، وأعمقَ علماً، وأقلّ تكلَّفاً، وأقربَ إلى أن يوفَّقوا فيها لما لم نُوَفَق له نحن؛ لِما خصَّهم الله تعالى به من توقَّد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحُسْن الإدراك وسرعته، وقلَّة المعارِض أو عدمه، وحُسْن القصد، وتقوى الرَّب تعالى، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزةٌ في فِطَرِهِم وعقولهم .. "(4).
(1) ينظر: شفاء الغليل (437)، البحر المحيط للزركشي (5/ 256)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 293)، إرشاد الفحول (2/ 920).
وقد ذهب إلى ذلك: المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ لأن معنى السرقة متحققٌ في النباش الذي يأخذ كفن الميت، وهو أخذٌ للمال خفيةً، وذهب أبو حنيفة إلى أنه غير سارق؛ لأنه أخذٌ مالٍ عارضٍ للضياع، كالملتقط من غير حرز.
ينظر في المسألة: بدائع الصنائع (7/ 68 - 69)، المغني لابن قدامة (12/ 455 - 456)، مغني المحتاج (4/ 221)، جواهر الإكليل (2/ 292).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(10/ 34)، وأخرجه البيهقي في " معرفة السنن والآثار "، كتاب السرقة، باب النباش، رقم (5416)، ولفظه عنده:" سارق أمواتنا كسارق أحيائنا ".
(3)
ينظر: المرجع السابق (6/ 18 - 20).
(4)
إعلام الموقعين: (6/ 21).