الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المهم فيما نعده لأعدائنا ألا نتفرق ونحن تحت راية واحدة، وألا نتفرق ونحن تحت رايات، يعني: مثًلا الأمة الإسلامية كم لها من دولة؟ دول كثيرة، بينما هي في صدر الإسلام دولة واحدة لكن تعددت الدول، هذه الدول هل هي متفقة أو مختلفة؟ مختلفة غاية الاختلاف متباينة غايو التباين، ثم الدولة الواحدة هل اتفق شعبها؟ الغالب لا، أحزاب: طوائف من الناحية السياسية، وطوائف من الناحية الدينية والأخلاقية والمنهجية، واخرج من بلادك ترى العجب العجاب، يمكن أن يكون كل قرية ترى نفسها دولة مستقلة في عقيدتها ومنهجها وأعمالها وأحكامها، فكيف مع هذا التفرق نريد أن ننتصر على أعدائنا؟ !
ولهذا يحكى لنا أن هناك كلمة حكيمة يطلقها الإنجليز، يقولون: فرق تسد؛ أي: تكون أنت السيد؛ لأنك إذا فرقت الناس صار الناس يضرب بعضهم بعضًا وأنت تتفرج، وهذا هو الواقع بالنسبة لنا على كثرة المسلمين وما عندهم من القوة وإن كانت لا تضاهي ولا تقارب قوة الكفار لكننا متفرقون، وليس هذا من إعداد القوة لأعدائنا، بل هذا من أسباب الفشل كما قال تعالى: } ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين {] الأنفال: 46 [. ولهذا نحن نحرص دائمًا على تأليف القلوب وعدم الاختلاف وعدم الفوضى الكلامية والقلبية، ونرى أن الناس يغضون عما يحصل من الأشياء التي قد يستنكرونها يرجون بذلك جمع الكلمة؛ لأن جمع الكلمة مهم جدًا لاشك أنه قد مر على بعضكم من النصوص ما يدل على أن الاجتماع من أهم ما يكون للشرع حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يبع بعضكم على بيع بعض"، لماذا؟ لأنه يؤدي إلى التباغض والتنافر، فتجدون أن الشرع ضد كل طريق يكون فيه اختلاف.
الترغيب في الجهاد في سبيل الله:
1208 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه به، مات على شعبة من نفاق". رواه مسلم.
"من مات" الجملة هذه شرطية، فعلى الشرط فيها "مات"، وجواب اشلرط فيها "مات" الثانية.
قوله: "ولم يغز" أي بالفعل، "ولم يحدث نفسه بالغزو" أي: لو قام الجهاد بأنه سيجاهد إذا قام الجهاد من لم يفعل ذلك مات على شعبة من النفاق، ووجه ذلك: أن المؤمن حقًا هو المجاهد في سبيل الله، أما المنافق فإنه أجبن الناس ولا يمكن أن يجاهد ولا أن يحدث نفسه بالجهاد، ولهذا رجع من الجيش في غزوة أحد نحو الثلث؛ لأنهم كانوا منافقين، فالمنافق لا
يريد الجهاد ولا يحدث نفسه به؛ لأنه عكس ما يراد بالجهاد؛ إذ إنه يريد أن تكون كلمة الله هي السفلى فلا يمكن أن يحدث نفسه بالغزو، فمن كان من المؤمنين على هذا الوجه "مات على شعبة" أي: على جانب، وشعبة الشيء جانبه، على جانب "من النفاق" والنفاق هو إبطان الشر وإظهار الخير، فإن كان الذي أبطنه كفرًا والذي أظهره إيمانًا صار منافقًا نفاقًا أكبر من الذين في الدرك الأسفل من النار، وإن كان معصية صار منافقًا نفاقًا أصغر، لماذا سمي هذا النوع من العمل السيء بالنفاق يعني: إبطان الشر وإظهار الخير، لماذا سمي بالنفاق؟ قالوا: لأنه مأخوذ من النافقاء وهي نافقاء اليربوع، واليربوع دويبة أكبر من الفأرة قليلًا رجلاه طويلة ويداه قصيرة، ـ لكنه ذكي وله حيل منها أنه يحفز له جحرًا في الأرض ويجعل له بابًا يخرج منه، ويدخل منه ثم يحفر في أقصى الجحر صاعدًا إلى الأرض حتى إذا بقى عليه مثل القشرة وقف من أجل إذا حجره أحد من بابه فتح النافقة هذه، والذي ينظر إلى الجحر من الأصل يقول: هذا ليس له إلا باب واحد، فهو قد أخفى الباب الثاني خداعًا ولهذا اشتق من هذه النافقاء كلمة نفاق.
ففي هذا الحديث: أنه يجب على الإنسان أن يغزو، فإن لم يفعل فليحدث نفسه بالغزو إذا قام ساق الجهاد.
وفيه أيضًا: التحذير من النفاق، ولعمر الله إنه لعمل سيئ يجب الحذر منه؛ لأن المنافق يرائي الناس بأعماله يظهر للناس أنه مستقيم وأنه على الهدى وهو بالعكس وقد قال الله تعالى: } إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلًا {] النساء: 142 [
ومن فوائد الحديث: أن النفاق يتشعب يكون أكبر وأصغر لقوله: "على شعبة من النفاق"، وهل الإيمان يتبعض؟ نعم، الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة.
ومن فوائد الحديث: أنه يمكن أن يجتمع في الإنسان خصال إيمان وخصال كفر، فالنفاق من خصال الكفر، وهذا الذي قررناه هو مذهب السلف وأئمة الخلف، وعليه درج أهل السنة والجماعة أن الإنسان يكون فيه خصلة إيمان وخصلة كفر، وقال بعض أهل البدع: لا يمكن أن يجتمع إيمان وكفر، فإما كفر خالص أو إيمان خالص، وهؤلاء هم الخوارج والمعتزلة، وكذلك المرجئة الخوارج يقولون: لا يمكن أن يكون في الإنسان خصال إيمان وكفر، إما كفر وإما إيمان، ولهذا لا يزيد الإيمان عندهم ولا ينقص، ففاعل الكبيرة كالزاني مثلًا عند الخوارج كافر خارج من الإيمان هو ومن يسجد للصنم سواء، وعند المرجئة: مؤمن كامل الإيمان لم ينقص إيمانه؛ لأن الإيمان عندهم هو المعرفة سواء استلزم القبول والإذعان أم لا.
هناك طائفة تمحلت وتمعرفت وتمعلقت وهم المعتزلة قالوا: لا نقول مؤمن ولا كافر، بل نقول: في منزلة بين المنزلتين، لا نسميه مؤمنّا ولا نسميه كافرًا نسميه في منزلة بين المنزلتين، لو أن أحدًا سافر من أهل المدينة إلى مكة وفي أثناء الطريق وقف هل نقول: إنه من أهل المدينة؟ لا، ولا من أهل مكة، لأنه لم يصل إليها بعد، يقولون: هذا في منزلة بين المنزلتين، هذا الفاعل للكبيرة لا يكون مؤمنًا، لأنه خرج من الإيمان، ولا يكون كافرًا، لأنه لم يصل إلى الكفر، وهو في الأخر مخلد في النار كما يقول الخوارج تمامًا، لكن أهل السنة - والحمد لله - هداهم الله تعالى الصراط المستقيم وقالوا: يجب أن نقول بالعدل، نقول: هذا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان، وهذا هو الحق.
1209 -
وعن أنس رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:(وجاهدُوا المشركين بأموالكُم، وأنفسكُم، وألسنتكُم). رواهُ أحمد، والنسائيُّ، وصححُه الحاكمُ.
(جاهدوا) فعل أمر، ومعناه: ابذلوا الجهد، يعني: الطاقة في معاملة المشركين لأجل إعلاء كلمة بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، أما الأموال فأن يدفع الإنسان شيئًا من ماله للمجاهدين في سبيل الله، أو لشراء السلاح ليجاهد به في سبيل الله ومن جهز غازيًا فقد غزا، (أنفسكم) أن يباشر الإنسان نفسه الجهاد في سبيل الله، الثالث:(ألسنتكم) وذلك بالخطب والأشعار وما أشبه ذلك كهجاء المشركين وتشجيع المسلمين المجاهدين، ويحتمل أن يكون المراد بقوله:(وألسنتكم): بيان الحق، فيكون منفصلًا عما قبله، ويكون المراد بالجهاد باللسان هُو جهاد أهل العلم يجاهدون بألسنتهم فيبينون للناس شريعة الله ويدعونهم إليها، وأيهما أولى أن نقول: المراد بالجهاد باللسان الخطب التَّي تحث على الجهاد والتَّي توجب وهن أعدائنا وكذلك القاصئد، وكم كلمة صارت أشد من السيوف، وكان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يحث حسَّانا على هجاء المشركين ويقول:(اللَّهُمَّ أيده بروح القدس)، أو أن نقول: إن المراد بالألسن بيان الحق، ويكون المراد بالجهاد هنا جهاد العلم، فيبين للناس ما نُزل إليهم، أو الأمرين معًا؟ الأمرين جريًا على القاعدة التَّي تقول: إذا أمكن جمل اللفظ على المعنيين بدون تناقض فهو أولى من الاقتصار على أحدهما، وعلى هذا فيكون هذا أعم.