الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضمان ما أتلفته المواشي:
1155 -
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ حفظ الحوائط بالنَّهار على أهلها، وأنَّ حفظ الماشية باللَّيل على أهلها، وأنَّ على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم باللَّيل". رواه أحمد والأربعة إلا التَّرمذيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان وفي إسناده اختلافٌ.
هذا الحديث أولاً: نسأل ما وجه وضعه في هذا الباب؟ والجواب عن ذلك: أن يقال وجه وضعه أن إهمال المواشي في الليل جناية على أهل الحوائط، يعني: البساتين فلذلك ناسب أن يدخله في هذا الباب، وقوله:"قضى" هل حكمًا أو قضى شرعًا؟ الجواب: نقول ما قضاه حكمًا فهو مقض شرعًا، والفرق بين ما قلت من جهة الحكم أو الشرع أنه هل المعنى هل رفعت قضية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قضى فيها بما ذكر أو أن الرسول قال ذلك كلامًا مخبرًا له عن أمر شرعي؟ نقول سواء هذا أو هذا فالحكم واحد: "قضى أن حفظ الحوائط بالنهار
…
إلخ" "الحوائط" جمع حائط وهي البساتين، وسميت بذلك لأنه يحوط عليها غالبً، فحفظ الحوائط على أهلها بالنهار وذلك لأن أهلها في يقظة ويستطيعون حفظها، ولأن الماشية في النهار ترسل من أجل أن ترعى، فكان على أهل الحوائط أن ينتبهوا ويحفظوا حوائطهم فهم المسئولون عن الحوائط وقوله: "بالنهار" الباء هنا بمعنى "في" لأن الباء تأتي للظرفية قال ابن مالك.
بِالبَا اسْتَعنْ وَعَدِّ عَوِّضْ أَلْصِقِ
…
وَمِثْلَ مَعْ وَعَنْ بِهَا انْطِق
ثم ذكر أنها أيضًا تأتي للظرفية واستدلوا لذلك بقوله تعالى: (وبالَّيل أفلا تعقلون)[الصافات: 138]، أي وفي الليل وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وتعليله ما ذكرنا أن الماشية في الليل لا حاجة أن ترسل بل تبقى في أعطانها إن كانت إبلا وفي أحواشها إن كانت غير إبل وأن على أهل الماشية "ما أصابت ماشيتهم بالليل" يعني: ما أتلفت الماشية بالليل فإنه على أهلها وجه ذلك أن أهل الحوائط معذورون لم يحملهم النبي صلى الله عليه وسلم حفظ حوائطهم وأن أهل الماشية مفرطون حيث لم يحفظوا ماشيتهم بالليل مع أن حفظها واجب عليهم.
هذا الحديث يستفاد منه فوائد متعددة: منها: أن الأحكام الشرعية مبنية على العلل المناسبة لأن ذلك هو الحكمة أن تكون الأحكام مبنية على العلل المناسبة وجه ذلك أن إلزام أهل المواشي بحفظ مواشيهم بالليل وإلزام أهل الحوائط بحفظ حوائطهم بالنهار مناسب تمامًا للحكمة.
ومن فوائده: أن ما أتلفت البهيمة من الحوائط في الليل من ثمر أو زرع فهو على أهلها، لأنهم هم الذين فرطوا بتركها مرسلة في الليل في وقت لم تجربه العادة.
ومن فوائد الحديث: أن ما أتلفته البهيمة بالنهار من الحوائط فليس فيه ضمان؛ لأن المسئول عن حفظ الحوائط هم أهلها إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما إذا أرسلها بقرب ما تتلفه في العادة مثل أن يكون حوله مزرعة فأرسل البهيمة فإن عليه الضمان واستدلوا لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه أو أن يرفع فيه فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي يرعى الحمى يقرب جدًا أن يرتع فيه وهذا الذي قالوه مراعاة للمعنى وإلا فلو أخذنا بظاهر الحديث ما كان على أهل الماشية ضمان ولو أرسلوها برب ما تتلفه نهم لو أنهم تقصدوا ذلك مثل أن يقول صاحب الماشية سأذهب بها إلى قرب مزرعة فلان وأتحين غفلته فحينئذٍ نعرف أن الرجل نوى العدوان فيضمن.
ومن فوائد الحديث: اعتبار العرف والعمل به لأننا لا نعلم أن للتفريق بين إتلاف البهائم في النهار وفي الليل إلا ما جرى به العرف حيث إن العرف أن أهل الحوائط يحفظونها في النهار وأن أهل المواشي يحفظونها في الليل وهذا الحديث -أعني: كون صاحب الماشية يضمن ما أتلفه- يخصص قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العجماء جبار"، يعني: البهيمة هدر لا ضمان فيما أتلفته فيقال: إنه يستثنى من ذلك ما إذا أرسلها صاحبها في الليل وأتلفت شيئًا من الحوائط وهل يلحق بذلك ما أتلفه من الأموال الأخرى غير الحوائط؟ الجواب: لا غير الحوائط يلزم صاحبها حفظها فلو أن البهيمة انطلقت على أكياس من الشعير في حوش مثلاً فأتلفته فإنه لا ضمان على صاحبها إلا أن تكون يده عليها إن كانت يده عليها فهو ضامن ومعنى كون يده عليها أن يكون قائدًا أو سائقًا أو راكبًا، فإذا كانت يده عليها فهو ضامن لكن إذا تم تكن يده عليها فإن الأصل فيما أتلفته أنه هدر ولا ضمان فيه لكن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الحوائط فرق بين الليل والنهار.
* * *