الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية: المعالجة الأولية (الفيزيائية)
.
وتهدف هذه المرحلة إلى تخفيض قيم الملوثات الموجودة في مياة المجاري، ولاسيما المواد العضوية كالزيوت والشحوم والبروتينات، والمواد الصلبة غير العضوية القابلة للفصل كالقلويات والمعادن الثقيلة والكبريت، حيث يتم ترسيب هذه المواد من خلال أحواض الترسيب الأولي.
المرحلة الثالثة: المعالجة الثانوية (البيولوجية أو الأحيائية)
.
وتهدف هذه المرحلة إلى تحليل المركبات العضوية إلى مواد غازية تتطاير، وتحويلها إلى مركباتٍ مستقرة، وكتلةٍ حيوية، تتألف في معظمها من البكتيريا، وبعض الكائنات الدقيقة التي يكون وزنها أكبر قليلاً من الوزن النوعي للماء، مما يسهل ترسيبها في أحواض الترسيب الثانوي، وفصلها عن المياة ومعالجتها على انفراد، مما يؤدي إلى الحصول على مياه خاليةٍ عملياً من التلوث العضوي.
المرحلة الرابعة: (الترشيح، والتعقيم)
.
وهذه المرحلة تعتمد على وحدتين متتاليتين للمعالجة، هما:
1 -
الترشيح: وتهدف هذه العلمية إلى فصل وإزالة المواد العالقة العضوية وغير العضوية، وجميع الشوائب التي لم يتم فصلها في حوض الترسيب الثانوي، وهذا من خلال المرشحات الرملية، التي يتم غسلها باستمرار عن طريق حركة المياة العكسية.
2 -
التعقيم: وتهدف هذه العملية إلى القضاء على البكتيريا والأحياء الأخرى الدقيقة التي تسبب عدة أمراض معدية وخطيرة، ويستخدم غاز الكلور المحقون في مياه الصرف الصحي لإحداث عملية التعقيم، كما يستخدم -أيضاً- التعقيم بالأوزون والأشعة فوق البنفسجية، وذلك لتهديم البنية الجرثومية.
فإذا تمت معالجة مياه الصرف الصحي من خلال المراحل المذكورة:
هل يجوز حينئذٍ استخدامها في الطهارة الشرعيَّة، كالوضوء لرفع الحدث الأصغر، أوكالغسل لرفع الحدث الأكبر؟
مياه الصرف الصحي قبل معالجتها تعتبر نجسة؛ لأن المياة الطاهرة فيها اختلطت بنجاساتٍ غيَّرت طعمها ولونها ورائحتها ، والماء إذا تغيَّرت أوصافه بنجاسةٍ صار نجساً ، فلايجوز حينئذٍ استخدامها في الطهارة ، فهي لاترفع حدثاً ، ولاتزيل نجساً.
أما مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وتنقيتها التنقية الكاملة بالطرق المذكورة أو مايماثلها ، والتي لايبقى معها أثرٌ للنجاسة في الطعم واللون والرائحة ، فإنها تُعتبَر طاهرة، ويجوز حينئذٍ استخدامها في رفع الأحداث وإزالة النجاسات ، وتحصل بها الطهارة الشرعيَّة.
وقد أصدر المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قراراً في دورته الحادية عشرة بجواز استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في الطهارة ، ومما جاء في نصِّ القرار:" ماء المجاري إذا نُقِّي بالطرق المذكورة أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثرٌ في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه صار طهوراً يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به"(1).
كما أصدرت هيئة كبار العلماء بالسعودية - أيضاً - قراراً في دورتها الثالثة عشرة بجواز استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في الطهارة ، ومما جاء في نصِّ القرار: " وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلُّص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يُعْتَبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير، حيث يبذل كثيرٌ من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات .... لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا فيها تغيُّر بنجاسةٍ في طعمٍ ولا لونٍ ولا
(1) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (258) ،مجلة البحوث الإسلامية (العدد 49، ص 365 - 366).
ريحٍ، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها ومنها" (1).
ويمكن إبراز أوجه تطبيق الاجتهاد في المناط على هذه المسألة فيما يأتي:
أولاً: المناط الذي علَّق الشارع به حُكْم طهورية الماء هو أن يبقى الماء على أصل خلقته لم يتغيَّر طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسة ، فإذا تغيَّر لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسةٍ صار نجساً، وقد ثبت هذا المناط بمسلك الإجماع.
قال ابن المنذر (2): "أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيَّرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحةً أنه نجسٌ ما دام كذلك"(3).
وقال ابن حزم: " واتفقوا على أن الماء الذي حلَّت فيه نجاسةٌ فأحالت لونه أو طعمه فإنَّ شُربَه لغير ضرورةٍ والطهارة به على كلِّ حالٍ لايجوز"(4).
وعلى هذا فالحُكْم على الماء بالطهارة أو النجاسة يدور مع الوصف الذي علَّق به الشارع ذلك الحُكْم وجوداً وعدماً، فإن بقي الماء على أصل خلقته لم يتغيَّر طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسةٍ وقعت فيه فهو طاهر ، وإن تغيَّرت أحد أوصافه بنجاسةٍ فهو نجس.
ثانياً: لمَّا ثبت مناط الحُكْم في طهورية الماء ونجاسته بمسلك الإجماع اجتهد فقهاء العصر في تحقيق ذلك المناط في مياه الصرف الصحي.
وانبنى على ذلك: القولُ بأن مياه الصرف الصحي قبل المعالجة تُعتَبَر
(1) أبحاث هيئة كبار العلماء: (6/ 216 - 217).
(2)
هو: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، فقيهٌ مجتهدٌ من الحفاظ، كان شيخ الحرم بمكة، من مؤلفاته: الإجماع (ط)، والإقناع (ط)، والأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (ط)، وغيرها، توفي سنة (319 هـ).
ينظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء (4/ 490)، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (2/ 126)، الأعلام للزركلي (5/ 294).
(3)
الإجماع: (35).
(4)
مراتب الإجماع: (1/ 19).
نجسةً؛ لأن الماء لم يبق على أصله، حيث اختلطت به النجاسات - وإن كانت نسبتها قليلة - فتغيَّر طعمه ولونه ورائحته بتلك النجاسات.
و"كلُّ نجاسةٍ ينجس بها الماء يصير حكمه حكمها؛ لأن نجاسة الماء ناشئةٌ عن نجاسة الواقع، وفرعٌ عليها، والفرع يثبت له حُكْم أصله"(1).
كما انبنى على ذلك أن مياه الصرف الصحي إذا تمت معالجتها وتنقيتها ، وعاد الماء إلى أوصافه الطبيعية ، ولا أثر للنجاسة في طعمه أو لونه أو رائحته ، فإنه حينئذٍ يُعْتَبر طاهراً؛ لأن الماء إذا انفكت عنه آثار النجاسة فلم يبق لها أثرٌ في طعمه ولونه ورائحته عاد إلى أصله وهو الطهورية.
والشرع قد رتَّب حُكْم النجاسة بناءً على الأوصاف والمعاني التي قامت بتلك الأعيان، فإذا انتفت هذه الأوصاف والمعاني عن تلك الأعيان فقد انتفى عنها حُكْم النجاسة، ولا عبرة بالأصل الذي استحالت منه (2).
والإجماع منعقِدٌ على أن الخمر إذا تخلَّلَت بنفسها وانقلبت إلى خَلّ ،فإنها تَحِلُّ وتطهر بهذه الاستحالة (3).
قال ابن القيم رحمه الله: "وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة (4)
على وفق القياس، فإنها نجسةٌ لوصف الخبث، فإذا زال الموجِب زال الموجَب، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها
…
وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت (5) .... والثمار إذا
(1) المغني: (1/ 46).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع (1/ 85) ، مجموع الفتاوى (21/ 70 - 71).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (29/ 331).
(4)
الاستحالة تعني: انقلاب العين إلى عينٍ أخرى تغايرها في صفاتها وتتحول حينئذٍ المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة. ينظر: حاشية ابن عابدين (1/ 316) ، ثبت أعمال ندوة رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية (1080) ضمن توصيات الندوة الفقهية الطبية الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت.
(5)
اختلف الفقهاء في طهارة النجاسات بالاستحالة على قولين:
القول الأول: يطهر الشيء باستحالته عن النجاسة ، وقد ذهب إلى ذلك: الحنفية، والمالكية ،ورواية عن الحنابلة، واختاره ابن تيمية.
القول الثاني: النجاسات لاتطهر بالاستحالة ، وقد ذهب إلى ذلك: أبويوسف من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
ينظر: بدائع الصنائع (1/ 85) ، المغني لابن قدامة (1/ 97) مغني المحتاج (1/ 236) ، مجموع الفتاوى (21/ 70 - 71) ، مواهب الجليل (1/ 97).
سُقيت بالماء النجس ثم سُقيت بالطاهر حلَّت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثاً صار نجساً ،كالماء والطعام إذا استحال بولاً وعذرة، فكيف أثَّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيباً؟ والله- تعالى- يخرج الطيب من الخبيث، والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء في نفسه، ومن الممتنع بقاء حُكْم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحُكْم تابعٌ للاسم والوصف، دائرٌ معه وجوداً وعدماً" (1).
وقال ابن حزم: " إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام، فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحُكْم فيه، وانتقل إلى اسمٍ آخر واردٍ على حلالٍ طاهر، فليس هو ذلك النجس ولا الحرام، بل قد صار شيئاً آخر ذا حُكْمٍ آخر
…
والأحكام للأسماء ، والأسماء تابعةٌ للصفات" (2).
وتخريجاً على ذلك فقد أناط مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي جواز استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وتنقيتها بالوصف الذي أناط الشارع به طهورية الماء حيث ورد في نصِّ القرار أن: ماء المجاري إذا نُقِّي بالطرق المذكورة أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثرٌ في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه صار طهوراً يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به" (3).
وكذا أعضاء هيئة كبار العلماء أناطوا جواز استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وتنقيتها بالوصف الذي أناط الشارع به الحُكْم على الماء بالطهورية حيث ورد في نصِّ القرار أن: " المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها
(1) إعلام الموقعين: (3/ 183).
(2)
المحلى: (1/ 143 - 144).
(3)
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي: (258).
التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يُرى فيها تغيرٌ بنجاسةٍ في طعمٍ ولا لونٍ ولا ريحٍ، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها ومنها" (1).
ثالثا: الاجتهاد في تحقيق مناط النجاسة في مياه الصرف الصحي قبل المعالجة يثبت عادةً بمسلك الحسّ ، حيث من رأى تلك المياه أدرك تغيُّر لونها ، وكذا من اشتمَّ رائحتها شمَّ فيها رائحة النجاسة ، وإذا تمَّ تحليل هذه المياه في المختبرات المختصة وُجِد أنها تحوي نسبةً كبيرةً من البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الضارَّة.
وكذا الاجتهاد في تحقيق مناط الطهارة في مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وتنقيتها فإنه يثبت بمسلك الحسّ أيضاً، حيث يُدرِك من رأى تلك المياه أو اشتمَّ رائحتها أنه لا أثر للنجاسة على لونها أو طعمها أو رائحتها ، وأنها مياه طاهرةٌ نقيَّة.
وقد جاء في نصّ قرار هيئة كبار العلماء أن: " المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يُرى فيها تغيرٌ بنجاسةٍ في طعمٍ ولا لونٍ ولا ريح .. "(2).
ومسلك الحسِّ من مسالك الاجتهاد في تحقيق المناط كما تقدم (3).
كما يمكن إثبات ذلك -أيضاً- بمسلك قول أهل الخبرة من المختصِّين في تنقية المياة ومعالجتها ، فإذا أثبتوا أن مياه الصرف الصحي بعد معالجتها بالطرق المذكورة أو مايماثلها تصير مياه نقيَّةً خاليةً من النجاسات والملوِثات اُعتُبِر حينئذٍ قولهم، وبُنيَ عليه القول بطهورية تلك المياة، وجواز استخدامها في رفع الأحداث وإزالة النجاسات.
ومسلك قول أهل الخبرة من مسالك الاجتهاد في تحقيق المناط كما تقدم (4).
(1) أبحاث هيئة كبار العلماء: (6/ 216 - 217).
(2)
أبحاث هيئة كبار العلماء: (6/ 216 - 217).
(3)
ينظر: (268 - 269).
(4)
ينظر: (269 - 272).
وقد بنى مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قراره في جواز استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وتنقيتها على قول أهل الخبرة ، حيث ورد في القرار مانصُّه:"بعد مراجعة المختصِّين بالتنقية بالطرق الكيماوية، وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربعة، هي: الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة أثرٌ في طعمه ولونه وريحه، وهم مسلمون عدول، وموثوقٌ بصدقهم وأمانتهم. . ."(1).
وكذا أعضاء هيئة كبار العلماء بنوا قرارهم في جواز استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وتنقيتها على قول أهل الخبرة ، حيث ورد في القرار مانصُّه:" وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلُّص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يُعْتَبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير، حيث يُبذَل كثيرٌ من الأسباب المادية لتخليص هذه المياة من النجاسات، كما يشهد بذلك ويقرِّرُه الخبراء المختصُّون بذلك ، مما لا يتطرق الشكُّ إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم"(2).
(1) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (258)، مجلة البحوث الإسلامية:(العدد 49، ص 365 - 366).
(2)
أبحاث هيئة كبار العلماء: (6/ 216 - 217).