الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة والزكاة والحجِّ والصوم ونحوها؛ فلا محيص عن النظر في بيانه" (1).
ثالثاً: عمل الصحابة رضي الله عنهم في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، ومن بعدهم التابعون والمجتهدون في كلِّ عصرٍ ومصر ، حيث كانوا لايقدِّمون على القرآن والسُّنَّة شيئاً ، وإذا بلغتهم سُنَّةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعوها وعملوا بمقتضاها.
فهذه الأدلة وغيرها تقتضي اعتبار السُّنَّة دليلاً كليَّاً على الأحكام الشرعيَّة ، يلزم قبوله والعمل به.
المطلب الثالث: علاقة الاجتهاد في المناط بالسُّنَّة
.
تظهر علاقة الاجتهاد في المناط بالسُّنَّة في جوانب عديدةٍ من أهمها ما يأتي:
أولاً: إن مناط الحُكْم لابدَّ له من دليلٍ يشهد له بالاعتبار ، ومن أقوى الأدلة المُعْتَبرة مسلك النصّ والإيماء الذي يشمل الكتاب والسُّنَّة (2).
وأعني بالنصِّ: " ماتكون دلالته على العليِّة ظاهرةً سواءً كانت قاطعةً أو محتمَلة"(3).
وعبَّر بعض الأصوليين كالآمدي وصفي الدين الهندي عن النصِّ القاطع بالصريح، وهو: وهو ما وضع لإفادة التعليل، بحيث لا يحتمل غير العِلَّة، وله ألفاظٌ منها: كي ، ولأجل كذا ، ومن أجل كذا ، ولعِلَّة كذا (4).
وعبَّروا عن النصِّ المُحْتَمَل بالظاهر، وهو ما يحتمل غير العليِّة احتمالاً مرجوحاً ، مثل:"اللام"، و"إنّ"، و"الباء"، حيث نصَّ أهل اللغة على أن أصل الاستعمال فيها أنها للتعليل إلا لقرينة (5).
(1) الموافقات: (4/ 183).
(2)
ينظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 356) ، شرح الكوكب المنير (4/ 117).
(3)
المحصول: (5/ 139).
(4)
ينظر: شرح الكوكب المنير (4/ 118 - 117).
(5)
ينظر: الإبهاج (3/ 43 - 44) ، شرح الكوكب المنير (4/ 121 - 124).
قال الآمدي: " فهذه هي الصيغ الصريحة في التعليل وعند ورودها يجب اعتقاد التعليل، إلا أن يدلَّ الدليل على أنها لم يُقْصَد بها التعليل فتكون مجازاً فيما قُصِد بها "(1).
أما الإيماء فهو: "اقتران الوصف بحُكْمٍ لو لم يكن الوصف - أو نظيره - للتعليل لكان ذلك الاقتران بعيداً من فصاحة كلام الشارع، وكان إتيانه بالألفاظ في غير مواضعها، مع كون كلام الشارع منَّزهاً عن الحشو الذي لا فائدة فيه"(2).
ومن الأمثلة على النصِّ الصريح الكاشف عن مناطات الأحكام في السُّنة النبوية:
- قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن أكل لحوم الأضاحي في أول الأمر: "إنما نهيتكم من أجل الدَّافَّة فكلوا وادَّخروا وتصدَّقوا "(3).
أي: لأجل التوسعة على الطائفة التي قدمت المدينة أيام التشريق، وهم قومٌ وردوا عُرْباً، فأمرهم أن لا يدَّخروا لحوم الأضاحي توسعةً عليهم (4).
والدَّافَّة بتشديد الفاء: قومٌ يسيرون جميعاً سيراً خفيفاً ، ودفَّ يدِفُّ بكسر الدال، ودَّافَّة الأعراب: من يَرِدُ منهم المِصْر، والمراد هنا مَنْ وَرَدَ من ضعفاء الأعراب للمواساة (5).
فقوله صلى الله عليه وسلم: " من أجل الدَّافَّة" نصٌ صريحٌ على مناط الحُكْم، وهو النهي عن أكل الأضاحي ثلاثة أيام.
ومن الأمثلة على النصِّ الظاهر الكاشف عن مناطات الأحكام في السُّنة النبوية:
(1) الإحكام: (3/ 319).
(2)
شرح الكوكب المنير: (4/ 125).
(3)
أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الأضاحي ، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء، رقم (1971) من حديث عبدالله بن واقد رضي الله عنه.
(4)
ينظر: الإبهاج (3/ 43 - 44) ، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 359) ، شرح الكوكب المنير (4/ 118)
(5)
ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي (13/ 129) ، فتح الباري لابن حجر (10/ 27).
- قوله صلى الله عليه وسلم في المُحْرِم الذي وقصته (1) ناقته: " اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تحنِّطوه، ولا تخمِّروا رأسه (2)، فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبياً"(3).
وقد اختلفوا في التعليل " بإنّ " المشدَّدة المكسورة هل هو صريح، أو ظاهر، أو إيماء، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:" فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبيَّاً "؟
ذهب الآمدي (4)، وابن الحاجب (5) إلى أنه صريحٌ في التعليل، خصوصاً فيما لحقته الفاء؛ فإنها يزاد بها تأكيداً لدلالتها على أن ما بعدها سببٌ للحُكْم قبلها.
وعند البيضاوي (6)، وابن السُّبكي (7): أن التعليل بـ "إنّ" من قسم الظاهر.
قال ابن العطَّار: " قوله «فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبيا» عِلَّةً لقوله «لا تمسُّوه طيباً، ولا تخمِّروا رأسه» ، فإن النهي يفيد التحريم الذي هو من الأحكام الشرعية"(8).
وهذه العِلَّة إنما ثبتت لأجل الإحرام فتعمّ كلَّ مُحْرِم (9).
قال ابن حجر (10): " وقد وضح أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام ، كاستبقاء دم الشهيد"(11).
(1) الوقص: كسر العنق. ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 136).
(2)
أي: لا تغطوه. ينظر: فتح الباري (3/ 136).
(3)
أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب الكفن في ثوبين ، رقم (1265) ، وأخرجه مسلم ، كتاب الحج ،
باب مايفعل بالمحرم إذا مات ، رقم (1206) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
ينظر: الإحكام (3/ 318 - 319).
(5)
ينظر: مختصر ابن الحاجب (2/ 1072).
(6)
ينظر: منهاج الوصول (58).
(7)
ينظر: جمع الجوامع (88).
(8)
حاشية ابن العطَّار على شرح المحلي على جمع الجوامع: (2/ 307).
(9)
ينظر: إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 368) ، فتح الباري لابن حجر (3/ 137).
(10)
هو: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، شهاب الدين ابن حجر، من أكابر فقهاء المحدثين، عالمٌ محقِّق، ولي قضاء مصر مرات ثم تركه، من مؤلفاته: فتح الباري شرح صحيح البخاري (ط)، والإصابة في معرفة الصحابة (ط)، ولسان الميزان (ط) في علم الجرح والتعديل، توفي بالقاهرة سنة (852 هـ).
ينظر في ترجمته: الضوء اللامع (2/ 36)، البدر الطالع (1/ 87)، الأعلام للزركلي (1/ 178).
(11)
فتح الباري (3/ 137).
ومن الأمثلة على الإيماء والتنبيه الكاشف عن مناطات الأحكام في السُّنَّة النبوية:
- قوله صلى الله عليه وسلم: " من اقتنى كلباً إلا كلب صيدٍ أو ماشيةٍ نقص من أجره كلَّ يومٍ قيراطان "(1).
حيث رتَّب الحُكْم الذي هو نقصان الأجر على الوصف الذي هو اقتناء الكلب -لا لصيدٍ أو ماشية- بصيغة الجزاء ، فتكون العِلَّة في نقصان الأجر هو الاقتناء لغير حاجة ، وهو من أنواع الإيماء بالعِلَّة؛ لأن الجزاء يعقب شرطه ويلازمه، ولا معنى للسبب إلا ما يثبت عقب الحُكْم ويوجد بوجوده (2).
ثانيا: النصُّ من أهم المسالك المُعْتَبرة في تنقيح مناطات الأحكام ، وهويشمل نصوص الكتاب والسُّنَّة ، وماعُلِم من عادتهما في شرع الأحكام.
وقد تقدَّم أن تنقيح المناط له صورتان: (3)
الأولى: أن يدل نصٌّ ظاهرٌ على تعليل الحُكْم بوصف ، فيُحذَف خصوص ذلك الوصف عن الاعتبار ، ويُناط الحُكْم بالمعنى الأعم.
والثانية: أن يدل نصٌّ ظاهرٌ على تعليل الحُكْم بمجموع أوصاف، فيُحذَف بعضها عن الاعتبار، ويُناط الحُكْم بالباقي من الأوصاف.
وحاصل هاتين الصورتين أنه اجتهادٌ في الحذف والتعيين كما تقدَّم (4)، وكلاهما لابدَّ أن يُسْتَنَدُ فيه إلى دليلٍ شرعي؛ لأن الشرع كما اختصَّ بتقرير الأحكام فقد اختصَّ - أيضاً- باعتبار الأوصاف المؤثرة في تلك الأحكام وعدم اعتبارها كذلك ، فلزم الرجوع إلى شواهد الشرع (5).
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب المساقاة ، باب الأمر بقتل الكلاب ، رقم (1574) من حديث عبدالله ابن
عمر رضي الله عنهما.
(2)
ينظر: روضة الناظر (3/ 842) ، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 366 - 367) ، البحر المحيط للزركشي (5/ 201 - 202) ، التحبير شرح التحرير (7/ 3329) ، شرح الكوكب المنير (4/ 129).
(3)
ينظر: (71).
(4)
ينظر: (71).
(5)
ينظر: المستصفى (3/ 598) ، شفاء الغليل (412) ، أساس القياس (50) ،المقترح للبروي (215 -
216) ، نهاية الوصول لصفي الدين الهندي (7/ 3179) ، شرح الكوكب المنير (4/ 203) ،
قال الغزالي: " ومُدْرَكُه - أي: تنقيح المناط - شواهد الشرع"(1).
وعلى هذا فإن مناط الحُكْم لايتجرَّد ويتلخَّص متميزاً بحدِّه على كلِّ مالا يُعْتَبر فيه، وجامعاً لكلِّ ماهو معتبرٌ فيه "إلا بالتوقيف والتعريف من جهة الشرع"(2).
وجهة الشرع منحصرةٌ في الكتاب والسُّنَّة نصَّاً ودلالة ، وبهذا تكون السُّنَّة القولية والفعلية والتقريرية من أدلة تنقيح المناط.
والاستدلال بالسُّنَّة على تنقيح مناطات الأحكام لايقتصر على دلالة النصِّ فحسب، بل يشمل دلالات الألفاظ بأنواعها ، والأفعال، وقرائن الأحوال ، وتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم التي جرت مجرى العادة في الأحكام إثباتاً ونفياً.
قال الغزالي: " تعريفات الشارع مختلفةٌ بالإضافة إلى ما به التعريف؛ فتارةً يُعْرَفُ بالقول وتارةً بالفعل، ثم إذا عُرِفَ لا بالقول: تارةً يكون بإشارةٍ، وتارةً بسكوتٍ، وتارةً باستبشارٍ، وتارةً بإظهار آثار كراهيةٍ، وعلى الجملة: قرائن أحواله في تصريفاته وإشاراته وهيئة وجهه في الفرح والكراهية يجوز أن تكون معرِّفاتٍ جاريةً في إفادة التعريف مجرى القول، فيكون ذلك توقيفاً .. "(3).
ومن الأمثلة على ذلك:
- أن السُّنَّة جاءت بأحكامٍ كثيرةٍ تتعلَّق بالعتق: من تطرق القرعة إليه ، واستحقاقه بسبب القرابة ، وكيفية نفوذه من المريض ، وكيفية تعلُّق الولاية ، وكيفية كونه سبباً في الولاية ، ونحو ذلك ، والسُّنَّة في تلك الأحكام كلها تُجْرِي الذكورَ مجرى الإناث ، ولاتلتفت إلى الاختلاف بينهما أصلاً ، فعدم تعرُّض السُّنَّة لهذا الاختلاف في تلك الأحكام دليلٌ على أن مدخل الذكورة
(1) شفاء الغليل: (430).
(2)
أساس القياس: (52).
(3)
المرجع السابق: (52).
فيها كمدخل السواد والبياض والطول والقِصَر والتركي والهندي (1).
وبناءً على ذلك يصح أن نقول: الأَمَة في معنى العبد في قوله صلى الله عليه وسلم: " من أعتق شِرْكاً له في عَبْدٍ فكان له مالٌ يبلغ ثمن العبد قوِّم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصَصَهُمْ وعَتَقَ عليه، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ "(2).
ثالثا: قد يثبت الحُكْم بنصِّ السُنَّة ، ويدل ظاهر النصِّ على تعليل الحُكْم بوصفٍ ما، فيُجْتَهَد في حذف خصوص ذلك الوصف عن الاعتبار، ويُناط الحُكْم بالمعنى الأعمّ؛ لأن الوصف المذكور ليس عِلَّةً لذاته، بل لما يلازمه (3).
وتُعَدُّ هذه الصورة إحدى صور الاجتهاد في تنقيح المناط كما تقدم (4).
ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقضين حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان"(5).
فإنَّ ذكر الغضب مقروناً بالحُكْم يدل بظاهره على التعليل بالغضب، لكن ثبت بالنظر والاجتهاد أنه ليس عِلَّةً لذاته، بل لما يلازمه من التشويش المانع من استيفاء الفكر، فَيُحْذَف خصوص الغضب، ويُنَاطُ النهي بالمعنى الأعمّ (6).
رابعاً: قد يثبت الحُكْم بنصِّ السُّنَّة، ويدل ظاهر النصِّ على تعليل الحُكْم بمجموع الأوصاف المذكورة ، فيُجْتَهَد في حذف الأوصاف التي لاتصلح للعِلِّيَّة عن الاعتبار، وتعيين الباقي من الأوصاف مناطاً للحكم (7).
(1) ينظر: المرجع السابق (54 - 56).
(2)
سبق تخريجه: (66).
(3)
ينظر: تشنيف المسامع (3/ 318 - 319)، الغيث الهامع (3/ 735)، الضياء اللامع لحلولو المالكي (2/ 381)، نشر البنود (2/ 199)، نثر الورود (2/ 522 - 523).
(4)
ينظر: (64).
(5)
سبق تخريجه: (64).
(6)
ينظر: المراجع السابقة.
(7)
ينظر: المستصفى (3/ 488)، روضة الناظر (3/ 803)، الإحكام للآمدي (3/ 380)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 237)، الموافقات (5/ 19 - 20)، التحبير شرح التحرير (7/ 3333)، تشنيف المسامع (3/ 318 - 319)، الغيث الهامع (3/ 735)، الضياء اللامع لحلولو المالكي (2/ 205)، نشر البنود (2/ 199)، نثر الورود (2/ 523).
وتُعَدُّ هذه الصورة - أيضاً- من صور الاجتهاد في تنقيح المناط كما تقدم (1).
ومثاله: قصة الأعرابي الذي جامع أهله في رمضان، وجاء يضرب صدره وينتف شعره - كما في بعض الروايات - ويقول: هلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أعتق رقبة"(2).
فكونه أعرابياً، وكونه يضرب صدره، وينتف شعره، وكون الموطوءة زوجته، وكونه واقع أهله في ذلك الشهر بعينه، كُلُّها أوصافٌ لا تصلح للعِلِّية فَتُحْذَف عن درجة الاعتبار، ويُنَاطُ الحُكْم بالوصف الباقي الصالح للتعليل، وهو
…
" وقاع مكلَّفٍ في نهار رمضان "، فَيُلْحق بالأعرابي غير الأعرابي، ويُلْحَق به مَنْ جامع في رمضان آخر، ويُلْحَق به مَنْ وطِئَ أَمَتَه، ويُلْحَق به الزاني (3).
خامسا: قد يثبت الحُكْم بنصِّ السُّنَّة دون أن تتعرض لمناطه لا صراحةً ولا إيماءً ، فيُجْتَهَد حينئذٍ في استخراجه بأحد المسالك الاجتهادية كالمناسبة (4) أو السَّبْر
…
والتقسيم (5) أو الدوران (6).
ومن الأمثلة على ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبيعوا البُرَّ بالبُرِّ إلا مثلاً بمثل "(7) فهذا النصُّ لم يتضمن ما يدلُّ على عِلَّة تحريم الرِّبا في البُرِّ لا صراحةً ولا إيماءً، فيُجْتَهَد في استنباط عِلَّة الحُكْم بالنظر والاجتهاد القائم على الدلائل الشرعيَّة، فيقال - مثلاً -: عِلَّة تحريم الرِّبا في البُرِّ الطعم، أو الاقتيات، أو الكيل، أو غير ذلك (8).
(1) ينظر: (64 - 65).
(2)
سبق تخريجه: (48).
(3)
ينظر: المراجع السابقة.
(4)
ينظر (160).
(5)
ينظر (171 - 172).
(6)
ينظر (179 - 180).
(7)
سبق تخريجه: (49).
(8)
ينظر: رسالة في أصول الفقه للعُكْبَري (85)، المستصفى (3/ 490)، روضة الناظر (3/ 805)، الإحكام للآمدي (3/ 380)، نهاية الوصول لصفي الدين الهندي (7/ 3046)، الإبهاج (3/ 83)، البحر المحيط للزركشي (7/ 324).
سادسا: تُعتبَر السُّنَّة من مسالك تحقيق مناطات الأحكام في الأعيان ، فقد يدلَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده (1).
ومثاله: : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقاتٍ مختلفةٍ عن أفضل الأعمال فأجاب بإجاباتٍ مختلفةٍ، كلُّ إجابةٍ لو حُمِلت على إطلاقها أو عمومها لاقتضى ذلك التضادّ مع غيره في التفضيل، ولكن التفضيل لم يقع مطلقاً، إنما كان بحسب اختلاف الأحوال والأشخاص.
قال الشاطبي: " جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق، ويُشْعِر إشعاراً ظاهراً بأن القصد إنما هو بالنسبة إلى الوقت أو إلى حال السائل"(2).
ومن ذلك: ماجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل: أي العمل أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله ورسوله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مبرور" (3).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيُّ؟ قال ثم برُّ الوالدين، قلت: ثم أيُّ؟ قال الجهاد في سبيل الله"(4).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: " أتيت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرْني بأمرٍ آخُذُهُ عنك، قال: عليك بالصوم فإنه لا مثْل له "(5).
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: تُطِعمُ الطعام، وتَقْرأ السلام على مَنْ عَرَفْت ومَنْ لم تعْرفْ" (6).
(1) ينظر: (263 - 264).
(2)
الموافقات: (5/ 31).
(3)
سبق تخريجه: (218).
(4)
سبق تخريجه: (218).
(5)
سبق تخريجه: (218).
(6)
سبق تخريجه: (219).
فهذه الأحاديث التي أجاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال بأجوبةٍ مختلفة، إنما كانت بحسب وقتٍ دون وقت، وحالٍ دون حال، وشخصٍ دون شخص، وهو من صور تحقيق المناط في الأعيان بنصوص السُّنَّة النبوية.