الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: حُجِّيَّة السُّنَّة
.
أجمع المسلمون على أن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية التي قُصِد بها التشريع والاقتداء حُجَّةٌ في الدِّين يجب قبولها ، ودليلٌ من أدلة أحكام الشرع يجب العمل بها، وهو من ضروريات الدِّيانة.
قال ابن أمير بادشاه: " حُجِّية السُّنَّة سواءٌ كانت مفيدةً للفرض أو الواجب أو غيرهما (ضرورةٌ دينية) ، كلُّ من له عقلٌ وتمييزٌ حتى النساء والصبيان يعرف أن من ثبتت نبوته صادقٌ فيما يُخْبِر عن الله تعالى ، ويجب اتباعه"(1).
وقد قامت أدلةٌ كثيرةٌ على حجيتها ، ومن ذلك:
أولاً: وردت آياتٌ كثيرةٌ في القرآن الكريم تنصُّ صراحةً على وجوب اتباع أمره صلى الله عليه وسلم ، ولزوم طاعته ، وردِّ كلِّ أمرٍ إليه، وعدم التقدَّم عليه، وأن ما يصدر عنه إنما هو وحيٌ من الله.
ومنها: قوله تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران: 32]
وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 132][آل عمران: 132].
وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الفرقان: 63]
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} [الحجرات: 1]
وقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4].
فهذه الآيات وغيرها تدل على لزوم طاعته صلى الله عليه وسلم، واتِّباع هديه، واقتفاء أثره ، ولولم تكن سُنَّته عليه الصلاة والسلام حُجَّةً يجب قبولها لما أمر الله
(1) تيسير التحرير: (3/ 22).
بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقرنها بطاعته ، وحذَّر من مخالفة أمره.
قال الشافعي: " وضع الله رسوله من دينه وفرْضِه وكتابه، الموضعَ الذي أبان - جل ثناؤه - أنه جعله عَلَمًا لدينه، بما افترض من طاعته، وحرَّم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قَرَن من الإيمان برسولَه مع الإيمان به"(1).
ثانياً: إن لزوم العمل بالقرآن يقتضي لزوم العمل بالسُّنَّة؛ لأنها بيانٌ للقرآن ، فهي تخصِّص عمومه ، وتقيِّد مُطْلَقَه ، وتوضِّح مُشْكِلَه ، وتفصِّل مُجْمَلَه ،ولايمكن الاستغناء بحالٍ عن السُّنَّةُ في فهم القرآن الكريم.
قال الشاطبي: " السُّنَّةً راجعةٌ في معناها إلى الكتاب؛ فهي تفصيل مُجْمَلِه، وبيان مُشْكِلِه، وبَسْطِ مُخْتَصَرِه؛ وذلك لأنها بيانٌ له .. "(2).
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن يشمل أنواع البيان كافّة ، سواءً كان بالأقوال ، أو الأفعال ، أو التقريرات (3).
ومن ذلك: أن القرآن الكريم تضمَّن فرائض مُجْمَلَةً تحتاج إلى البيان في كيفياتها ، ومقاديرها ، ومواقيتها ، ونحو ذلك ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها ، فجاءت السُّنَّة القولية والفعلية والتقريرية ببيان كيفياتها ، ومقاديرها ، ومواقيتها (4).
وهذا المعنى يستلزم القول بحُجِّية السُّنَّة؛ لأنه لايمكن العمل بالفرائض المُجْمَلَة في القرآن إلا بالعلم بالسُّنَّة، والعملِ بمقتضاها في تلك الفرائض ، فدلَّ ذلك على اعتبارها دليلاً على الأحكام الشرعيَّة لايجوز الحيد عنه.
ولهذا فإنه: "لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السُّنَّة؛ لأنه إذا كان كليَّاً وفيه أمورٌ جُمْليَّةٌ كما في شأن
(1) الرسالة: (73).
(2)
الموافقات: (4/ 314).
(3)
ينظر: إعلام الموقعين (4/ 98 - 104)، شرح الكوكب المنير (2/ 183 - 691) ، إرشاد الفحول (2/ 742).
(4)
ينظر: الرسالة للشافعي (21 - 22) ، إعلام الموقعين (4/ 98 - 104).