الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا قال قائل: ما الفائدة من البيع إذا كانت هذه امرأة زنت ثلاث مرات يخشى إذا بيعت على آخر أن تزني فنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار؟
فنقول: فيه فائدتان: الفائدة الأولى للسيد، والفائدة الثانية للأمة، أما فائدة السيد: فلئلَّا يتهم السيد بالدياثة وإقرار أمته على الزنا، كأنه يقول للناس: انظروا أنا خليتها وبعتها، والفائدة الثانية للأمة: أنه ربما إذا تغير عليها الوضع تغيرت حالها، وكذلك إذا فكرت في الأمر وأنها كلما زنت ثلاث مرات سوف تباع وتنتقل من رجل إلى آخر فإنه ربما تتغير حالها.
ومن فوائد الحديث: أنها تباع ولو بثمن قليل لقوله: "ولو بحبل من شعر"، ولكن هل هذا مراد أو المبالغة، يعني: بعها ولو برخص؟ المراد الثاني بلا شك، وإلَّا حبل من شعر لم تجر العادة بأنه ثمن للإماء.
السيد يقيم الحد على مملوكه:
1165 -
وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم". رواه أبو داود.
- وهو في مسلمٍ مؤقوفٌ.
"أقيموا": فعل أمر، فهل هو للوجوب أو للاستحباب؟ الجواب: أنه للوجوب؛ لأنه الأصل في الأمر، ولأن إقامة الحدود من فرائض الله، وقوله "على ما ملكت أيمانكم" يشمل الذكور والإناث، وأن الإنسان يقيم الحد على ما ملكت يمينه من ذكور وإناث، فيقيم الحد على الأمة ويقيم الحد على العبد، وقوله:"الحدود" ظاهره العموم وأنه يشمل حدود الجلد وحدود القطع فيما لو سرق وستأتي في الفوائد، وقوله:"على ما ملكت أيمانكم" المراد بالأيمان هنا نفس الشخص، لكن يعبر باليمين عن الكل لأنها آلة الأخذ والإعطاء في الغالب.
ففي هذا الحديث دليل على وجوب إقامة الحدود لقوله: "أقيموا"، والأصل في الأمر الوجوب، وقد مر علينا في حديث عمر أن إقامة الحد فريضة.
من فوائد الحديث: أن السيد يقيم الحد على مملوكه سواء كان الحد جلدًا أم قطعًا أم غير ذلك للعموم في قوله: "الحدود". فهي صيغة جمع معرف بـ "أل" فيكون للعموم، والمشهور عند
الفقهاء رحمهم الله أنه لا يقيم على رقيقه إلَّا الجلد فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها"، ولكن الصواب العموم، وأن له أن يقيمه بالجلد والقطع بشرط أن يكون عارفًا بمحل القطع وعارفًا كيف يقطع؛ لأنه إذا لم يكن عارفًا بمحل القطع فقد يقطع أكثر مما يطلب أو دون ما يطلب، وإذا لم يكن عارفًا بكيفية القطع فقد يقطع على وجه محرم فيعتدي به على هذا الرقيق فإذا كان عارفًا بمحل القطع وعارفًا كيف يقطع وتبين أنه فعل ما يوجب القطع فما المانع؛ لأن الضرر في هذه الحال على السيد؛ فإذا كان الضرر عليه وباشره بنفسه فلا نرين مانعًا من أن يقيمه عليه كما يقيم الجلد.
ومن فوائد الحديث: إثبات ملك الإنسان، وأن هذا لا ينافي قول الله تعالى:{ولله ملك السموات والأرض} [آل عمران: 189]. لأن ملك الإنسان لما يملك ليس كملك الله سبحانه وتعالى للسموات والأرض، فإن ملك الله للسموات والأرض أعم وأوسع وأشمل يفعل ما يشاء عز وجل لكن ملكك لما تملك ضيق لا تملك إلَّا شيئًا يسيرًا مما في هذا الكون، ولا تملكه أيضًا على وجه الإطلاق، لو أردت أن تفعل فيه ما شئت لم تتمكن من هذا؛ إذ إنك لا تتصرف فيه إلَّا على حسب ما جاء به الشرع، ولهذا إذا قال إنسان: هذا المال مالي سأحرقه، قلنا: لا يجوز؛ لأن الشرع نهي عن إضاعة المال، لكن لله تعالى أن يفعل في خلقه ما يشاء، وحينئذٍ يكون قولنا: إن توحيد الربوبية هو إفراد الله عز وجل بالخلق والملك والتدبير لا ينافي ما ذكر.
ومن فوائد الحديث: إطلاق الجزء على الكل لقوله: "على ما ملكت أيمانكم".
قال: "وهو في مسلم موقوف" يعني: على عليَّ، والموقوف عند العلماء هو ما كان منتهي سنده الصحابي؛ يعني: ما أضيف إلى الصحابي فهو موقوف، وما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، والمضاف إلى الصحابي موقوف إلَّا أن يثبت له حكم الرفع، فإن ثبت له حكم الرفع صار مرفوعًا حكمًا، مثل: أن يخبر الصحابي عن شيء من أمور الغيب وهو ممن لم يعرف عنه الأخذ من بني إسرائيل فإن إخباره هذا له حكم الرفع.
فإذا قال قائل: إذا سقط كونه مرفوعًا فهل يسقط الاستدلال به إذا كان موقوفًا؟
فالجواب: لا؛ لأنه قول صحابي، قول أحد الخلفاء الراشدين، قول من غرف بالفقه والعلم وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيكون قوله حجة ما لم يخالف نصًّا أو صحابيًّا آخر، فإن خالف نصًّا فالعبرة بالنص، وإن خالف صحابيًّا آخر وجب أن نطلب المرجح، وهذه القاعدة في قول الصحابي: أن قول الصحابي المعروف بالفقه، ولاسيما الخلفاء الراشدون حجة بشرط ألَّا يخالف نصًّا أو قول صحابي، فإن خالف نصًّا وجب إطراحه، وإن خالف قول صحابي طلب المرجح.