الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفارق من الناس: الذي يَفرِق بين الأمور، أي: يَفْصِلُها.
والفارق من الإبل: التي تفارق إِلْفَها فَتَنْتِجُ وحْدَها.
وقيل: هي التي أخذها المخاض فذهبت نادَّةً في الأرض (1).
المطلب الثاني: تعريف إلغاء الفارق اصطلاحاً
.
إلغاء الفارق اصطلاحاً هو: بيان أن الفرق بين الأصل والفرع لا مدخل له في التأثير، فيلزم اشتراكهما في الحُكْم (2).
وتوضيحه أن يقال: لا فارق بين الأصل والفرع إلا كذا، وهو مُلْغَى؛ لأنه غير مؤثِّرٍ في الحُكْم، فيلزم اشتراكهما في ذلك الحُكْم؛ لاشتراكهما في الموجِب له.
ومثاله: إلحاق الأَمَة بالعبد في السراية الثابتة في قوله صلى الله عليه وسلم: " من أعتق شِرْكاً له في عَبْدٍ فكان له مالٌ يبلغ ثمن العبد قوِّم عليه قيمة عدلٍ، فأَعطى شركاءَه حصَصَهم وعَتَقَ عليه العبد، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عتق "(3).
فالفارق بين الأَمَة والعبد الأنوثة، ولا تأثير لها في منع السراية، فتثبت السراية فيها لِما شاركت فيه العبد (4).
وهذا المعنى يُطْلِقُ عليه جمهور الأصوليين مُسمَّى "إلغاء الفارق"، أو
(1) ينظر: الصحاح (4/ 1540 - 1541)، لسان العرب (11/ 168 - 169)، تاج العروس (7/ 47) " مادة: ف ر ق ".
(2)
ينظر: المحصول (5/ 230)، المقترح في المصطلح (231)، البحر المحيط للزركشي (7/ 326)، تشنيف المسامع (3/ 321)، الغيث الهامع (3/ 737)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 293)، الضياء اللامع شرح جمع الجوامع (2/ 382)، تيسير التحرير (4/ 77)، نشر البنود (2/ 205 - 206)، نثر الورود (2/ 523)، نبراس العقول (383).
(3)
سبق تخريجه: (66).
(4)
ينظر: المستصفى (5/ 597)، الإحكام للآمدي (3/ 7)، الإبهاج (3/ 80)، البحر المحيط للزركشي (7/ 322)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 293)، شرح الكوكب المنير (4/ 207).
" نفي الفارق " وذلك بالنظر إلى أنه لا فارق مؤثِّرٌ بين الأصل والفرع، فيشتركان في الحُكْم (1).
كما يُطْلِقُون عليه مُسَمَّى " القياس في معنى الأصل " وذلك إذا كان القياس بإلغاء الفارق، باعتبار أن الفرع فيه بمنزلة الأصل؛ لأنه في معناه فيؤخذ حكمه، وهو راجعٌ إلى أنه لا أثر للفارق (2).
ويُطْلِقُون عليه - أيضاً - مُسَّمَى " القياس الجلي " وذلك إذا قُطِعَ فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، أو " القياس الخفي " إذا لم يُقْطَعْ فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع بل كان مظنوناً (3) كما سيأتي بيانه في أقسام إلغاء الفارق (4).
ويُعَدُّ الإلحاق بإلغاء الفارق عند جمهور الأصوليين من أقسام القياس كما هو ظاهرٌ في تسميته بـ" القياس في معنى الأصل"، و" القياس الجلي"، و " القياس مع نفي الفارق "، وذلك لأن إلحاق الفرع بحُكْم الأصل - عندهم - له طريقان (5):
الأول: أن لا يُتَعَرَّض إلا للفارق بين الفرع والأصل، فيُعْلَم أنه لا فارق بينهما إلا فرقٌ غير مؤثرٍ في الشرع، فلا فرق حينئذٍ بينهما في الحُكْم.
قال الغزالي: " وهذا إنما يحسُن إذا ظهر التقارب بين الفرع والأصل،
(1) ينظر المراجع السابقة.
(2)
ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 7)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 353)، بيان المختصر للأصفهاني (3/ 139)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 341)، شرح الكوكب المنير (4/ 209)، نهاية السول (4/ 27 - 28)، مفتاح الوصول (124).
(3)
ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 6)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 223)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (2/ 247)، شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 339)، تيسير التحرير (4/ 76)، شرح الكوكب المنير (4/ 207).
(4)
ينظر: (90 - 91).
(5)
ينظر: المستصفى (3/ 602)، أساس القياس (65)، المحصول (5/ 20)، روضة الناظر (3/ 834 - 835) شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 353)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (19/ 285 - 286)، إرشاد الفحول (2/ 596)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي (387 - 391).
كقرب الأَمَة من العبد؛ لأنه لا يحتاج التعرُّض للجامع؛ لكثرة ما فيه من الاجتماع " (1).
الثاني: أن يُتَعَرَّض للوصف الجامع فيثبته في الأصل، ويظهر تأثيره في الحُكْم، ثم يبيِّن وجوده في الفرع، ولا يُلْتَفَت إلى الفوارق غير المؤثرة وإن كَثُرَت.
وذهب الحنفية إلى عدم اعتبار " نفي الفارق " من القياس، وسمَّوه "استدلالاً"؛ وذلك لمنافاته عندهم حقيقة القياس، إذ إنَّ حقيقته التسوية بين أمرين، وهو حاصلٌ في القياس الذي يُبْنَى على العِلَّة ابتداءً، وهذا لم يُبْنَ على العِلَّة، وإنما قُصِدَ فيه نفي الفرق ليس إلا، فحصل الاجتماع بالقصد الثاني لا بالقصد الأول، فلم يكن على صورة المقايسة. (2)
قال ابن الهمام الحنفي: "ولا يخفى أن هذا تقسيمٌ لما يطلق عليه لفظ القياس؛ إذ الجمع بنفي الفارق ليس من حقيقته "(3).
وما ذكره الحنفية لا يُخْرِج الإلحاقَ بنفي الفارق عن كونه قياساً؛ لأنه " إن نُظِرَ إلى العِلَّة فهي واحدةٌ في الصورتين، أعني صورة التي ذُكِر الجامع فيها والتي تُعُرِّض فيها لنفي الفارق، وإن نُظِرَ إلى ما فيه العِلَّة فهما صورتان مختلفتان، إذ صورة الإفطار بالجماع غير صورة الإفطار بالأكل والشرب قطعاً، غاية ما في الباب أنه يُظَنُّ اتحاد العِلَّة في الصورة الأولى بالمناسبة أو بغيرها من الطرق من غير تعرُّضٍ لنفي ما عداها، فيحصل الجمع بين الصورتين بالقصد الأول، وفي الثانية تُعْلَم العِلَّة لنفي ما عداها عن درجة الاعتبار باستقراء أحكام الشرع، فيحصل نفي الفارق بين الصورتين بالقصد الأول، ويحصل الجمع بينهما بالقصد الثاني، وذلك لا يُخْرِجُه عن كونه قياساً "(4).
(1) المستصفى: (3/ 602).
(2)
ينظر: المستصفى (3/ 602 - 603)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 353)، نهاية الوصول (7/ 3178)، البحر المحيط للزركشي (7/ 65)، التقرير والتحبير (3/ 282)، تيسير التحرير (4/ 77).
(3)
التحرير مع شرحه تيسير التحرير: (4/ 77).
(4)
نهاية الوصول: (7/ 3179).
وأياً كانت التسمية فالأمر في ذلك قريب، ولا مشاحة في الأسامي إذا استبانت المعاني؛ لأن من كان القياس عنده عبارة عن نوعٍ من الإلحاق تندرج تحته هذه الصور فإنما مخالفته في التسمية، فيكون الاختلاف في ذلك آيلاً إلى اللفظ ولا يترتب عليه فائدةٌ معنوية، وإن كان الأَوْلى تسمية الإلحاق بنفي الفارق قياساً؛ لأن النصَّ غيرُ مُشْعِرٍ به من طريق وضع اللغة (1).
قال إمام الحرمين الجويني (2): " وهذه مسألة لفظيةٌ ليس وراءها فائدةٌ معنوية، ولكن الأمر إذا رُدَّ إلى حُكْم اللفظ فَعَدُّ ذلك من القياس أمثل؛ من جهة أن النصَّ غير مُشْعِرٍ به من طريق وضع اللغة وموضع اللسان"(3).
(1) ينظر: البرهان (2/ 516 - 517)، المستصفى (3/ 601)، نهاية الوصول (7/ 3179)، البحر المحيط للزركشي (7/ 65)، إرشاد الفحول (2/ 596).
(2)
هو: عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني، الشافعي، الملقب بإمام الحرمين، العلامة الأصولي، الفقيه، من مؤلفاته: الورقات (ط)، والبرهان (ط)، والتلخيص، في أصول الفقه، ونهاية المطلب في الفقه الشافعي (ط)، وغيرها، توفي سنة (478 هـ).
ينظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 165)، طبقات الشافعية لابن هداية الله (174)، الأعلام للزركلي (4/ 160).
(3)
البرهان: (2/ 516)