الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإعزازهم، والكافر لا يستحق إكرامًا ولا إعزازًا، لما قال المنافقون: } ليخرجن الأعز منها الأذل {قال الله تعالى: } ولله العزة ولرسوله {. وأما المنافقون فلا عزة لهم وكذلك الكافرون.
ومن فوائد الحديث: جواز الرد عليهم يؤخذ من المفهوم؛ لأنه إذا كان نهى عن البداءة فالرد جائز ولكن هل يجوز أن أزيد في الرد على ما قال: إذا قال: السلام عليك، أقول: عليكم السلام ورحمة الله؟ يحتمل، الآية تدل على أن فيه احتمال: } وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها {.
فإذا قال قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ابتدائهم.
نقول: نعم عن الابتداء، لكن الزيادة هنا صارت تابعة للرد ويغفر في التوابع ما لا يغفر في الأوائل لكن إذا خشينا أن يتعاظم في نفسه لو رددنا عليه بأكثر فحينئذٍ نمنعه من أجل هذه المفسدة.
ومن فوائد الحديث: أن المسلم ينبغي أن يكون عزيزاً في دينه لا بشخصه، فيرى في نفسه أنه عزيز بما يحمله من دين الله من غير فخر ولا خيلاء؛ لأنه إذا رأى أي عزيز بالدين لم يكن عنده فخر ولا خيلاء لأن الدين يحارب الفخر والخيلاء، لكن لا ينبغي أبدًا أن يذل أمام الكفار وينبني على ذلك أننا لا نقلدهم فيما لا خير لنا فيه، أما ما فيه خير كالصنائع وغيرها فهذا ليس تقليدًا لهم في الواقع وإنما نأخذ من علومهم ما ننتفع به، كما أخذ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أريقط دلالته على الطريق ولم يقل هذا مشرك لا آخذ بدلالته بل أخذ بدلالته.
فإن قال قائل: وهل يلحق غير اليهود والنصارى بهم في النهي عن بداءتهم بالسلام؟
فالجواب: نعم، بل من باب أولى؛ لأن اليهود والنصارى أهل كتاب ولهم من الخصائص والمزايا على غيرهم ما لا يوجد في غيرهم فإذا نهى عن بداءتهم بالسلام فغيرهم من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: أننا لا نفسح المجال لهم إذا لقيناهم في الطريق لقوله: "إذا لقيتموهم
…
الخ".
ومن فوائد الحديث: أنه ليجوز أن نمكِّن اليهود والنصارى من المشي في الطرقات وغير ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: اطردوهم، بل قال:"اضطروهم إلى أضيقه".
صلح الحديبية:
1261 -
وعن السمسور بن مخرمة ومروان رضي الله عنهما "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية
…
" فذكر الحديث بطوله، وفيه: "هذا ما صالح عليه محمَّد بن عبد الله سهيل بن عمروٍ: على
وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها النَّاس، ويكف بعضهم عن بعض". أخرجه أبو داود وأصله في البخاريِّ.
بدأ المؤلف الآن في الهدنة، لأن الباب باب الجزية والهدنة وعام الحديبية العام السادس من الهجرة خرج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة على مكة معتمرًا في نحو ألف وأربعمائة رجل لا يريد إلا العمرة ومعه الهدي وأحرم من ذي الحليفة ولما وصل إلّى الحديبية أبى المشركون أن يدخل مكة حملهم على ذلك حمية الجاهلية وقالوا: لا تتحدث العرب أننا أخذنا ضغطة وكان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قد أراه الله من الآيات ما يقتضي أن يصالحهم وألا يدخل وذلك في ناقته حينما بركت وكان يزجرها ولكنها أبت فقال الناس: "خلأت القصواء" يعني: حرنت فقال صلى الله عليه وسلم: "والله ما خلأت وما ذاك لها بخلق" حتَّى البهائم لها أخلاق؟ نعم، "وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل"، الفيل الَّذي جاء به أبرهة ليهدم به الكعبة ولكنه - أعني الفيل - أبى أن يمشي انحبس في المغمَّس.
حبس الفيل بالمغمَّس حتَّى
…
صار يحبو كأنَّه معقور
ثمَّ قال: "والَّذي نفسي بيده"، أو قال:"نفس محمد بيده لا يسألوني خطة يعظمون بها حرمة الله إلا أجبتهم عليها" لا ذلأ لهم ولكن تعظيمًا لحرمات الله وحصل ما حصل وجرى الصلح، وكان فيه: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وكان قد قال: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ولكن سهيل بن عمرو [أنكر] قال: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولا منعناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله! ! فقال صلى الله عليه وسلم: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله" فأنكر صلى الله عليه وسلم إنكاره أن يكون رسول الله وأثبت أنه رسول الله، لكن تواضع للحق لا للخلق، وقال: اكتب محمد بن عبد الله وهو محمد بن عبد الله لا شك، لكن وصفه بالرسالة أفضل من وصفه بالنسب إلا أنه من باب تعظيم حرمات الله كتب محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو
…
إلخ، فكتب الكتاب على هذا الشرط ويوجد شروط أخرى لكن هذا هو المقصود من إيراده في هذا الباب، هذا ما صالح عليه على وضع الحرب عشر سنين يعني: لا حرب بينه وبين قريش لمدة عشر سنوات، وأطال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في المدة من أجل أن يستتب الأمن بين الناس وقد سمى الله تعالى هذا الصلح فتحًا: } لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا {[الحديد: 10]. فسماه الله تعالى فتحًا، لأن الناس اختلط بعضهم ببعض ولأنه مقدمة
للفتح الأعظم فتح مكة إذ إن سبب فتح مكة هو نقض المشركين لهذا العهد فصار كالمقدمة بين يدي فتح مكة، يأمن فيها الناس، من المراد بالناس؟ المسلمون والكافرون يأمنون يذهب الرجل إلى مكة ويرجع ويأتي الآتي من مكة ويرجع من دون أن يخاف على نفسه والثاني يكف بعضهم عن بعض.
1262 -
وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس رضي الله عنه، وفيه:"أنَّ من جاء منكم لم نردَّه عليكم، ومن جاءكم مَّا رددتموه علينا. فقالوا: أتكتب هذا يا رسول الله؟ قال: نعم، إنَّه من ذهب منَّا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا".
من القائل؟ سهيل "من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا" هذا شرط ثقيل جدًا، لأن ظاهره عدم العدل إذ أن العدل يقتضي أن من جاءنا منهم لا نرده كما أن من جاءهم منا لا يردونه أو من جاءهم منا ردوه ومن جاءنا منهم نرده أما أن تكون المسألة بالعكس فالغضاضة فيها على المسلمين ظاهرة لكن نظرًا إلى أن المقصود بذلك تعظيم حرمات الله صارت فتحًا مبينًا وخيرًا كثيرًا، وتعلمون ما في القصة من مراجعة أمير المؤمنين عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى قال: يا رسول الله، ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال:"بلى" وحصل مراجعة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينه وبين أبي بكر، وكان جواب أبي بكر كجواب الرسول صلى الله عليه وسلم سواًء بسواء.
يقول: "فقالوا: أتكتب هذا يا رسول الله؟ قال: نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله" الَّذي يذهب من المسلمين إلى الكفار مهاجراً إليهم لا لغرض تجارة أو نحوها فأبعده الله "وأما من جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا" يعني: لو رددناه سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا وكان الأمر كذلك فإن من جاءنا منهم رددناه إليهم جعل الله له فرجًا ومخرجًا كما سيذكر إن شاء الله.
ففي هذا الحديث فوائد: أولًا: بيان غطرسة الكفار وأنهم يريدون الحيلولة بين المسلمين وبين دينهم، يؤخذ ذلك: من منع المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم إلى مكة مع أن قريشًا قد فتحت الأبواب بل قد كسرت الأبواب لكل من جاء إلى مكة ليعتمر؛ لأنهم يستفيدون من ذلك استفادة دعائية واقتصادية وغير ذلك لكن الرسول لا، فمنعوه مع أنه هو ولي البيت: } وما كانوا أولياؤه إن أولياؤه إلا المتقون {[الأنفال: 34].
وفيه أيضاً: بيان أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ويتفرع على هذا أن نصبر وإن كان في الأمر غضاضة علينا ما دمنا ننتظر أو نريد رضا الله غز وجل.
ومن الفوائد: جواز مصالحة المشركين على وضع الحرب وهو ما يعرف بالسلم أو السلام لمدة عشر سنين لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صالح قريشًا على وضع الحرب لمدة عشر سنين مع أن قريشًا أخرجوا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم واحتلوها وهي أشرف البقاع وصالحهم عشر سنوات على ترك الحرب وعلى هذا فيكون هذا الحديث مخصصًا لقوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتَّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فيكون هذا مخصصًا لهذا العموم أي: ما لم يكن بيننا وبينهم عهد أو صلح، وهل العهد والصلح جائز للحاجة أو مطلقًا؟
الجواب: أنه جائز للحاجة والضرورة لا مطلقًا، فإذا دعت الحاجة إلى الصلح بيننا وبين الكفار فعلنا وإلا فالأصل وجوب القتال، واختلف العلماء رحمهم الله هل هذا خاص بقريش لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم صالحهم تعظيمًا لحرمة البيت أو هو عام؟ في هذا قولان للعلماء: منهم من قال: إنه عام وأنه تجوز مصالحة الكفار لمدة عشر سنوات مطلقًا ومنهم من قال: هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قصد بهذا تعظيم البيت لا إقامة الهدنة بينه وبين الكفار والصحيح العموم وعلى هذا فهل يختص جواز المصالحة بهذا القدر من الزمن، أي: عشر سنوات فأقل أو لنا أن نزيد للمصلحة؟ الصحيح: أنه لنا أن نزيد للمصلحة لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بنفسه أي: عقد عشر سنوات لكنه لم يقل للناس لا تعقدون فوق ذلك فيكون الأصل الجواز يعني لنا أن نقول: عشرين سنة أو خمس عشرة سنة لأنه لا دليل على التحريم، وهل لنا أن نطلق يعني: أن نصالح صلحاً غير مقيد؟
في هذا خلاف بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: لا بأس، وبعض العلماء يقول: لا لابد من التحديد والصحيح جواز الإطلاق وأنه يجوز أن نصالح الكفار على وضع الحرب بدون قيد وحينئذ نقول ما دام الأمر مقيدًا بالحاجة فما دمنا في حاجة إلى بقاء هذا الصلح فلنبقه وإذا وجدنا ضعفًا في عدونا أو وجدنا قوة فينا فلنا أن ندعوهم إلى الدخول في الإسلام أو بذل الجزية ولا حجة للعدو علينا في هذه الحال، لأننا ليس بيننا وبينه مدة معينة حتَّى يقول: غدرتم أو نقضتم العهد لأن العهد مطلق وهل يجوز أن نعاهد عهدًا دائمًا؟ لا، لأن العهد الدائم يعني: وضع الجهاد وإبطال فرضيته، وهناك فرق بين الدائم وبين المطلق، الدائم يعني المؤبد فيكتب مثلًا في العقد: أننا نضع الحرب بيننا وبينكم دائمًا أو أبدًا هذا حرام، لأنه إبطال لفريضة من فرائض الإسلام، بل جد ذروة الإسلام لأن الإسلام ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا تم الصلح فإنه لا يجوز الاعتداء على الكفار الَّذين جرى بيننا وبينهم الصلح لقوله: "يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض" فلا يجوز لأي واحد من الناس