الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تعريف السَّبْر والتقسيم اصطلاحاً
.
السَّبْر والتقسيم لقبٌ مركبٌ من جزأين يُطلق في اصطلاح الأصوليين على مسلكٍ خاصٍّ من مسالك العِلَّة، وهو: حصر الأوصاف الموجودة في الأصل المقيس عليه، وإبطال ما لا يصلح منها للعِلِّية، فيتعين الباقي عِلَّةً (1).
وسُمِّي هذا المسلك بالسَّبْر وحَدْه، وبالتقسيم وحَدْه، وبالسَّبْر والتقسيم مركَّباً عند أكثر الأصوليين (2).
فالسَّبْر والتقسيم - كما هو ظاهرٌ من التعريف - يشتمل على أمرين (3):
أحدهما: حصر الأوصاف الموجودة في الأصل المحتمِلة للتعليل، وهو المُعبَّر عنه بـ " التقسيم ".
وثانيهما: اختبار الأوصاف واحداً واحداً في صلاحيته للتعليل به، وإبطال ما لا يصلح منها للتعليل، فيتعين الوصف الباقي للعِلِّية، وهو المُعبَّر عنه بـ" السَّبْر".
قال الجويني: " إن الناظر يبحث عن معانٍ مجتمعةٍ في الأصل، ويتتبعها واحداً واحداً، ويبيِّن خروج آحادها عن صلاح التعليل به إلا واحداً يراه ويرضاه"(4).
ومثاله: أن يقول المجتهد: إن تحريم بيع البُرِّ بالبُرِّ متفاضلاً ثبت لعِلَّة،
(1) ينظر: المستصفى (3/ 618)، المحصول (5/ 218)، الإحكام للآمدي (3/ 333)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 236)، البحر المحيط للزركشي (7/ 284)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 270)، تيسير التحرير (4/ 46)، شرح الكوكب المنير (4/ 142)، إرشاد الفحول (2/ 623).
(2)
ينظر: الضياء اللامع (2/ 351)، شرح الكوكب المنير (4/ 142)، نشر البنود (2/ 159)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي (400).
(3)
ينظر: شرح تنقيح الفصول (398)، نهاية الوصول (8/ 3361)، الإبهاج (3/ 77)، نهاية السول (4/ 129)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 270)، تيسير التحرير (4/ 46)، إرشاد الفحول (2/ 623)، نثر الورود (2/ 485).
(4)
البرهان: (2/ 534).
وهذه العِلَّة إما أن تكون " الكيل" أو " الطُّعْم" أو " القوت "، ثم يختبر تلك الأوصاف ويُبطل ما لا يصلح أن يكون عِلَّةً، والباقي من الأوصاف يتعين عِلَّةً للحُكْم، فيبطل - مثلاً - " القوت " و " الكيل " فلا يبقى إلا " الطُّعم " فيكون عِلَّةً للحُكْم، أو يبطل - مثلاً - " الطُّعم "، و" الكيل " فلا يبقى إلا " القوت " فيكون عِلَّةً للحُكْم (1).
ورغم أن " التقسيم " متقدمٌ في الترتيب الخارجي على " السَّبْر" إلا أنه في اصطلاح الأصوليين كما هو ظاهرٌ في لقب المسلك قُدِّم " السَّبْر" على " التقسيم "؛ لأن " السَّبْر" هو المقصد الأهم في الدلالة على العِلِّية، و" التقسيم " يُعْتَبر وسيلةً إليه، والعادة تقديم الأهمِّ على غيره، والمقصد على الوسيلة (2).
قال الطُّوفي: " ولو حملنا قولهم: " السَّبْر والتقسيم " على معنى سَبْر العِلَّة بتقسيم الأوصاف لعاد إلى ما قاله - أي: القرافي - إذ ذلك يفيد أن التقسيم سببٌ للسَّبْر "(3).
أو يُقال: إن السَّبْر وإن تأخر عن التقسيم فهو متقدِّم عليه أيضاً؛ لأنه أولاً يَسْبُر المحلَّ هل فيه أوصافٌ أم لا ثم يقسِّم، ثم يَسْبُر ثانياً، فقُدِّم " السَّبْر" في اللفظ باعتبار السَّبْر الأول (4).
(1) ينظر: المستصفى (3/ 618)، المحصول (5/ 217)، الإبهاج (4/ 134)، نهاية السول (4/ 134)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 236)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 270)، شرح الكوكب المنير (4/ 144)، إرشاد الفحول (623).
(2)
ينظر: نفائس الأصول (8/ 3524)، شرح تنقيح الفصول (398)، شرح الكوكب المنير (4/ 143)، نشر البنود (2/ 164 - 165)، نبراس العقول (369).
(3)
شرح مختصر الروضة (3/ 411).
(4)
ينظر: تشنيف المسامع (3/ 275 - 276)، الغيث الهامع (3/ 709)، حاشية زكريا الأنصاري على شرح جمع الجوامع (3/ 344)، شرح الكوكب المنير (4/ 143)، نشر البنود (2/ 164).